ملفات وتقارير

شح وغلاء بسلع استراتيجية في مصر.. مخاوف تستبق قدوم رمضان

تعيش الأسواق المصرية حالة من الاضطراب الشديد- جيتي
يشكو مصريون من تفاقم أزماتهم بشكل لم يعد لهم قدرة على تحمّلها، خاصة مع استمرار تفاقم أسعار جميع السلع دون توقف، وذلك بفعل أزمة تراجع قيمة العملة المحلية، الأمر الذي تبعه شح بسلع هامة مثل السكر، والزيت، والسمن الصناعي، والبيض، والمكرونة، وأنابيب الغاز، وحتى بعض أصناف الدواء.

مصريون، تحدثوا إلى "عربي21"، قائلين إنه "مع الغلاء الذي لا يتوقف يوما واحدا، تتجه الأسر المصرية لتخزين حاجياتها من السلع الأساسية والتموينية قبل ارتفاع أسعارها أكثر وأكثر؛ لكنها صُدمت بشح غريب في السلع المذكورة"، ما يمثل خطورة على "الأمن الغذائي"، لأكثر من 105 ملايين مصري، وفق مراقبين.

رغبة الشراء تأتي وفقا لرؤيتهم استباقا "لموجة غلاء أكبر قد تضرب الأسواق مع احتمالات (تعويم الجنيه) بعد رفع البنك المركزي المصري سعر الفائدة 2 في المئة الخميس الماضي، وكذلك مع قرب قدوم شهر رمضان المحتمل في 10 أو 11 آذار/ مارس المقبل".

وتعيش الأسواق المصرية حالة من الاضطراب الشديد، مع عجز حكومة رئيس النظام، عبد الفتاح السيسي، عن حل أزماتها التي تسببت بها سياساته، وفق مراقبين، وخاصة أزمة تراجع قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية، والذي وصل في السوق الموازية إلى 70 جنيها مقابل الدولار، بينما سعره الرسمي 30.85 جنيه.

‌"شح وغلاء"
أم عمر، سيدة أربعينية، أم لثلاثة أبناء، تقول لـ"عربي21": "ذهبت لشراء بعض الاحتياجات، من سكر وشاي وزيت وسمن صناعي ودقيق ومكرونة وملح وبعض البهارات، لكي تكفيني لنهاية شهر رمضان، ولكني وجدت أن أغلبها غير موجود في أكثر من سوبر ماركت بقريتي، ممّا اضطرّني للسفر إلى أقرب مدينة فوجدتها بصعوبة".

وأضافت: "زوجي أرزقي (يعمل باليومية)، وجمعت مبلغا لشراء تلك الاحتياجات خوفا من ارتفاع سعرها في رمضان، أكثر مما هي عليه الآن"، موضحة أن "الأسعار ترتفع يوما، ولو سألت التاجر عنها في اليوم التالي فإنها تجد سعرا آخر".

وأكدت هي وثلاث نساء أخريات، أن "السكر غير موجود، والتجار يقولون لأنه غير مسعّر، ويتم بيع عبوة 700 غرام منه بـ40 جنيها، والكيلو من قفز من 50 إلى 60 جنيها خلال أيام، وكذلك الزيت شحيح وقفز سعر عبوة 100 غرام منه بأسبوعين من 65 إلى 70 و75، ليصل إلى 110 جنيهات".

وأوضحت ثلاثتهن، أن "هذا الوضع ينطبق على الدقيق الذي ارتفع سعر الكيلو منه من 20 إلى 24 ثم إلى 30 جنيها، وبلغت الشيكارة زنة 50 جنيها 1250 جنيها بسعر الجملة"، مشيرات إلى أن "سعر الشاي عبوة 250 غراما ارتفع من 40 إلى 60 جنيها".

‌ولمّحت النساء إلى أن "سعر رغيف الفينو زاد من نصف جنيه إلى واحد جنيه، ثم إلى 2 جنيه، مع نقص حجمه أيضا، وهو ما طال رغيف الخبز السياحي مرتفعا من واحد جنيه إلى 2 جنيه، والرغيف بسعر 2 جنيه إلى 4 جنيهات".

وأوضحت أن "قرص الطعمية زاد من واحد إلى 2 جنيه، وكيس عجينة الطعمية من 5 إلى 10 جنيهات، وكيس الفول المباع بـ5 جنيهات، إلى 10 جنيهات، وكيس البليلة من واحد إلى 3 جنيهات".

