كتاب عربي 21

لماذا كل هذا الرهان على مفاوضات مسقط الإنسانية الاقتصادية؟!

"ما من مؤشر على أي تغيير في سلوك جماعة الحوثي السياسي والعسكري يمكن أن يضفي على هذا النوع من جولات التفاوض قدرا من المصداقية" - الأناضول
تتجه الأنظار إلى العاصمة العمانية مسقط التي ستستضيف اليوم الأحد جولة مفاوضات مستحدثة بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي، ستتركز حول القضايا الإنسانية والاقتصادية، في مسعى سعودي عُماني مشترك لإعادة ضخ الحياة إلى محادثات السلام المتعثرة؛ عبر الحفر في ذات المسار التفاوضي الذي لم يغادر بعد جزئية بناء الثقة والبعدين الاقتصادي والإنساني.

تأتي هذه الجولة من المفاوضات وسط تفاؤل تعززه تقارير الصحافة السعودية على وجه الخصوص، إذ تراهن تلك التقارير على ما قد تسفر عنه المفاوضات من نتائج ربما تمضي في اتجاه الإنجاز السياسي رغم الطابع الإنساني والاقتصادي لهذه المفاوضات، بل وتصف هذه الجولة من مفاوضات مسقط بأنها اختراقٌ قد يصل باليمن "إلى سلام دائم وشامل انتظره اليمنيون كثيرا، كما جاء في تعليق لصحيفة "عكاظ".

تذهب الحكومة اليمنية إلى اجتماعات مسقط تحت ضغط واضح من الرياض، في وقت تتضافر فيه الجهود العمانية والسعودية لإعادة الزخم لدور البلدين، الذي ينطوي على قدر مؤثر من الاستغلال الأنيق لضعف السلطة الشرعية، في ظل فراغ الساحة اليمنية من المواقف الصلبة والإرادات المستقلة،
ما من مؤشر على أي تغيير في سلوك جماعة الحوثي السياسي والعسكري يمكن أن يضفي على هذا النوع من جولات التفاوض قدرا من المصداقية والموضوعية ويدفع بها إلى النتائج المرجوة، وأهمها التصرف بما تقتضيه الالتزامات تجاه تعزيز المركز القانوني للسلطة الشرعية
وحالة الشلل في الموقف الوطني العام، الناتج أصلا عن سياسة تحييد القرار الوطني، التي شكلت أبرز سمات التدخل الإقليمي (العسكري والدبلوماسي) في الشأن اليمني على مدى السنوات الماضية من زمن الحرب.

ما من مؤشر على أي تغيير في سلوك جماعة الحوثي السياسي والعسكري يمكن أن يضفي على هذا النوع من جولات التفاوض قدرا من المصداقية والموضوعية ويدفع بها إلى النتائج المرجوة، وأهمها التصرف بما تقتضيه الالتزامات تجاه تعزيز المركز القانوني للسلطة الشرعية، وعدم السعي المتعمد لدفعها نحو الانحلال، أو الاستمرار في إجبار اليمنيين على انتظار ما ستقدمه جماعة الحوثي من تنازلات.

إن ما ينتظره اليمنيون تنازلات لا أقل من أن تُعيد إليهم الدولة المخطوفة، وتنهي سطوة المليشيات المسلحة عليها والنفوذ الطاغي للقوى الإقليمية على القرار السيادي، وتمكنهم كذلك من تأسيس سلطة وطنية منتخبة طبقا لقواعد الممارسة الديمقراطية، وإلا فلا معنى لأي مسعى أو توافقات لا توصل إلى هذا الهدف.

خلال الأسبوعين الماضيين شكلت إعادة فتح طريق رئيسي يصل وسط مدينة تعز بضاحيتها الشرقية، وآخر يربط بين محافظة مأرب وأمانة العاصمة صنعاء عبر مسار طويل ومكلف، نقطة تحول مهمة، تبين فيما بعد أن التنازلات الحوثية التي جاءت متأخرة تسع سنوات؛ لم تكن سوى استجابة لضغوط سعودية عمانية، هدفها ربما تأمين أرضية أخلاقية تضمن استمرار البلدين في خطوات من الواضح أنها تعزز الموقع التفاوضي لجماعة الحوثي، عبر تسوية يحرص البلدان على إنجازها بأي ثمن.

