ملفات وتقارير

غضب متصاعد في مصر.. هل يراهن السيسي على المستفيدين من نظامه؟

تشهد مصر غضبا شعبيا متصاعدا بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وغلاء الأسعار- الأناضول
في الوقت الذي تجددت فيه نبرة الغضب الشعبي وعادت بقوة إلى الشارع المصري وسط حديث عن "ثورة جياع" قد تطيح بالنظام العسكري الحاكم، قابل أنصار رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، وبعض المستفيدين منه طوال 10 سنوات حكمها، تلك الحالة بالدفاع المستميت عنه.

الشارع المصري قبيل عملية "طوفان الأقصى" 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كان يموج بمؤشرات الغضب من نظام السيسي، إلا أنه مع حرب الإبادة الدموية الإسرائيلية على 2.3 مليون فلسطيني في غزة تراجعت تلك الحالة طوال 4 أشهر ليعود الغضب مجددا، مع تفاقم الأوضاع إلى حد لم يعد يتحمله المصريون.

"مقاطع غضب"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت مقاطع غاضبة وأخرى تحذر السيسي من الثورة عليه وأخرى تبشر بقدوم ثورة جياع تقوم بها الطبقات الفقيرة الغاضبة والجائعة، وبينها مقطع لمواطن مصري يمزق ملابسه، ويعلن أنه لم يعد يتحمل هذا الوضع.


وقال آخر: "الشعب متعب وجوعان مع تفاقم الأسعار"، مشيرا إلى قدوم "ثورة، وثورة جياع"، مؤكدا أن "الشعب لو نزل الشارع هيخرب الدنيا".


وقالت سيدة مصرية للسيسي: "انت أوصلتنا للدمار، والشعب المصري كله خلاص مستبيع، وهتقوم القيامة عليك، علشان أنت اللي وصلتنا لكدا، انت واللي مرقصهم معاك".


وإزاء عشرات المقاطع الغاضبة والمحذرة من ثورة الجياع، ‏فإن المثير هو خروج منتفعين من نظام السيسي لمواجهة حالة الغضب تلك، والدفاع عن السيسي، وتوجيههم السباب للمصريين، ما يدفع للتساؤل: إلى أي مدى يمكن للسيسي المراهنة على دعم المستفيدين من نظامه بمواجهة حالة الغضب الشعبي؟

وأثارت صاحبة شركة استثمار عقاري في العاصمة الإدارية الجديدة، الجدل بما وجهته من سباب للمصريين الذين ينتقدون السيسي، قائلة: "ربنا ينتقم من أي حد يتكلم على سيادة الرئيس، عمالين تدعو عليه، وعاوزين تملوا الكروش، وهو مدعوك معانا في مواجهة صفقة القرن والإخوان".

وخاطبت المصريين من منتقدي السيسي: "احترموا نفسكم، محدش بيتكلم على رئيسه، ياشوية شمامين"، مطالبة إياهم بمنع أكل "الزيت والسكر والمكرونة والأرز".


وعبر فضائية "المحور"، دافعت المذيعة بسمة وهبة، زوجة البرلماني وضابط أمن الدولة السابق علاء عابد، عن السيسي، نافية أن يكون وحكومته هما سبب رفع الأسعار، قائلة: "مش عاوزة أرمي مصايبي على الحكومة، ولا الرئيس"، مطالبة المصريين بالتقشف وتقليل الاستهلاك بقولها: "اوعى تتكسف وانت بتشتري ربع كيلو لحمة".


وعبر برنامج "حضرة المواطن"، بفضائية "الحدث" المحلية، قال الإعلامي سيد علي، تعليقا على مخاوف المصريين من الأسعار في شهر رمضان: "رمضان شهر الصيام وليس شهر الأكل".

