أفكَار

لماذا ندعم إيران؟ ولماذا يجب أن تسْلَم؟ وكيف نعالج الفتنة الطائفية؟

إن انتصار إيران هو هزيمة للولايات الأمريكية المتحدة وحلفائها الأوربيين الذين هم سبب كل بلائنا، كما أن ذلك سيساعد على انتقال العالم إلى التعددية القطبية التي تمنحنا هوامش واسعة لنهضة عالمنا الإسلامي.. الأناضول
إن انتصار إيران هو هزيمة للولايات الأمريكية المتحدة وحلفائها الأوربيين الذين هم سبب كل بلائنا، كما أن ذلك سيساعد على انتقال العالم إلى التعددية القطبية التي تمنحنا هوامش واسعة لنهضة عالمنا الإسلامي.. الأناضول
ما إن اندلعت الحرب بين جمهورية إيران الإسلامية ودولة الكيان حتى اندلعت معها معركة كلامية حامية الوطيس في العالم الإسلامي، وذهب الناس في هذا الأمر ثلاثة مذاهب، منهم من اندفع بلا تردد يدعم إيران، وهم غالبية المسلمين من عموم الناس وكثير من النخب نشرح توجهاتهم في آخر المقال، ومنهم من وقف مع الصهاينة متمنيا هلاك إيران وهلاك المقاومة الفلسطينية بعدها وكل ما يمت بصلة لقوى الإحياء الحضاري للأمة، وهم عملاء الكيان وأمريكا من الحكام والساسة والعلماء والنخب المستلبة حضاريا المنخرطة في المشروع المارق المسمى "الإبراهمية" والتطبيع وبناء ما يسمونه "الشرق الأوسط" على ما يريده الاستعمار الغربي الصهيوني.

وهناك فئة ثالثة اختلط عليها الأمر، يريد أصحابها هلاك الكيان ومعه هلاك إيران، ولم يتبين لهم ما هي الكفة التي يريدونها أن ترجح، كلما ابتهج المسلمون بالضربات الموجعة التي توجهها إيران للكيان ينزعجون خوفا من أن يكون في ذلك نصر للإيرانيين، وكلما توجهت الضربات المؤلمة لإيران يُخفون ابتهاجهم خوفا من أن يُتهموا بأنهم يساندون الكيان، فترتفع أصواتهم بالدعاء: "اللهم أضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا منهم سالمين" في حالة انتظارية غير مجدية وعجز شديد من فعل أي شيء يسلم به المؤمنون، و ينهض به المسلمون بعد أن "يفني الظالمون بعضهم بعضا"!

ومن هؤلاء من لا يمكن لومهم، وهم الذين اكتووا بعدوان وإجرام القوى والميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، في سورية والعراق واليمن، إذ مآسيهم المحلية لا تسمح لهم بالارتفاع إلى النظرات الكلية، وأي منا قد يكون له نفس الموقف لو مر بتجربتهم المفزعة، ولكن ثمة آخرون على ذات الموقف من النخب السياسية والعلمائية، بعضهم طيبون متوقفون عندما وصلت إليه دراساتهم الشرعية والتاريخية لا يقبلون النقاش بخلافها، وبعضهم صادقون سذج ينقصهم الفهم والاطلاع على القضايا الجيوستراتيجية والتدافعات الحضارية العالمية، وما يُرسم من خرائط جيوسياسية مستقبلية، وبعضهم يحكمهم النَّفس الطائفي، بتأثير من توجهاتهم السلفية أو بيئتهم السياسية والاجتماعية والفكرية.

إن المتمعن  في تطورات الحرب الإيرانية الصهيونية يفهم بسهولة بأنها مصيرية ليس للكيان وحده بل لإيران وفلسطين والأمة الإسلامية قاطبة والعالم كله، ولا يمكن لصاحب رسالة أن يكون حياديا بشأنها، وما يساعد على فهم ذلك أبعاد عديدة منها:

الأبعاد السننية الربانية

يعلم عدد من قادة المقاومة وقادة التيار الإسلامي بأنني لم أكن من المتفاجئين بطوفان الأقصى، فقد وصفته لهم كما وقع ودعوت إليه دون أن أسميه ودون أن أعرف ما سيكون أسبوعاً قبل وقوعه، والذين حدثتهم بتفاصيل ما يجب أن يكون بشأن القضية الفلسطينية وواقع الأمة الإسلامية قبل السابع من أكتوبر بعضهم استشهد وبعضهم لا يزال على قيد الحياة،  يشهدون بما ناقشته معهم بهذا الخصوص.

كنت أقول لهؤلاء بأن الأمة وحركاتها الإصلاحية قد خسرت كل شيء بخصوص مشروعها الحضاري، ففلسطين في طريق التصفية في كل ملفاتها، والحركات الإحيائية خرجت من الفعل، فهي إما مستأصلة من قبل الاستبداد أو قابعة تحت سقوفه، وبعض قادتها قبلوا الاندماج في بيئة الاستبداد خوفا منه أو طمعا في ما يمنحه لهم من مصالح، ولو كانت مجرد اعتراف بوجودهم ووجاهة شخصية في بيئتهم، ولا بد حيال ذلك من قلب الطاولة على الجميع لإعادة بناء التوازنات،  ولا يكون ذلك إلا بعمل مقاوم في فلسطين غير مسبوق، يفسد مخططات تصفية القضية ويحرك العالم العربي والإسلامي ويبعث مشروع الاستنهاض الحضاري من جديد، ويربك الهيمنة الأمريكية الغربية الظالمة.

يعلم عدد من قادة المقاومة وقادة التيار الإسلامي بأنني لم أكن من المتفاجئين بطوفان الأقصى، فقد وصفته لهم كما وقع ودعوت إليه دون أن أسميه ودون أن أعرف ما سيكون أسبوعاً قبل وقوعه، والذين حدثتهم بتفاصيل ما يجب أن يكون بشأن القضية الفلسطينية وواقع الأمة الإسلامية قبل السابع من أكتوبر بعضهم استشهد وبعضهم لا يزال على قيد الحياة، يشهدون بما ناقشته معهم بهذا الخصوص.
وحينما حدث طوفان الأقصى، قلت  في أسبوعه الأول بأننا نعيش ” حالة سننية”، من الحالات التي تأتي في زمن يتغول فيه الظلم إلى درجة التربّب ويستكين المظلوم ويستسلم، فتغير تلك الحالة الموازين فتكسر الظالمين وتظهر ضعفهم، وتعطي في المقابل فرصة للمظلومين لعلهم ينتفضون ليدافعوا عن أنفسهم وعن قضاياهم.

إن الحرب الإيرانية الصهيونية هي نتيجة من نتائج الطوفان وإفرازاته، تماما كما هي الأحداث التي وقعت في سورية، وما يحدث في العالم من تحولات عميقة على مستوى الرأي العام والتحولات السياسية والفكرية والاجتماعية في العالم، علاوة على الصمود الذي يتجاوز المعقول لدى الشعب الغزاوي، وبطولات المقاومة الخارقة.

فطوفان الأقصى لم يأت كمعركة عادية مع الكيان، ولكنه تحول سنني يحرك الأحداث الكبرى في فلسطين وإقليميا ودوليا نحو  نهاية الكيان ونهضة الأمة الإسلامية. وضمن هذا المآل يجب وضع الحرب القائمة بين إيران والكيان، فهي حرب مباركة من بركة فلسطين وطوفان الأقصى، ولا يمكن أن تنتهي إلا لصالح المسلمين، كل المسلمين بكل طوائفهم التي تنتمي لملة المصطفى عليه الصلاة والسلام.. مهما كانت الخسائر التي يتكبدها الإيرانيون.

التحولات الداخلية الإيرانية:

لا يدرك الغارقون في الفكر الطائفي ما وقع من تحولات عميقة في إيران قبل حدوث الطوفان،  حيث أن مشروع المقاومة الذي اعتُقد أن الإيرانيين كانوا يأخذون منه شرعية كبيرة  للتمدد في المنطقة قد انكسر وتراجع داخل إيران ذاتها، وقد عبّر عنه صعود الإصلاحيين المفاجئ في الانتخابات الرئاسية السابقة الذي اضطرّ المرشد العام إلى التأقلم معه كأمر واقع. والإصلاحيون تيار قوي سياسيا، تسنده شبكة "البازاريون" الذين يتحكمون في جزء كبير من التجارة والاقتصاد الإيراني، ومعه شبكة كبيرة من المفكرين ونشطاء المجتمع المدني، يتفقون كلهم على مخطط انكفاء إيران على نفسها، والعمل لكي تتحول إلى دولة ذات مشروع قومي، على النمط التركي، صاعدة اقتصاديا وعلميا وعسكريا غير منخرطة في المواجهات الإقليمية، ومتحالفة مع القوى الدولية الصاعدة.

لقد أدرك المحافظون خسارتهم داخل إيران فحاولوا حماية خط المقاومة خارجيا من التحولات الجارية داخل دولتهم،  ولكنهم فشلوا في ذلك بسبب الاختراقات الداخلية التي قضت على السليماني وكانت سببا رئيسيا في الخسائر التي تكبدها حزب الله في حربه ضد الكيان  دفاعا عن غزة، وخصوصا عند استشهاد زعيمه نصر الله، الذي كان زعيما روحيا لخط المقاومة الذي يسنده المحافظون كله.

لقد كانت نتائج المواجهة في لبنان لصالح التيار الإصلاحي لو تركهم الأمريكان والصهاينة في حالهم، ولكن لم يكن لهذه القوى الاستعمارية أن تسمح بنهضة إيران دون أن تنزع مخالبها وسيادتها ـ ولو قررت الانكفاء على نفسها ـ فلا بد من إخضاعها بالقوة  لكي تكون بعد هزيمتها دولة تابعة بلا سيادة كما هو شأن الدول العربية في العالم السني.

لقد دفعت السياسة الأمريكية والعدوان الصهيوني إيران إلى اجتماع  كل قواها ونسيان خلافاتها لتدافع عن نفسها، ولكي تفشل  العدوان والمخططات الأمريكية. ولو تضامنت الدول والشعوب السنية مع إيران لثبّتت مشروع رجوع إيران إلى حجمها في الأمة والانكفاء على نفسها كجزء من العالم الإسلامي وقوة المسلمين، بما يسمح بالتعايش والتحالف معها لصالح الإسلام والمسلمين،  ولكن الخيانات التي وجدتها من الدول التي تشارك في  اعتراض صواريخها سيكرر تجربة التصلب الإيراني بعد بدء الحرب ضدها من قبل صدام حسين المسنود آنذاك من الدول الخليجية، وذلك الذي يعمل كثير من الواعين حضاريا الصادقين في مواقفهم على منعه بالعمل لوجه الله تعالى لتكون الأمة الإسلامية كلها إلى جنب إيران ضد الصهاينة.

لا شك أن إيران ستتلقى في الحرب القائمة ضربات موجعة وستتكبد خسائر عظيمة لن تتعافى منها بسهولة ولكن يجب عليها أن تُفشل أهداف العدوان المتمثل في وقف برنامجها النووي وتدمير صواريخها الباليستية وتدمير دولتها، ولكي لا تُسلّمَ إيرانُ بعد ذلك كلها إلى نخب علمانية عميلة للأمريكان والصهاينة فتكون أشد على العرب والمسلمين وعلى فلسطين من الأنظمة العربية الخائنة لله ورسوله والمؤمنين المشاركة في حصار غزة والتآمر على المقاومة. وأنا أتعجب حقيقة من بعض من يحسن الحديث عن فقه الأولويات والمقاصد والقواعد الشرعية، خصوصا قاعدة انفكاك الجهة، كيف يعميهم التعصب فلا يبصرون المآل لو انتصر المخطط الأمريكي الصهيوني في إيران، أتعجب حقيقة كيف يجهلون وقوف علماء كبار من المذاهب السنية مع حكام روافض في بعض حروبهم ضد الروم، وتشجيعهم على قتالهم، ذكرهم بذلك ابن كثير في كتابه "البداية والنهاية" الجزء الحادي عشر، كالفقيه أبو بكر الرازي الحنفي، وأبو الحسن علي بن عيسى وابن دقاق في دعمهم للحاكم البويهي باختيار عز الدولة بن معز الدولة مؤسس الدولة البويهية الشيعية التي احتلت بغداد وتسلطنت على الخلافة العباسية.

لو استطاع الكيان أن يدمر قوة الرد الإيراني من الضربة الأولى لحقق الأهداف المعلنة مبكرا،  ولكن تلقيه ضربات صاروخية إيرانية متتالية في العمق الإسرائيلي وتدمير عدد كبير من المقرات العسكرية والأمنية الإسرائيلية وتدمير هائل للبنايات والمؤسسات العلمية والاقتصادية، كما لم يحدث منذ تأسيس الكيان، قد يتيح لها هامشا للأمان في مواجهة الحلف العالمي الصهيوني الغربي العربي ضدها بما يجعلها تستمر كدولة تحاول بناء نفسها من جديد بعد الحرب.