‌و"اللبن من 24 إلى 30 جنيها، والجبن الفلاحي من 55 إلى 70 جنيها، والسمن الصناعي من 90 إلى 110 جنيهات و120 جنيها، والزبدة الفلاحي من 250 إلى 280 جنيها، والبيضة من 5 إلى 6 جنيهات، والزبادي من 3 إلى 5 جنيهات".

‌أما عن سعر كيلو المكرونة، فقلن إنه "خلال أسبوعين انتقل من 20 إلى 25 وحتى 30 جنيها، والشيكارة الفرط 10 كيلو بـ310 جنيهات، والصابون من أردأ الأنواع تحرك من 10 إلى 15 جنيها دفعة واحدة، وهو ما ينطبق على البهارات، ومرق الدجاج، والملح، وعلب الكبريت".

‌وبيّن أن "هناك شحا في أنابيب الغاز، وأنه يجري الحجز لدى الموزعين الصغار ما رفع السعر من 85 إلى 100 جنيه"؛ مشيرات إلى أن "أزمة اللحوم تتصاعد بشكل محزن".


كذلك، أكّدت النساء على أن "سعر كيلو اللحم الجملي في أسبوعين تحرك من 250 جنيها إلى 270 جنيها و300 جنيه والكاسر من 320 إلى 360 جنيه"، وهي الأسعار التي تتخطى تلك الأرقام بكثير في عواصم المحافظات والقاهرة، والمناطق الراقية، وفق رصد "عربي21".

وأكدت السيدات الثلاث، أن "سعر اللحوم المستوردة المجمدة زاد خلال أيام من 220 إلى 270 جنيها، وأن سعر الدواجن البيضاء ارتفع من 77 إلى 90 جنيها، وكيلو الوراك من 75 إلى 100 جنيه".

"وكذلك تحركت أسعار الكتاكيت للتربية والتسمين من 24 إلى 26 ثم 30 جنيها، وكذلك سعر علف التسمين من 630 إلى 750 جنيها، والردة من 400 إلى 570 جنيها".

‌وقلن: "إننا لم نعد نحتمل، والنساء تحدث نفسها في الأسواق واقتربوا من الجنان (الجنون)"، مشيرات إلى أن "سبب صمت المصريين هو الخوف من السجن، والاعتقال".

‌ولفتت إحداهن إلى أن صديقة لها تعرضت لموقف مؤسف، مبينة أنها "كانت تركب سيارة ميكروباص، وتحدث الركاب عن الغلاء، وانتقدت هي السيسي، وفجأة أوقف أحد الركاب السيارة، وقال إنه في البوليس، وطلب من السائق إنزالها في أقرب كمين، ولولا توسلات الركاب، لتم اعتقالها".

‌"أزمة توزيع"
بسيوني، وحمادة، صاحبي سوبر ماركت، قال الأول: "راعيت ضميري وبعت ما لدي من بضائع بالسعر القديم، وعندما طلبت من الموزعين بضائع جديدة، وجدت الأسعار مختلفة تماما، فعجزت عن الدفع أو شراء بضائع جديدة، لأن الشركات لا تريد البيع وتحتفظ بما لديها في المخازن رغبة بزيادة الأسعار".


‌وأكد الثاني أن "الموزع يبيع لي نصف أي طلبية أطلبها، ويطلب مني تغيير السعر يوميا"، موضحا نقلا عن الموزعين أن "ما في مخازنهم يقل بصورة كبيرة ويحافظون على بضاعتهم حتى لا ينكشفوا في السوق، وكذلك لبيعها بسعر أعلى مع تصاعد الأسعار". 

‌"جبنا آخرنا"
‏في الوقت الذي تتخوف فيه المصريات من الحديث عن الأسعار في الشوارع خوفا من البطش الأمني، خرجت العديد منهن، عبر مقاطع فيديو مصورة تعترض على الأحوال التي آلت إليها المعيشية والغلاء، وتطالب برحيل السيسي.

‌وانتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي الحديث عن حجم الضائقة والأزمة التي يمر بها المصريين، إحداها سيدة مصرية تعمل سائقة "توكتوك" موجهة رسالة مؤثرة للسيسي، عن أحوال المصريين.

قائلة: "جبت آخرنا يا سيادة السيسي"، و"أنا مطلقة من 10 سنوات، وأعول طفلين في التعليم، وأعمل 12 ساعة على التوكتوك لجمع 250 جنيها منها البنزين وقطع الغيار، وأدفع إيجار 1500 جنيه، واشتريت كيلو السمن بـ120 جنيها"، مشيرة غلى حالة الغلاء الرهيب.