وفي اتصال بالبرنامج، حمًل نقيب الجزارين يوسف البسومي، المربين سبب تخطي كيلو اللحم الـ400 جنيه، مدافعا عن الحكومة وإجراءاتها، ومطالبا المصريين بعدم أكل اللحوم قائلا: "لو ماكلناش لحمة مش هنموت"، وفق موقع "المال" الاقتصادي.

سياسيون، مصريون تحدثوا إلى "عربي21"، عن رؤيتهم حول حجم حالة الغضب الشعبية وإلى أي مدى يمكن أن تصل، ودور المستفيدين من السيسي في وأدها، وإمكانية مراهنة السيسي على دعمهم له بمواجهة أي غضب قادم.

"لن ينفعه المرتزقة"
وقال السياسي المصري الدكتور عبدالموجود الدرديري: "للشعوب إرادة لا يمكن التنبؤ بمتى، وكيف تمارسها، وكل نظام له ثلة منتفعين، وكلما زاد فساده ازداد فساد تابعيه، وهؤلاء دائما يدافعون عن مصلحة ولي نعمتهم".

القيادي بحزب "الحرية والعدالة"، أضاف لـ"عربي21": "ولكل شيء حدود؛ فالغضب القادم غضب الشعب المغدور، ولـ10سنوات يعطي الفرصة تلو الأخرى لعل الأمور تنصلح، لكنها ازدادت سوءا، ولذا لن يصبر طويلا بل اقترب من الانفجار بوجه من خدعوه وخاصة كبيرهم".


وأشار إلى أنه "بنى القصور واشترى أسطول طائرات من مال الفقراء، وأقام مشروعات لا جدوى اقتصادية منها، بل وكمم الأفواه وسجن الأحرار، وأفسد التعليم، وخرب الصحة، والشعب المقهور يصبر لعله يجد نورا نهاية نفق العسكر لكن دون جدوى".

وقال البرلماني السابق، إنه "يصادر ليس حاضرهم بل مستقبل أبنائهم، وسكت أبناء مصر رغم الألم المكتوم على مذابح الاحتلال لأهلنا بفلسطين ظنا منهم أن هذا الألم المكتوم يشفع لهم عند من يدير الأمور، فازداد الفساد، وارتفعت الأسعار".

وواصل: "وكأني أري الغضب الشعبي الموجه للنظام كله يتحرك داخل المخلصين من أبناء الشعب المقهور، وربما يترجم هذا الغضب لتحركات قوية نافعة للشعب ولأهل فلسطين، وهنا لم ولن ينفع النظام وقوف المرتزقة معه".

وختم: "وقد يكون الشعب تعلم من تجاربه بضرورة تغيير المنظومة الحاكمة كاملة لينعم الجميع بخير مصر الكثير، في ظل نظام مدني يحترم إرادة شعبه ويحقق كرامته وعدالته".

"تهديد لمكاسبهم"
السياسي المصري حاتم أبو زيد، من جانبه قال إن "الغضب الشعبي ناتج عن ضيق الأحوال المعيشية، لذا فهو غضب اجتماعي وليس سياسيا أيديولوجيا"، موضحا أنه "ينبغي إعلام الجماهير أن ضيق الأحوال سببه سياسي، وناتج عن نظام شرير لا يأبه للإصلاح، ولا يقيم للناس وزنا".

القيادي بحزب "الأصالة"، أضاف لـ"عربي21" أن "تعديل الأوضاع الاجتماعية لن يتم إلا بالإصلاح السياسي، وأزمة البلاد الاقتصادية سياسية بالأساس، وأن إصلاح السياسة عبر استبعاد النظام والتخلص منه سيعقبه تحسن بصورة ما للأوضاع الاقتصادية".

وأوضح أنه "لو نجحت حالة ثورية في التخلص من النظام فإنه يمكن لها باليوم التالي استرداد ما فرط فيه من ممتلكات مصر، ويمكن للثورة إن حكمت أن تقول إنها لم تقترض شيئا، ومن ثم تفاوض العالم في إسقاط الديون، وهنا ما يرهق ميزانية البلاد من استحقاقات الآن، لن يكون له محل".