إن طاقة الصمود متوفرة عند الإيرانيين أكبر مما لدى الإسرائليين، وذلك بسبب فروق مهمة لصالح إيران تتعلق بالجغرافيا وعدد السكان، وخبرة واستعدادات تحمل أعباء الحرب ومشاهد النار والدمار  والقتل في المدن والقرى الصهيونية. مع حسبان التطور المهم الذي وقع في صعوبة التدخل الأمريكي المباشر لصالح الكيان، وما يتعلق بتوريد السلاح والمعدات لصالح ايران من قوى شقيقة وصديقة لأسباب جيوستراتيجية.

التحولات الجيوستراتيجية الإقليمية والدولية.

لم يكن العالم أقرب إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة كما هو الحال مع هذه الحرب الإيرانية الإسرائيلية، فرغم أبعادها العدائية المعلومة بين البلدين يمكننا القول أنها تحولت إلى حرب بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية، بين أمريكا والغرب من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، وهي تطورات في صالح إيران ولا شك، وسيجعل ذلك أمريكا تراجع دعمها المباشر للكيان خوفا من أن تتورط في حرب عالمية تضعف الرؤية الاقتصادية التي يؤمن بها رئيسها ترامب وتورطها في حرب برية ستخسرها من جديد كما خسرت في الصومال وأفغانستان والعراق من قبل. غير أن الغياب الإسلامي العربي في هذه المواجهة وقوة اللوبيات الصهيونية في الصين وروسيا لصالح الكيان يجعل تفاؤلنا نسبيا.

طوفان الأقصى لم يأت كمعركة عادية مع الكيان، ولكنه تحول سنني يحرك الأحداث الكبرى في فلسطين وإقليميا ودوليا نحو نهاية الكيان ونهضة الأمة الإسلامية. وضمن هذا المآل يجب وضع الحرب القائمة بين إيران والكيان، فهي حرب مباركة من بركة فلسطين وطوفان الأقصى، ولا يمكن أن تنتهي إلا لصالح المسلمين، كل المسلمين بكل طوائفهم التي تنتمي لملة المصطفى عليه الصلاة والسلام.. مهما كانت الخسائر التي يتكبدها الإيرانيون.
لقد انخرطت إيران منذ سنوات ضمن المحور الصيني الروسي المعادي لأمريكا، وقد تم إدماجها  في منظمة البريكس وهي منظمة تعمل على تحقيق التوازن الاقتصادي في مواجهة الهيمنة الاقتصادية الأمريكية، وتم إلحاقها كذلك بمنظمة شنغهاي، وهي منظمة أمنية تأسست لمواجهة القوى الأمنية العسكرية الغربية الأمريكية، فصارت الصين وروسيا أقرب إلى إيران من أي دولة عربية وإسلامية أخرى، وقد قدمت إيران لروسيا مساعدات عسكرية معتبرة في حربها مع أوكرانيا ولا يمكن لروسيا أن تغفل عن أهمية مساعدة إيران بشكل ما  في مواجهة العدوان الاسرائيلي الذي هو عدوان أمريكي بالأصالة، كما أن هزيمة إيران وسقوطها في حضن المعسكر الغربي يمثل خطرا على خطوط التوريد الصينية و مشروع الطريق  والحرير ويضعف رؤية الصين للتحول من الأحادية القطبية الدولية الأمريكية إلى التعددية  القطبية الدولية التي تنتهي فيها الهيمنة الأمريكية على العالم.

ومما يجب ملاحظته التطور المهم الذي حدث في السياسة الخارجية الباكستانية، من ناحية أن باكستان أدركت بأنها تتعرض لتهديدات كبيرة من دولتين حليفتين للولايات الأمريكية المتحدة، هما الهند التي تجرّأت على انتهاك الأجواء الباكستانية وقصف مواقع في داخلها وقتل عدد من السكان، والكيان الصهيونى الذي صرح زعيمه المجرم نتنياهو بأنه بعد إنهاء الدور الإيراني سيتجهون إلى إنهاء دور باكستان وتدمير سلاحها النووي. 

لقد أدى هذا الإدراك الباكستاني إلى تعميق تقاربها التقليدي مع الصين في مواجهة الخصم الهندي القديم المشترك، والاعتماد على السلاح الصيني ضد السلاح الأمريكي الأوربي الذي تملكه الهند، وذلك رغم علاقاتها الوطيدة مع الولايات الأمريكية المتحدة. وضمن هذه التحالفات الجديدة ضد الهيمنة الأمريكية أظهرت باكستان علانية تأييدها لإيران وباتت الأخبار التي تفيد بوجود عمليات توريد السلاح والمعدات الحربية من الصين وروسيا عن طريق باكستان غير خافية عن المتابعين، وذلك لا شك سيعين إيران على صمودها في مواجهة الجبهة الداخلية الإسرائيلية المتداعية.

إن هذه التحولات الإقليمية والدولية توفر هوامش مهمة وفرصا ثمينة لنهضة المسلمين، وستتعزز هذه الهوامش والفرص لو خرجت إيران سالمة من هذه الحرب القاسية، ولا نقول هذا من منطلق  العاطفة والاندفاع ما دامت إيران تواجه إسرائيل على نحو ما هو عليه كثير من المساندين لإيران دون النظر إلى أخطائها الجسيمة ومشاركتها المباشرة في جرائم المليشيات الشيعية في سوريا مثلا، ولا نقوله بدافع التقارب الفكري والسياسي والمصلحي مع إيران كما هو حال بعض من نعرفهم في العالم العربي،  ولكنه رأي طائفة من الواقفين معها على أساس رؤية شرعية حضارية كبيرة تقوم على المسلمات التالية:

تعاضد المسلمين ونصرة بعضهم بعضا واجب شرعي لا تقف أمامه التوجهات الطائفية التكفيرية، وشيعة إيران مسلمون عند جمهور العلماء، ولا عبرة بغلاة الشيعة المارقين عن الدين عندهم الذين هم أقلية، على نحو ما هم عليه أقلية غلاة السنة التكفيريين عندنا،  وما وقع من ظلم وعدوان إيراني على أهلنا في سوريا والعراق واليمن هي جرائم سياسية وقع مثلها في التاريخ من كل المذاهب، ويوجد مثلها في عصرنا الحديث على يد حكام مستبدين من السنة، وإنما يُستعمل الدين والمذهبية عند هؤلاء وهؤلاء لأغراض السلطوية. ورغم  تفهمنا لمواقف من وقع عليهم العدوان في سوريا والعراق واليمن، وضرورة جبر خواطرهم وضمان حقوقهم،  لا يجب على قادة الأمة وعلمائها أن يقفوا عند تلك الأحداث بما يجعلنا ندمر بعضنا بعضا داخليا في مواجهة عدو يريد الشر بنا جميعا، بكل طوائفنا،  ويسعى لجعلنا جميعا تحت سيادته وإرادته،  وإنهاء ديننا وحضارتنا إلى الأبد.

 إن انتصار ايران في الحرب القائمة، أو خروجها على الأقل سالمة،  هو  انتصار لفلسطين، وفيه خلاص أهلنا في غزة مما يتعرضون إليه من ظلم عظيم وعدوان بلغت همجيته عنان السماء.

إن انتصار إيران هو هزيمة للاستبداد في عالمنا العربي والإسلامي المساند للكيان والمشارك في حصار غزة.

إن انتصار إيران هو هزيمة للولايات الأمريكية المتحدة وحلفائها الأوربيين الذين هم سبب كل بلائنا، كما أن ذلك سيساعد على انتقال العالم إلى التعددية القطبية التي تمنحنا هوامش واسعة لنهضة عالمنا الإسلامي.

وعلى أساس كل ذلك إن المشروع الذي يشتغل عليه الذين يساندون إيران انطلاقا من رؤية الاستنهاض الحضاري للأمة يرون أن حل مآسي الأمة لا يكون بمحاربة إيران وإشعال نيران الطائفية، فإن في ذلك مصلحة القوى الصهيونية الغربية الاستعمارية الغاشمة،  وإنما الحل  بنهضة الدول السنية وخروجها من التبعية واسترجاع سيادتها وتحقيق وحدتها، ولو وقع ذلك ستُنسّب إيران طموحها وتأخذ مكانها الطبيعي كأقلية  في الأمة وجزء منها، وفي التاريخ شواهد كثيرة على ذلك يطول استحضارها، وهذا الذي يعمل عليه زمرة من القادة في العالم الإسلامي ، ليس على الصعيد النظري فقط، بل على الصعيد الميداني كذلك، وقد يبدو هذا الحلم جنونا، ولكن صدق من قال: ” أحلام اليوم حقائق الغد” والله المسدد والموفق ولا حول ولا قوة إلا بالله.
التعليقات (0)