إذا
دارت عجلة
الحرب في أية منطقة فإنها ككرة اللهب بالمعنى الحقيقي والمجازي، والنار
حين تشتعل لا عقل لها، هي تحرق وفقط. وهذا ينطبق على معظم الصراعات والحروب الكبرى
في التاريخ القديم والحديث والمعاصر. فهناك من يملك القدرة والرغبة على إشعال عود
الثقاب لتبدأ الحرب لكنه لا يملك نفس القدرة لإطفاء نارها بالطريقة ذاتها حتى وإن
امتلك الرغبة، وهذا ينطبق على الحرب
الإيرانية الإسرائيلية الحالية.
كان
الحديث يدور لسنوات حول احتمال مواجهة مفتوحة بين إيران وإسرائيل، وكانت التقديرات
تتفاوت عن موعد بدء المعركة وشكلها وحجمها حتى اشتعلت في حزيران/ يونيو 2025، أما
وأن الحرب قد اشتعلت فليس معلوما كيف ومتى ستنتهي. وأزعم أنه لا إسرائيل ولا
الولايات المتحدة ولا إيران تملك القدرة على إجابة هذا السؤال. وأكبر مثال على حجم
هذه الحرب ومدتها هو الحرب بين روسيا وأوكرانيا، اشتعلت منذ أكثر من ثلاثة سنوات
ولا تزال ممتدة حتى الآن، ولا أحد يعرف متى سينتهي هذا الصراع الأوكراني الروسي.
في
الحرب الحالية بين إيران وإسرائيل، الطرفان يحاربان والجميع يراقب ويترقب الخسائر والمواقف
والمكاسب الجزئية والشاملة، هناك أصوات خافتة تطالب بوقف إطلاق النار والعودة إلى
طاولة المفاوضات، وأصوات أعلى وأقوى تحاول جر الولايات المتحدة لمستنقع الحرب
العسكرية المباشرة ومواجهة طهران.
الفرق
بين الحرب الحالية وأية حروب أخرى في السنوات أو العقود الماضية؛ هو أنها حرب
مباشرة وليس عبر وكلاء، باستثناء حرب العراق 2003، أي حرب بين الدول مباشرة وليس
بين الفاعلين من الدول ومن غير الدول؛ مثل حزب الله وجماعة أنصار الله الحوثيين
وحماس. وهذا النوع الأخير كان يعطي مجالا كبيرا للمناورة واللعب من وراء الستار من
أجل تحكم أكبر في مجرى الصراع، عبر أدوات ضغط وقنوات دبلوماسية مفتوحة.
الموقف الأمريكي وإن كان داعما علنيا عسكريا ودبلوماسيا لإسرائيل، إلا أنه فعليا غير داعم من الناحية السياسية، فالقرارات تخرج من عقلية نتنياهو ويجر الولايات المتحدة بشكل أزعج حتى الأمريكيين أنفسهم
نجح
بنيامين
نتنياهو أن يصدّر فشله في غزة إلى الخارج عبر المواجهة مع حزب الله، وها
هو يصدّره مرة أخرى إلى إيران. في المرة الأولى انتشى فرحا وهو يحصد رؤوس قادة حزب
الله واحدا تلو الآخر حتى قلّم أظافر الحزب تماما. لم يكن يدري وقتها أنه يحضّر
لتغيير دراماتيكي كبير في دولة الجوار سوريا، ويمهد بشكل غير مباشر لهزيمة بشار
الأسد وانتصار مدو للثورة السورية. وهي نتيجة يحاول تداركها منذ أكثر من ستة أشهر
ولا يستطيع. فلا الولايات المتحدة أعطته مزيدا من الضوء الأخضر في الملف السوري،
ولا هو قادر على إعادة عقارب الساعة للوراء لعهد بشار الأسد. تزامن هذا مع تخبط أو
عجز أمريكي في ملف الشرق الأوسط؛ عبر ضعف إدارة الرئيس الديموقراطي السابق جو
بايدن وغطرسة الرئيس الجمهوري الحالي دونالد ترامب. وهذا يعني أن الموقف الأمريكي
وإن كان داعما علنيا عسكريا ودبلوماسيا لإسرائيل، إلا أنه فعليا غير داعم من
الناحية السياسية، فالقرارات تخرج من عقلية نتنياهو ويجر الولايات المتحدة بشكل
أزعج حتى الأمريكيين أنفسهم.
يعني
هذا أن قفزات نتنياهو إلى الأمام وإشعاله الحروب في المنطقة للتغطية على فشله؛
ستولّد حروبا ونزاعات أخرى لا يملك هو أو غيره القدرة على التحكم في نتائجها
وتداعياتها الجيوسياسية. بمعنى آخر، فإن نتائج الحرب الإسرائيلية الإيرانية
الحالية ليست محصورة بين البلدين وليست حكرا على موازين القوى والقدرات العسكرية
والاستراتيجية لدى كل منهما، وإنما النتائج ستظهر على المدى المتوسط والبعيد وربما
القريب أيضا في دول الجوار، ومهما تفاوتت هذه النتائج والتقديرات فهي قطعا لن تكون
في صالح إسرائيل.
x.com/HanyBeshr