ويعتقد أنه "سيكون من واجبات الثورة لو أدارت البلاد وكانت ثورة حقيقية لا مجرد عملية تغيير لجلد النظام، استعادة الأموال التي نهبها رجال النظام الحالي، ونظام المخلوع، فكلها أموال الشعب المقهور وكفيله بإنعاش الاقتصاد المتعثر".

وختم بالقول: "لذا فالمستفيدون من النظام يتخوفون من ثورة حقيقية يرونها تهديدا لمكاسبهم وسلطانهم، فيدافعون عن أنفسهم ومصالحهم، بل سيقاتلون لو اقتضى الأمر، ولن يتهاونوا في مواجهة الشعب لو انتفض، فأي انتفاضة شعبية واعية ستقابل بالقوة والغشم".

"مجرد هالة ظل"
وفي تعليقه قال السياسي المصري عماد الدين صابر: "نظام السيسي يواصل ثنائية الفشل والقمع، وكلما ازداد فشلا ازداد قمعا، وهذه المعادلة تكاد تصل بالمجتمع للانفجار".

البرلماني السابق، أضاف لـ"عربي21" أنه "فشل في توفير مقومات الحياة للمصريين، وتحول الغلاء لغول يلتهم الأسر من كل الطبقات، والأسعار تتزايد يوميا بشكل مرعب، في ظل أزمة طاحنة في توفير العملة الصعبة التي يزيد سعرها بشكل مستمر ما يعقد عملية الاستيراد ويهدد توفر السلع الرئيسية".
وأوضح أنه "في المقابل، لا يملك حلولا علمية للأزمات المركبة سوى مسكنات وحلول وهمية لا تلبث أن تتبدد وتعود الأمور لطبيعتها القاسية على المصريين، في أوضاع غير مسبوقة، ما لم تجد حلولا جذرية فإنها تهدد بانفجار مجتمعي وثورة جياع".


صابر، خلص للقول: "والحل ينحصر بتغيير سياسي شامل، ورحيل النظام بكل مكوناته، ومصالحة مجتمعية حقيقية، وخطة إنقاذ وطنية تدرك سفينة الوطن".

وأكد أن "المستفيد من الفساد من يدافع عنه، والسيسي خلق حوله نخبة منتفعة تتسابق لدعمه والدفاع عنه، وهذا الدعم مربوط بالمصلحة وليس الاقتناع بأداء النظام، وقد ينفض عنه الجميع إذا انزلقت الأحداث وتنامى السخط الشعبي".

وختم حديثه مؤكدا أن "السيسي لا يراهن على الداخل بقدر ما يراهن على الخارج فى دعمه، والداخل مجرد هالة ظل لا يقاس عليها، لأنه في النهاية القبضة الأمنية ودعم الخارج هما عماد خيمة استمرار السيسي".

"تجمعت الأسباب"
وفي رؤيته لتأثير حالة الغضب الشعبية وإلى أي مدى يمكن أن تصل، يعتقد الباحث والمحلل السياسي عزت النمر، أن "الغضب الشعبي وصل إلى مرحلة غير مسبوقة، وأننا أمام حالة غليان لم يصلها الشارع في أي وقت من تاريخ مصر الحديث، بل وتفوق الحراك ضد نظام حسني مبارك".

النمر، في حديثه لـ"عربي21"، يرى أن "الجديد الآن أن أسباب الغضب تجمعت لتنتج احتقانا مشبوبا، فالواقع السياسي ودور مصر السيسي بحصار وإبادة الشعب الفلسطيني كفيل برفع حالة الغضب".
"إضافة إلى أن حالة الاختناق، والقهر السياسي، والانسداد، التي أحدثها السيسي ويرعاها العسكر، تساهم في غضب عارم، فضلا عن مسببات سياسية كثيرة للاحتقان والغضب".

ولفت إلى أنه "في المقابل يعيش الشعب حياة اجتماعية كئيبة؛ بتفشي الإدمان والعنف، والتفكك الأسري وشيوع الطلاق، وتردي الخدمات وانهيار التعليم، وغير ذلك كثير".

واستدرك: "لكن يظل الانهيار الاقتصادي والغلاء والحالة البائسة التي عصفت بالجميع؛ فانهارت الطبقة الوسطى وانضمت فئات كثيرة من أغنياء ما قبل الانقلاب -فضلا عن المستورين- لطبقات شديدة الفقر، ووصلنا إلى مستويات غير مسبوقة من الفقر والعوز، بشهادات مؤسسات حكومية فضلا عن التقارير الدولية".

ويرى أن "الواقع الاقتصادي البائس صنع حالة احتقان وغضب بكل بيت، وضجت بها وسائل التواصل الاجتماعي رغم سيف القهر والتخويف الذي يمارسه النظام، مضيفا أن "هذه الحالة لا أقول مرشحة للانفجار؛ بل أؤكد أن الواقع المعيشي والاقتصادي يشي بأن بركان الغضب مسألة وقت".

"ديكتاتورية غبية"
وعن دفاع المستفيدين من السيسي عن نظامه، يعتقد الباحث المصري، "أننا أمام حالة مكرورة من الديكتاتورية الغبية تحشد حولها أذناب السلطة والمنتفعين، وتحيط نظامها السلطوي الفردي بغلاف سمج من الخونة والأتباع وتجار الأوطان والساقطين، تسيطر بهم على مؤسسات مؤثرة كالإعلام والقضاء والفن والرياضة، فضلا عن الدولة البيروقراطية العميقة".

وأضاف: "ومن هؤلاء أيضا شبكات الإجرام القديمة وأساطين المخدرات، والجميع شاهد السيسي بنفسه وهو يخرج هشام طلعت مصطفى من السجن وهو متهم بجريمة قتل عمد ليجلس بمؤتمراته في الصفوف الأولى، فضلا عن عهده الذي شهد رموز نظامه من عينة صبري نخنوخ وإبراهيم العرجاني وبانجو وبرايز، وغيرهم كثير".

وأكد أن "هؤلاء هم صناعة السيسي والعسكر؛ يرفلون في المال الحرام والسلطة والحماية؛ من نظام استطاع أن يربط مصالحهم ببقائه، لذا فهم يستميتون في الدفاع عنه ويعيشون سكرة أن يحدثوا الشعب بالنعمة التي يعيشون هم فيها، حتى يصبح حديثهم نفسه ووجودهم سببا إضافيا لاحتقان الجماهير وغضبها".


ولا يعتقد النمر، أن "نظام السيسي يراهن على دعم المستفيدين من نظامه لمواجهة حالة الغضب الشعبي، فهذه كانت مرحلة قصيرة ببداية الانقلاب، حينما استغلوا سذاجة الكثيرين وضحكوا عليهم بالوعود والأكاذيب".

ويعتقد أنه "اليوم بعد الفشل الطافح، وحالة الضياع والسقوط التي جنتها مصر، والانهيار الاقتصادي والفقر والجوع، لا أظن أن السيسي يراهن على هؤلاء الذين لن يستطيعوا الوقوف بوجه الجماهير إذا غضبت، فهؤلاء هم فقط للمشاغلة وحسب".

ويرى أن "ما يراهن عليه السيسي حاليا هو سطوة الدبابة وإجرام الداخلية والجيش، فضلا عن ظنه أن الخارج سيحميه"، معتبرا أن "هذا غباء لرجل أدار المخابرات الحربية، وشاهد أن كل من راهن على ذلك انتهى نهاية أليمة، كالقذافي وبن علي، ورئيسه مبارك".

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع