بعد مرور ثلاث سنوات على إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في
مصر، أشار تقرير حديث لـ"الجبهة المصرية لحقوق الإنسان" إلى "تدهور مستمر في الحقوق المدنية والسياسية".
وكانت الحكومة المصرية، قد أصدرت وثيقة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في أيلول/ سبتمبر 2021، وذلك بمبادرة من رئيس النظام المصري، عبد الفتاح
السيسي.
وتهدف الاستراتيجية، وفقاً لرؤيتها المُعلنة، إلى "تعزيز
حقوق الإنسان في مصر بكافة جوانبها، عبر دعم الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالاستناد إلى الضمانات الدستورية والقانونية، إضافة إلى الاتفاقيات الدولية والإقليمية".
إنكار الإخفاء القسري
أشارت "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان" في تقريرها المعنون بـ"سياسة الجري في المكان" إلى أنّ: "الاستراتيجية تجاهلت ذكر جريمة الاختفاء القسري، رغم توثيق آلاف الحالات من ضحايا هذه الممارسة التي يُتهم بها جهاز الأمن الوطني".
كذلك، أوضحت المنظمة، أن أجندة الحوار الوطني الذي انطلق بدعوة من السيسي لم تتطرق لهذا الموضوع، كما لا تحتوي التشريعات الوطنية على قوانين تجرّم الاختفاء القسري، رغم توصيات الأمم المتحدة لمصر، بضرورة التصديق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والتحقيق في الادعاءات المتعلقة بهذه الجريمة ومحاسبة المسؤولين عنها.
ووفقاً للتقرير نفسه، فإن حملة "أوقفوا الاختفاء القسري" قد وثّقت تعرض 821 شخصاً للاختفاء القسري، خلال الفترة من آب/ أغسطس 2022، حتّى آب/ أغسطس 2023، ليصل إجمالي عدد الحالات الموثقة منذ بدء الحملة إلى 4253 شخصاً.
وأشار التقرير إلى أنّ بعض الأشخاص يظلون مختفين قسرياً لسنوات، قبل أن يظهروا أمام نيابة أمن الدولة العليا، فيما لم يظهر آخرون حتى بعد مرور سنوات طويلة، إذ هناك حالات تجاوزت مدة اختفائها عشر سنوات، مثل عمرو إبراهيم متولي وخالد حافظ عز الدين.
من سجين إلى "نزيل"
تناول التقرير أيضاً، أوضاع المحتجزين داخل السجون، مشيراً إلى أنّ: "التقرير الفني الأول للاستراتيجية أشار إلى عدّة تدابير جديدة، مثل إصدار القانون رقم 14 لسنة 2022 لتعديل قانون تنظيم السجون وإنشاء مراكز إصلاح وتأهيل جديدة، بما يعكس تغييراً في فلسفة إدارة السجون في مصر".
وتابع: إلا أن هذه التعديلات اقتصرت على تغيير المسميات فقط، حيث أصبح "السجين" يُعرف باسم "نزيل"، و"السجن" باسم "مركز إصلاح وتأهيل".
وأكد التقرير ذاته، أن "أوضاع حقوق السجناء لم تشهد أي تغييرات ملموسة على أرض الواقع مع تطبيق القانون الجديد".
إهمال وقتل متعمد
تابع التقرير قائلاً إنه: "على الرغم من تأكيد تقارير متابعة تنفيذ استراتيجية حقوق الإنسان على توفّر الخدمات الطبية في السجون الجديدة، بما في ذلك الكشف الطبي على النزلاء، خصوصاً الوافدين الجدد، إلا أن الواقع يظهر تزايداً ملحوظاً في حالات الوفاة داخل مقرات الاحتجاز والسجون".
وأشار إلى أنه قد ارتفعت هذه الحالات بشكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة، خاصّة تلك التي نتجت عن الإهمال الطبي.
إلى ذلك، وثق التقرير 19 حالة وفاة، كانت نتيجة الإهمال الطبي في مراكز الاحتجاز، كما أشار في الوقت نفسه إلى: "ما شهدته سجون بدر 1 و3 من حالات انتحار لبعض المحتجزين بسبب الانتهاكات المتعددة التي تعرضوا لها".
الاعتقال أكثر من الإفراج
من بين الانتهاكات التي أبرزها التقرير، أيضا، هي منع الزيارات في سجن بدر 3، واختيار زيارات محدودة بشكل انتقائي، إضافة إلى حرمان المحتجزين من الأدوية والطعام وأدوات النظافة الشخصية، فضلاً عن رفض تحويل المرضى إلى المستشفيات لتلقي العلاج.
وبالنسبة لحالات الإفراج عن السجناء السياسيين، أوضح التقرير أن عدد المعتقلين في قضايا سياسية كان ثلاثة أضعاف عدد الذين تم الإفراج عنهم سواء بقرار من النيابة أو عبر العفو الرئاسي، منذ بدء عمل لجنة العفو في نيسان/ أبريل 2022.
ووفقاً للتقرير، فإنه قد تم إخلاء سبيل وعفو عن 2154 شخصاً، في حين تم اعتقال 6098 آخرين خلال نفس الفترة.
سيطرة إعلامية كاملة
أما بخصوص ما يتعلق بالسيطرة على المشهد الإعلامي، ذكر التقرير أن المخابرات المصرية لعبت دوراً مهماً في "شراء" العديد من المنابر الإعلامية والصحافية، ما أدى إلى "استحواذ الدولة" على جميع هذه المؤسسات بشكل شبه كامل.
وأشار التقرير إلى أنّ: "السلطات المصرية تواصل ملاحقة السياسيين والصحفيين ودور النشر بسبب تعبيرهم عن آرائهم". كما لفت إلى حادثة اعتقال الصحفي خالد ممدوح، خلال الشهر الماضي، والمتحدث السابق باسم الحركة المدنية الديمقراطية، يحيى حسني عبد الهادي، بسبب نشره مقالاً.
بالإضافة إلى ذلك، داهمت قوات الأمن في آب/ أغسطس الماضي مقر شركة المرايا للثقافة والفنون، فيما صادرت بعض ممتلكاتها، وقامت بتحرير محضر ضدها.
وأكد التقرير أنّ الوقائع والأرقام التي رصدها حول محدودية التقدم في حقوق الإنسان بعد ثلاث سنوات من إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان تشير إلى أنّ: "الاستراتيجية لم تركز على تعزيز الحقوق المدنية والسياسية بقدر ما عملت على إدارة العلاقات الخارجية، مما قد يزيد من تفاقم الأزمة في ملف حقوق الإنسان الذي يتداخل مع العديد من القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تواجهها البلاد".