قضايا وآراء

الملفات المؤجلة لما بعد الانتخابات الأمريكية

"هل بالفعل الانتخابات الأمريكية قادرة على تحويل السياسات الأمريكية وتغييرها في أماكن شتى في العالم؟"- الأناضول
تتعامل الدول مع الانتخابات الأمريكية كما يتعامل موظفو المؤسسات مع السنة المالية، فكلما اقتربت نهاية هذه السنة تباطأت القرارات وبدأت عملية ترحيل الملفات الهامة والمشروعات إلى السنة الجديدة؛ حيث الموازنات الجديدة والخطة الجديدة. وهي آفة من آفات الإدارة الحديثة التي تعطي للبيروقراطية أولوية على مصالح البلاد والعباد. ولهذا بدأ العالم وخاصة العالم العربي منذ أشهر؛ الدخول في أتون ساعة الانتظار لمعرفة سيد البيت الأبيض الجديد، وهي مرحلة شعارها المماطلة والترحيل.

على الصعيد الفلسطيني، يماطل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طوال الوقت، أملا في أن يعود مرشحه المفضل الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الحكم مرة أخرى. وتماطل إيران وتؤخر كل ردودها وخطواتها الاستراتيجية تجاه إسرائيل إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، وهذا ما يفسر ربما ردود الفعل المنضبطة من إيران تجاه إسرائيل والعكس.

ولهذا فليس من المتوقع أن تنخرط إسرائيل أو تقبل بأية صفقة تنهي الحرب في غزة خلال الأسابيع القليلة القادمة قبل تحديد هوية الرئيس الأمريكي الجديد، حتى ولو وافقت حركة حماس على كل شروطها، فالشروط المطروحة حاليا هي شروط مطروحة كي تُرفض وليست لحل المسألة.
ليس من المتوقع أن تنخرط إسرائيل أو تقبل بأية صفقة تنهي الحرب في غزة خلال الأسابيع القليلة القادمة قبل تحديد هوية الرئيس الأمريكي الجديد، حتى ولو وافقت حركة حماس على كل شروطها، فالشروط المطروحة حاليا هي شروط مطروحة كي تُرفض وليست لحل المسألة
وعلى صعيد الدول العربية وموقفها من العدوان على غزة، فمعظم هذه الدول تسعى لتجميد موقفها انتظارا للرئيس الأمريكي الجديد لتحديد بوصلة الحركة وردود الفعل.

أما على صعيد الصراع الروسي الأوكراني والذي هو في حقيقته صراع أمريكي روسي، فالرئيس الروسي نفسه صرح قبل أيام بأن مستقبل علاقة بلاده مع الولايات المتحدة الأمريكية مرهون بما ستسفر عنه الانتخابات الأمريكية. ولا يخفي الرئيس الروسي رغبته في أن يعود ترامب إلى البيت الأبيض، معتبرا أن تصريحات هذا الأخير عن نيته لإنهاء الحرب في أوكرانيا نابعة من رغبة صادقة.

الصين هي الأخرى تقف مترقبة ما ستسفر عنه الانتخابات الأمريكية ليس فقط لتحديد خطواتها القادمة تجاه ملفات حساسة مثل تايوان أو تمددها الاستراتيجي في العالم، ولكن أيضا من زاوية العلاقات التجارية والسياسية مع الولايات المتحدة. لقد نجح طوفان الأقصى في غزة في استنزاف جزء مهم من المقدرات الأمريكية وصرفها عن النفوذ الصيني في العالم، وبالتالي تعرض هذا الملف للتجميد حتى إشعار آخر.
لماذا إذن تحال كل هذه القضايا إلى ما بعد إعلان الفائز في واشنطن؟ الإجابة الأيسر والأسرع لأن الولايات المتحدة ذاتها هي من تريد ذلك. فبعيدا عن نظريات المؤامرة، تبدو الدبلوماسية الأمريكية مترددة ومتباطئة وغير حاسمة في معظم الملفات قبل أشهر من الانتخابات الأمريكية؛ لأنها تعرف أن هناك طاقما جديدا سيأتي ربما للإدارة وهو ما يعني الرغبة في التكيف مع أولوياته وطريقته في العمل

المشكلة في الملفات المؤجلة هذه أن بها فواتير دموية تزداد فداحة، وعلى رأسها فاتورة الحرب الإسرائيلية الشعواء على قطاع غزة وتوابع هذا العدوان في الضفة وفي لبنان. فكل ثانية تمر تعني أرواحا جديدة تزهق، وهذه الفواتير ليست في حسابات سيد البيت الأبيض الجديد ولا في حسابات كل الأطراف التي تنتظر حسم هذه الجولة من السباق الرئاسي.

السؤال الأبرز هنا، هل بالفعل الانتخابات الأمريكية قادرة على تحويل السياسات الأمريكية وتغييرها في أماكن شتى في العالم؟ الإجابة التي يعرفها القاصي والداني من أول رجل الشارع الأمي وحتى أكبر السياسيين؛ أن الانتخابات الأمريكية بشكل أساسي هي تغيير للوجوه وليست تغييرا للسياسات الاستراتيجية، مع هامش بسيط متاح للتغيير للحزبين الجمهوري والديمقراطي في حال وصل مرشح أي منهما للسلطة. لماذا إذن تحال كل هذه القضايا إلى ما بعد إعلان الفائز في واشنطن؟ الإجابة الأيسر والأسرع لأن الولايات المتحدة ذاتها هي من تريد ذلك. فبعيدا عن نظريات المؤامرة، تبدو الدبلوماسية الأمريكية مترددة ومتباطئة وغير حاسمة في معظم الملفات قبل أشهر من الانتخابات الأمريكية؛ لأنها تعرف أن هناك طاقما جديدا سيأتي ربما للإدارة وهو ما يعني الرغبة في التكيف مع أولوياته وطريقته في العمل، خاصة مع تغيير المرشح الديمقراطي الرئيس الحالي جو بايدن إلى كاميلا هاريس، أي أن هناك شخصية جديدة ستدخل البيت الأبيض في كل الأحوال.

x.com/HanyBeshr