د. أحمد عطوان DR.AHMED ATWAN on Twitter / X — د. أحمد عطوان DR.AHMED ATWAN (@ahmedatwan66) February 1, 2024


‏وظهر صاحب مصنع غزل ونسيج يشكو توقفه عن العمل بسبب غلاء أسعار المواد الخام، مؤكدا أن "سعر كيلو الغزل ارتفع من 190 جنيها إلى 350 جنيها مرتفعا منذ بداية الموسم بنحو 160 جنيها، خلال شهرين ونصف"، واصفا الحالة التي لا يستطيع فيها توفير الغزل لمصنعه بأنها "خراب".


"الأمن الدوائي"
عن نقص الدواء، أكد اثنين من العاملين في شركة القاهرة للأدوية التابعة لقطاع الأعمال العام، وجود "نقص كبير متصاعد في المواد الخام والفعالة المستوردة من الخارج، ما يهدد بشكل كبير إنتاج الشركة واغلب شركات الدواء"، وفق قولهم.

‌أوضحا لـ"عربي21"، أن "تلك الأوضاع تسببت في نقص الكثير من الأصناف، وأن رفع الأسعار لا يتوقف وهو لا يعوض خسائر الشركة، التي يحصل العاملون بها على 3 آلاف جنيه راتب شهري، أقل من الحد الأدني للأجور، وفي المقابل استقدمت الشركة رؤساء أقسام من القطاع الخاص وتدفع لهم رواتب تصل 40 و50 ألف جنيه".


‌وبينا أن راتبيهمَا "يكفيان فقط لشراء 60 كيلو بصل، أو 7 كيلوات لحم، ولا يشتري غراما واحدا من الذهب"، مشيرين إلى أن "الجميع غاضب ويتمنى زوال هذا النظام رغم أن أغلبهم شارك في الانتخابات الرئاسية نهاية 2023، إما مجبورا أو طمعا في مبلغ 200 جنيه ووجبة وعلم مصر وتي شيرت عليه صورة السيسي".

نقص الدواء بالأسواق، حالة أكدها رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات جمال الليثي، في تصريحات إعلامية الخميس الماضي، بقوله إن "نواقص الأدوية وصلت 40 بالمئة منها 15 بالمئة ليس لها بديل"، ومؤكدا أن النسبة قابلة للزيادة، ملمحا إلى أن الأمر يتعلق بـ"الأمن الدوائي".

‌وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، أكد ‏مدير "‏المركز المصرى للحق فى الدواء"، محمود فؤاد، أنه تأكد خلال زيارة لمصنع بمدينة بدر، التي تشمل ألف مصنع وعمالة تتجاوز 800 ألف عامل، أن "مصانع كتيرة تشكو من عدم وجود مواد خام، بسبب العملة الصعبة، وأن بعض المصانع لم تعد تقوى على العمل".
‌وتكلم البعض عن نقص بعض الأدوية، مؤكدا أن "هناك أدوية غير موجودة من الأساس"، مشيرين لـ"تضاعف الأسعار 200 و 300 بالمئة".


"انتشار السرقات"
إزاء هذا الوضع القاتم، تتواصل عمليات السرقة في الشارع المصري، وخاصة للدرجات البخارية، والأبواب والشبابيك الحديدية والخشبية للبيوت، وكذلك لأسلاك الكهرباء من العمارات السكنية الجديدة، ومواد البناء وغيرها، وهو ما أكده بعض أصحاب الشقق السكنية في مدينة بدر قرب العاصمة الإدارية الجديدة، في حديثهم لـ"عربي21".

‌وقالت سيدة لـ"عربي21": "يدور بعض الشباب من معدومي الدخل في الشوارع بـ"تروسيكلات" صينية، لشراء أية خردة أو مخلفات منزلية، مقابل بيع بعض الأواني البلاستيكية ومن الألومنيوم"، مبينة أن "بعضا منهم يعودون في الليل، للسرقة بعدما يكونوا قد درسوا الشوارع ووضعوا عيونهم على ما سوف يسرقونه".

‌وظهر مقطع مثير يكشف عن انتشار السرقة في البلاد ويظهر تحطيم البعض لأغطية أسمنتية لمقابر إحدى البلدان لسرقة ما بها من قطع حديد وبيعها، وفي انتهاك مهين لحرمة الموتى.