وإذا كانت سلطنة عمان مدفوعة بإنجاز تسوية تعزز موقفها الدبلوماسي وتتكئ على ثقل الدور العماني لدى أهم أطراف الصراع وهي جماعة الحوثي، فإن المملكة العربية السعودية أحرص ما تكون على التوصل إلى اتفاق حول خارطة طريق تنهي اشتباكها العسكري على الساحة اليمنية، وتحولها إلى طرف وسيط يتكئ على إمكانيات ستسمح بجعل تأثيره أكثر فعالية وأقل كلفة مما هي عليه الحال اليوم.
السعودية أحرص ما تكون على التوصل إلى اتفاق حول خارطة طريق تنهي اشتباكها العسكري على الساحة اليمنية، وتحولها إلى طرف وسيط يتكئ على إمكانيات ستسمح بجعل تأثيره أكثر فعالية وأقل كلفة مما هي عليه الحال اليوم

وما من شك في أن حرص الرياض على إنجاز اتفاق خارطة الطريق، يتأثر بحالة عدم اليقين بشأن نهاية سريعة للصراع الإقليمي؛ من شأنها أن تسمح بوقف قريب للاشتباك العسكري الذي تدير الولايات المتحدة في جنوب البحر الأحمر، المرتبط بالعدوان على غزة، وذلك بخليط من الاستخدام المحدود للقوة العسكرية يجعلها عمليا دون نتائج واضحة على الأرض أو على قوة الحوثيين ووجودهم، والادعاءات التي لا تتمتع بأية مصداقية بشأن أهداف واشنطن الحقيقية من وراء هذا الاشتباك.

والجميع يعلم أن الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر، وفرت ذريعة إضافية لتأهيل جماعة الحوثي وتعزيز دورها في اليمن، وفي إطار المواجهة الإقليمية التي تتغذى من نزعة إيران لفرض الهيمنة الطائفية، وتتغذى أيضا من حاجة واشنطن لعامل ضغط إقليمي منفلت يجبر الرياض على الذهاب إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، الذي إن تم بدون شروط أخلاقية، فإنه سيطيح حتما بمركزها الإقليمي ورمزيتها الدينية.

أقدمت الجماعة الحوثية قبل خمسة أيام على احتجاز (4) طائرات مدنية تابعة للخطوط الجوية اليمنية في مطار صنعاء الدولي الواقع تحت سيطرتها، وهو سلوك همجي إرهابي وعمل من أعمال الحرابة، يقوض بشكل كامل الثقة التي دفعت الشرعية أثمانا باهظه لأجهلها؛ تحت وطأة الضغوط الإقليمية والدولية.

وغني عن القول إن هذه الخطوة تنسف عمليا المكاسب الرمزية التي تحققت من وراء إعادة فتح بعض الطرق، وتعطي مؤشرا واضحا على أن مسلسل ابتزاز الشرعية وتهديد مركزها القانوني لطالما استُخدما بشكل متعمد، وتحت غطاء إقليمي؛ لانتزاع تنازلات من جانب الشرعية، وهو الأمر الذي قد يفتح المجال للتفكير بأن دوافع احتجاز الطائرات هدفه دفع الحكومة إلى التراجع عن قراراتها المالية الأخيرة التي قوضت بشكل مؤثر المكانة السلطوية لجماعة الحوثي.

هناك الآلاف من الحجاج اليمنيين المتواجدين في مطار الملك عبد العزيز في جدة وفي مكة ينتظرون العودة على متن الخطوط الجوية التي قدموا إلى المشاعر المقدسة على متنها، ومع ذلك لا يكترث الحوثيون بهذه الوضعية الاستثنائية الناشئة عن جريمة احتجاز الطائرات المدنية التي يفترض أنها تقدم خدمة محايدة للشعب اليمني، وأرجو ألا يتحول احتجاز الطائرات إلى قضية مهيمنة في مفاوضات مسقط، يأخذها نحو مسار تفاوضي عبثي جديد، كالمسارات العبثية التي كرست الواقع الفوضوي الحالي والتضعضع المخيف لهياكل الدولة اليمنية.

x.com/yaseentamimi68
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع