يوم
إثر يوم تشتد الضربات
الأمريكية على أهداف شاملة تقريبا في الجغرافيات التي يسيطر
عليها
الحوثيون من شمال
اليمن، لتشمل أهدافا عسكرية ومراكز قيادة وقيادات وشبكة
اتصالات ومنشآت اقتصادية تدخل في صميم الخدمة الأساسية للناس، وسط استمرار حالة
الغموض بشأن مصير الحرب ونتائجها السياسية، مع استمرار الفصل المتعمد بين حاجة
اليمنيين لاستعادة دولتهم من سطوة المليشيات، والأجندات التكتيكية الأنانية
للأمريكيين وحلفائهم في المنطقة.
ما من
نية على ما يبدو لأن يقر الأمريكيون بالخطأ الكارثي الذي ارتكبوه قبل أكثر من عشر
سنوات عندما تآمروا على إفشال الانتقال السياسي؛ عبر عملية انقلابية إرهابية على
السلطة الانتقالية، وأن يتوجه قادة البيت الأبيض للشعب اليمني باعتذار مستحق عن دورهم
الكبير في تمكين جماعة الحوثي المرتبطة بإيران من السيطرة على صنعاء وعلى مقدرات
الدولة وسلاحها؛ ما تسبب في اندلاع حرب شاملة تسببت في دمار هائل ونزوح وآلام
وخراب اقتصادي وفقر وإذلال لملايين اليمنيين، وتحول اليمن بسببها إلى ميدان رماية
كبير للأطراف الإقليمية والدولية، وإلى فضاء لاختبار قدرات القوى الإقليمية
الناشئة في خوض الحروب وممارسة الاستعمار المريح بأداة الاستعمار الغربي المعروفة
"فرق تسد".
ما من نية على ما يبدو لأن يقر الأمريكيون بالخطأ الكارثي الذي ارتكبوها قبل أكثر من عشر سنوات عندما تآمروا على إفشال الانتقال السياسي؛ عبر عملية انقلابية إرهابية على السلطة الانتقالية، وأن يتوجه قادة البيت الأبيض للشعب اليمني باعتذار مستحق عن دورهم الكبير في تمكين جماعة الحوثي المرتبطة بإيران من السيطرة على صنعاء وعلى مقدرات الدولة وسلاحها
أقول
ذلك لكي أزيل بعض اللبس حول ما يجري حاليا، نعم لقد كان الحوثيون جزءا أصيلا من
العدوان الأمريكي الأول على اليمن، وكان عدوانا سياسيا (لكونه استهدف عملية سياسية
ناجحة بكل المقاييس)، لكنه سرعان ما تحول إلى عمل عسكري؛ كان الحوثيون أداته
الفعلية على الأرض، وجرى دعمه بالطيران المسيّر الأمريكي، حينما كانت واشنطن في
خريف 2014 تصدر للعالم صورة الحوثي المقاتل في المعركة العالمية على الإرهاب،
بينما نرى طيران أمريكا المُسيّر اليوم يتحول بفضل الدعم الإيراني إلى هدف عسكري
سهل للحوثيين في سماء اليمن.
وإذ
مثلت الهجمات على ميناء رأس عيسى النفطي على البحر الأحمر، في السابع عشر من شهر
نيسان/ أبريل الجاري، تحولا خطيرا في مسار الحرب الأمريكية على اليمن، فإن الفتك
بمقدرات الشعب اليمني وتوجيه الحرب نحو إفقاره هو أسلوب انتهجه المؤثرون
الإقليميون والدوليون، واستغله بحماس اللاعبون المحليون وفي مقدمتهم جماعة الحوثي،
التي كانت أول طرف محلي يلجأ إلى تدمير المنشآت النفطية السيادية، بحجة أن السلطة
الشرعية لا تورد حصة الجماعة من عائدات بيع النفط.