ما دفع البعض للوصف ذلك الوضع بأنه يقترب بشدة نحو ما يعرفه المصريون تاريخيا بـ"الشدة المستنصرية" (1065- 1071م)، والمجاعة التي ضرب مصر بالعصر الفاطمي، حتى أكل الناس لحوم القطط والكلاب وأوراق الشجر.


"نتيجة حتمية"
في تعليقه، على أزمة نضوب أو شح بعض السلع في الأسواق مع ارتفاع أسعارها بشكل مطرد يوميا ومخاوف المصريين من القادم، قال السياسي المصري والبرلماني السابق، طارق مرسي: "هذا ما حذرنا منه مرارا وتكرارا، هذه هي النتيجة الطبيعية لانقلاب 3 يوليو 2013، هي النتيجة الطبيعية لكل انقلاب".

‌مرسي، وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "هذا نتاج طبيعي للحكم الديكتاتوري، والنتيجة الحتمية لتسلط فرد على الدولة، إنها ضريبة الانقلاب على الشرعية وقتل الرئيس المنتخب، وازالة كل مكتسبات ثورة يناير 2011، ونتاج إلغاء دستور 2012 الذي قيد الحاكم لصالح دور الشعب".

عضو لجنة القوى العاملة بمجلس الشعب المصري سابقا، تابع: "هذه ببساطة نتيجة حكم العسكر بكل ما لديهم من فشل، وفساد، وعمالة للخارج، ورهن مقدرات الوطن، لمجرد بقاءه في الحكم، واستحواذهم وبطانتهم على ثروات البلد".

‌وعن مدى علاقة الأمر بسياسة النظام وأزمة تراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار، يعتقد أن "أزمة الجنيه والدولار هي نتيجة وعرض للمرض؛ وليست سببا فيه، نعم انهيار الجنية أمام الدولار نجم عنه كل كوارث ارتفاع الأسعار والغلاء".


‌واستدرك: "لكن ذلك عرض ونتيجة لفشل العسكر وفسادهم، ونتيجة لغباء السيسي وديكتاتوريته وإصراره على إدارة الدولة كلها بقراره الفردي، ما أودى بالاقتصاد إلى الانهيار، ونجم عنه انهيار قيمة الجنية ومن ثم حالة الفقر والغلاء التي لا يطيقها الناس".‌

"وضع مقصود"
ويرى مرسي، أن "النظام، ورأس النظام عبد الفتاح السيسي، مسؤول مسؤولية مباشرة، لأن مصر لم تصل إلى هذا الوضع الكارثي إلا بفسادهم وإجرامهم".‌

وإلى ذلك أضاف: "وربما يحسن القول إن الوضع الذي آلت إليه مصر هو مقصود السيسي، وأنه مقابل دعم انقلابه واستمراره وحمايته كان عليه أن ينفذ تعليمات الخارج من عداة مصر في الإقليم والعالم".

وأكد أن "انقلاب دعمته من أول يوم إسرائيل والإمارات؛ لا يُنتظر منه أن يصنع شيئا رائعا لمصر وشعبها، بل لا يُنتظر منه إلا الخراب وتدمير الأمن القومي المصري، وهو ما وصلنا إليه، ولن يكون هناك فارق كبير إن كان ذلك بعمالة السيسي أو بغبائه؛ إذن هي مسؤوليته في الحالتين".

‌وفي إجابته على السؤال: "لماذا يصمت المصريون إذا، وإلى متى؟، قال النائب العمالي، إن "حالة الصمت التي يعيشها المصريون كالنار تحت الرماد، فالناس تغلي والجماهير غاضبة والشعب يئن من نار الغلاء".‌


وخلص للتأكيد على أنه في المقابل: "الشعب يعيش تحت سطوة القهر والرعب والتخويف وإرهاب الداخلية وسيف القضاء وتغييب الإعلام، كما أن النظام استطاع بخلاف سيف القهر تغييب رموز الأمة وكوادر تحريك الجماهير خلف القضبان مما شل يد الشعب وغل قدرته".

‌وختم متوقعا أن "هذا الواقع لن يصمد طويلا لأن الشعب لا يطيق الفقر أبعد من ذلك، وربما ننتظر ثورة راشدة تصحح الأوضاع، وتحطم القيد، أو ثورة جياع لا تُبقي ولا تذر"، معربا عن أمنيته "لمصر الرشد في ثورة راشدة، تعيد بناء الوطن على أحلام ثورة يناير".

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع