بورتريه: ضاحي خلفان حين "يغرد" دون أن يطرب

 يتحدث في السياسة والعلاقات العربية والدولية والخليجية كما لو أنه كان رئيس دولة أو رئيس وزراء أو زيرا للخارجية، ويخوض في تفاصيل الحروب والقتال الدائر في سوريا وليبيا والعراق واليمن، وحتى أفريقيا، كما لو أنه كان وزيرا للدفاع أو جنرالا خاض المعارك ونازل الجيوش، أو منظرا عسكريا لا يشق له غبار.

لا يتقلد منصبا رسميا في بلاده يعطيه الحق والصلاحية في الحديث في السياسة وفي التدخل في الشؤون العربية والعلاقات الخارجية، ولا يمتلك خبرة عملية أو أكاديمية  في العمل السياسي، لكنه يواصل إدارة معاركه الكلامية عبر صفحته على "تويتر".

لا أحد يحمل دولة الإمارات العربية المتحدة مسؤولية "تغريداته" وتصريحاته التي تبدو منفلتة وجارحة ومباشرة وصريحة، متجاوزة كل الخطوط الحمراء أحيانا، وتمس رجال دين وأحزابا وسياسيين وعسكريين ورجال دولة، وحتى رؤساء دول.

النصيب الأكبر من "تغريداته" موجه ضد "جماعة الإخوان المسلمين" والدول التي تتحالف معها، وضد "الربيع العربي".

لا يتوقف عند التحليل ومهاجمة الأشخاص أو المواقف، بل إنه يدخل في مجال قراءة الأحداث المستقبلية، متنبئا بما سيحدث في العالم العربي في السنوات المقبلة.

يبدو مندفعا في تصريحاته الصحفية، وفي "تغريداته" وكأنه وحده على صواب، أو كأنه صاحب الولاية، أو كأن الآخرين غير مدركين للخطر المحدق بهم ولما هم فيه من خطأ وضلال.

الفريق ضاحي خلفان تميم المهيري، المولود في دبي عام 1951، نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، كان قائدًا عامًا لشرطة دبي ما بين عامي 1980 و2013، وعضو المجلس التنفيذي في حكومة دبي، وشارك في إنشاء أول إدارة لرعاية حقوق الإنسان عام 1995، وهو عضو مجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية، وله بعض المؤلفات في كفاءة الأداء الشرطي في غرف العمليات.

ابتعث إلى الأردن في أول بعثة تدريبية خارجية لشرطة دبي، وتخرج منها عام 1970، وذلك قبل قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، كما أنه حضر الكثير من الدورات التدريبية في مجال العمل الشرطي والمباحث الجنائية. 

وترى العديد من المصادر الإماراتية أنه استطاع بناء مؤسسة شرطية في غاية التطور والحداثة ودفعها لتبني أعلى معايير الجودة، كما أنه حصل على شهادة درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة الحياة الجديدة المفتوحة للتنمية البشرية لجهوده في التنمية الأمنية.

أنشأ "غرفة العمليات الشرطية"؛ بالإضافة إلى إدخال نظام مراقبة الدوريات عبر الأقمار الصناعية، كما أنه أنشأ المختبر الجنائي، وأدخل نظام البصمة الوراثية (DNA) في دبي.

في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، أصدر حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، أمرًا  بتعيين قائد جديد لشرطة الإمارة خلفا للفريق خلفان، وهو اللواء خميس مطر المزينة، بعد أن كان نائبا لقائد الشرطة.

ولمع نجم خلفان في أعقاب اغتيال القيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" محمود المبحوح، في كانون الثاني/ يناير عام 2010، في فندق بدبي.

وكشف خلفان بعد فترة قليلة من الاغتيال عن تفاصيل العملية التي اتهم جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد" بتنفيذها، حيث نشر صورا لـ26 شخصًا على الأقل شاركوا في عملية الاغتيال، وقال إنهم عملاء من وحدة النخبة في "الموساد"، واستخدموا جوازات سفر مزورة لدول غربية، ما تسبب وقتها في أزمة دبلوماسية بين "إسرائيل" ودول مثل: بريطانيا، وإيرلندا، وأستراليا، وفرنسا.

وعقب الربيع العربي، وسقوط نظام زين العابدين بن علي في تونس ونظام محمد حسني مبارك في مصر، ووصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر، استخدم خلفان "تويتر" بشكل يومي تقريبا للهجوم على "الإخوان" وعلى حركات "الإسلام السياسي" والتيار "السلفي الجهادي".

لا تسير "تغريداته" على "تويتر" على نسق واحد، وإن اتفقت على العداء والهجوم بكل الوسائل على "الإخوان". وهي تبدو منفلتة تثير إعجاب البعض ومتابعيه الكثر على "تويتر"، فيما يرى البعض فيها نوعا من التهريج والسطحية والسخرية السوداء وبأنها تسيء إلى العلاقات العربية.

ويتهم البعض خلفان بأنه يعبر عن وجهة نظر السياسة الإماراتية، وبأنه يكتب على صفحته على "تويتر" ما لا تستطيع الخارجية الإماراتية البوح به نظرا لحساسيته، ولا تدعم هذه الاتهامات أي أدلة.

خلفان يعادي "الإخوان" حتى قبل "الربيع العربي" ويبدو عداؤه لهم نابعًا من غضب دفين، لا أحد حتى الآن وقف عند أسبابه.

ويبدو خلفان  أسير غضبه حين "يغرد" ولا يراجع ما يكتبه مما يختلط فيه الجد مع الهزل. وخلفان يرى مثلا أن "أمريكا تعرف القيادة المركزية لداعش ولا تضربها"، وأن "قطر جزء من الإمارات"، وأن "داعش لم تقتل الأقباط في مصر"، وأن "القرضاوي شيخ فتنة"، وأن "تسريبات السيسي آخر فرقعات الإخوان الفاسدة"، وأن "ثمة جنودًا سودانيين لحماية قطر من السعودية والإمارات"، وأن "نصف العرب مجانين".

ولدى خلفان خارطة "مكتوبة باللغة العبرية تظهر أن داعش دولة موجودة على خارطة إسرائيل المستقبلية"، ويرى أن "تركيا أمست في عهد رجب طيب أردوغان قاعدة لاحتضان الإرهابيين".

ويرى كذلك "أن القبض على أبي بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش أسهل من القبض على أرنب بري، خاصة أن قوات البغدادي ليس لديها تشفير لاتصالاتها". وقال إن "الخلافة تعتبر عاملا مشتركا بين كل من جماعة داعش وبين جماعة الإخوان والقاعدة".

ويزعم أيضا أن "الكويت أهم مصدر لتمويل الإخوان"، وأن "الدواعش يتزوجون عشرات النسوان ومش فاضيين يقاتلوا! مسخرة"، وأن "الإخوان المسلمين في المغرب يسقطون" وأن "الكويت ستختفي في عام 2020".

وفي "تغريدة" موجهة لوزير الخارجية الأميركية يقول خلفان: "كيري، مخابراتك لا تقول لك أين يقبع البغدادي؟... على مين يا طويل العمر كيري تقص... وتضحك... الناس فاهمة الملعوب الأميركي..!!". وأضاف: "من يكون هذا البغدادي الذي اتحد العالم لمحاربته؟... يخرب بيت القوى العظمى لما تكذب ما أكبر كذبها".

ويدعو خلفان إلى "تأسيس مجلس تعاون استراتيجي يضم مصر والسعودية والإمارات والبحرين والأردن".

ولم يسلم الشعب اليمني من هجومه اللاذع؛ فهو يقول إن اليمنيين "قطيع من الأغنام حقنهم مرشد الإخوان المسلمين بالغلط". ولا يخفي إعجابه بالرئيس السوري، فيقول:"لقد التقيت الرئيس بشار ووجدته شابًا طيبًا وخلوقًا وكان ينوي فعل الخير للشعب السوري لكنه تعرض لمؤامرة".

ولم يسلم الفلسطينيون من لسانه؛ فقد قال في "تغريدة "له: "الفلسطينيون خذلوا كل العرب وهزيمة "إسرائيل" لن تكون على يد قائد فلسطيني مهما طال الزمن وإنما ستكون على يد قائد من الجزيرة العربية". وقال: "الفلسطينيون يعيبون كل العرب وهم خذلوا كل العرب، سوريا والأردن والكويت ومصر. والسبب أمثال حماس".

وهو حين يهاجم العرب يعلن صراحة: "سأبلغ إسرائيل إذا تعرضت لهجوم". وفجر غضبا شعبيا واسعا بعد أن "غرّد" قائلا: "أنا بصفتي الشخصية أعترف بإسرائيل".

وجاءت هذه "التغريدة" في اليوم ذاته الذي أغلقت فيه "إسرائيل" المسجد الأقصى، مكافأةً لها على هذا الإجراء غير المسبوق الذي يمس بأحد أهم مقدسات المسلمين وأولى القبلتين.

ولا تمر "تغريدات" خلفان بسلام. وأحيانا تثير غصبا عارما بسبب سقفها العالي وتجاوزها للأعراف الدبلوماسية، كما حدث حين هاجم الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، وكذلك في "تغريدة" حديثة له تنبأ فيها "بسقوط الحكومة المغربية في غضون عام"، ما دفع  رئيس الوزراء المغربي عبد الإله بنكيران إلى تشبيه حديث خلفان بـ"كلام العرافات". وأكد بنكيران أن "المستقبل بيد الله، وهو من يعلم الغيب، وهذا الشخص يخرف، ويقوم بدور العرافات أو يحلم".

واضطر خلفان إلى الاعتذار عن هذه "التغريدة" وغيرها بعدما وصل الغضب منه إلى السياسة الخارجية للإمارات ذاتها.

ضاحي خلفانزز هل هو "مغرد" غاضب على "تويتر" يعبر عن قناعاته فقط، أم أنه رجل يوصل رسائل غاضبة نيابة عن أناس غاضبين خدمة لأجنداتهم؟ 

"تويتر" يقول القليل.. لكن ما بين السطور يقول كل الحكاية.