لم
يكن الحوثيون بالقوة الكافية لمنع تصدير النفط من الموانئ الجنوبية الشرقية لليمن،
وحرمان الشعب من عائدات بيع هذا المورد السيادي الحيوي، لولا أن أطرافا أخرى فيما
يعرف بــ"تحالف دعم الشرعية" وظّفت القفازة الحوثية القذرة لمزيد من
احتواء السلطة الشرعية المعترف بها دوليا وتعطيل قدراتها الذاتية والتحكم بها،
والاستمرار في إدارة المشهد اليمني وفق أولويات هذه الأطراف ومصالحها.
لقد
ركزت الأطراف الإقليمية على هدف واحد؛ هو امتلاك القدرة على استيعاب التقلبات
الخطرة في الموقف الأمريكي تجاه الأزمة اليمنية، التي دفعت أكثر الأطراف التصاقا بالمشهد
اليمني وهو السعودية؛ إلى تقديم تنازلات تحت الضغط الأمريكي العنيف، ما حال دون تمكنها
من رسم صورة انتصار نظيف وأخلاقي في حرب اليمن، والذهاب بدلا من ذلك إلى تسوية مع
إيران وحليفها جماعة الحوثي ضدا على إرادة الشعب اليمني، مما أفسح المجال أمام
أكثر السيناريوهات سوءا، وهو تقسيم البلاد وفق الحدود التي رسمتها الأطراف
الإقليمية ونفوذها وتحالفاتها السياسية والعسكرية على الأرض.
السيناريو الأكثر أخلاقية للحرب الأمريكية، هو الاتصال الوثيق بأهداف العملية السياسية التي انقضت عليها واشنطن في السابق، بالتنسيق الكامل مع السلطة الشرعية والشركاء الإقليميين، بهدف إعادة تصحيح المسار السياسي الشامل والنظر إلى مشكلة اليمن على أنها مشكلة سياسية
ولأن
كان هذا يمثل تحديا مستفزا لكرامة اليمنيين الذين لم يعجزوا بعد عن صد هذا المخطط
الخطير، فإن التوجه الانتهازي من جانب بعض الأطراف الإقليمية نحو استغلال الضربات
الأمريكية عالية الكلفة على الجماعة الانقلابية في شمال اليمن، يمكن أن يُعيق تقدم
اليمنيين نحو خيار تحرير وطنهم، ويتيح المجال للاستمرار في فرض الأجندات الخطيرة على
السلامة الوطنية، طالما بقيت الضربات الأمريكية عمياء ومرتبطة بإنهاك قوى الحوثيين
وشل قدرتهم فقط على إيذاء الكيان الصهيوني وتهديد سلامة الملاحة البحرية.
وعليه،
فإن السيناريو الأكثر أخلاقية للحرب الأمريكية، هو الاتصال الوثيق بأهداف العملية
السياسية التي انقضت عليها واشنطن في السابق، بالتنسيق الكامل مع السلطة الشرعية
والشركاء الإقليميين، بهدف إعادة تصحيح المسار السياسي الشامل والنظر إلى مشكلة
اليمن على أنها مشكلة سياسية بامتياز.
يحتاج
الأمر إلى إطلاق قدرات الحكومة الشرعية على استعادة نفوذها بالقوة، وتحييد كافة
المشاريع السياسية المعادية للدولة اليمنية ووحدتها، ولجم النزعات الإقليمية
الأنانية، وحشد المجتمع الدولي خلف عملية بناء شاملة وحقيقية لليمن؛ بما في ذلك
تأسيس سلطة منتخبة قوية تمثل اليمنيين، وترعى مصالحهم، وتبني علاقات فاعلة
وإيجابية ومفيدة مع المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي، تأسيسا على حقيقة أن السلام
وإن فرضته القوة العابرة للحدود؛ فإن الدول المستقرة والقوية هي أكبر ضامن
لاستدامته.
x.com/yaseentamimi68