ملفات وتقارير

"المجلس العربي" يناقش العدالة بسوريا وغزة.. المرزوقي لـ "عربي21": من بعد السودان؟

750 طفلا نزحوا من الفاشر بدون ذويهم - عربي21
750 طفلا نزحوا من الفاشر بدون ذويهم - عربي21
على مدار 4 أيام متواصلة، نظم المجلس العربي عدة ندوات نقاشية في مدينة إسطنبول نقاشات متشابكة حول أزمات المنطقة، بدءًا من السودان بوصفه "الكارثة الأكبر عالميًا"، مرورًا بتحديات العدالة الانتقالية في سوريا، وصولًا إلى مستقبل القضية الفلسطينية في ظل التحولات الإقليمية والدولية العميقة.

وجمعت الجلسات، رؤساء سابقين وسياسيين وحقوقيين وناشطين من دول عربية عدة، وقدمت صورة صادمة عما يجري على الأرض، خصوصًا في السودان، مع تحذيرات من أن ما يحدث ليس حربًا داخلية بل جزء من مشروع واسع لإسقاط الدول العربية واحدة تلو الأخرى.

المرزوقي: من بعد السودان في مخطط تدمير الأمة؟
وقدم الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي قراءة لحجم الكارثة، معتبرًا أن السودان يعيش اليوم "مرحلة متقدمة من مخطط تدمير الأمة العربية"، بعد أن مرت الدول العربية بمحطات مشابهة في سوريا وليبيا واليمن.

وقال المرزوقي في تصريحات خاصة لـ "عربي21" إن سقوط السودان ليس حدثًا منفصلًا بل حلقة منسجمة مع رؤية جيوسياسية لإعادة رسم الخريطة عبر تدمير الدول من الداخل، مضيفًا أن "الهدف ليس إسقاط نظام، بل تدمير المنطقة ومن المتوقع أن تنتقل حالة الفوضى إلى بلاد مجاورة متسائلا عن الدور القادم علي مَن من الدول مصر أم السعودية أم غيرها؟ مؤكدا أن السودان لم تكن الدولة الأخيرة.

وتوقف المرزوقي أمام الجانب الإنساني للأزمة، مشيرًا إلى أن البلاد تواجه مأساة تتجاوز الحدود المعروفة للحروب التقليدية، مع أكثر من 11 مليون نازح داخلي و3 ملايين لاجئ، وانهيار شبه كامل للمؤسسات الحكومية، وتفتت النسيج الاجتماعي. وأكد أن "السودان اليوم ليس فقط بلدًا منكوبًا، بل بوابة مفتوحة لانتقال الفوضى إلى مناطق أخرى قد تكون أكثر حساسية".

وشدد على ضرورة تحرك عربي واسع لوقف ما وصفه بـ"السيطرة الخارجية على قرار الحرب والسلام في السودان"، موضحًا أن المجلس العربي يعمل على إعداد ملفات قانونية لتقديمها للمحكمة الجنائية الدولية ضد قادة المليشيات المتورطة في الجرائم الجماعية في دارفور والفاشر.



نار على حدود مصر
ومن جانبه قال السياسي المصري ونائب رئيس المجلس العربي أيمن نور إن السودان يمثل اليوم "أكبر أزمة إنسانية في العالم" بعد غزة، وإن ما يحدث من جرائم وانتهاكات "يتجاوز كل ما شهدته المنطقة منذ بداية موجة الانهيارات العربية".

ورأى نور أن السودان يتعرض لعملية تفكيك يعمل بالتوازي: الأول خارجي يمتلك مشروعا قديما لإعادة تشكيل المنطقة، والثاني إقليمي ينفذ هذا المشروع بطريقة منظمة، رغم أن مصالحه لا تتقاطع مع مصالح الدول العربية الكبرى وعلى رأسها مصر.

وتساءل: "كيف لا تدرك القاهرة الطرف الفعلي الذي يقف خلف الخراب في السودان؟ وكيف لا ترى التناقض الصارخ بين مصالحها وما يتم تنفيذه على حدودها الجنوبية؟

وأشار نور إلى أن تجاهل الأزمة السودانية خطأ استراتيجي جسيم، مؤكدًا أن ما يجري "ليس نارا على حدود مصر، بل نيران في ملابسها، ستصل إليها لا محالة إن استمر الصمت"، وشدد على أن المجلس العربي يتحرك لخلق كتلة ضغط عربية ودولية من أجل وقف المأساة، لكن غياب الموقف الرسمي العربي يجعل المهمة "شبه مستحيلة".

اظهار أخبار متعلقة


اغتصاب جماعي واستعباد وزواج قسري
وفي واحدة من أقوى اللحظات في أعمال الورشة قالت الرئيس الأسبق للمفوضية القومية لحقوق الإنسان في السودان، إيمان نمر، في شهادتها عبر "عربي21" مقدمة رواية مباشرة عما يحدث في دارفور والفاشر ومناطق النزوح.

قالت نمر إن السودان يشهد موجة غير مسبوقة من الجرائم الجنسية، تمتد من الاغتصاب الجماعي إلى الاستعباد، مرورًا بممارسات "غير موجودة في أي حرب معاصرة"، مثل زواج متعدد الأزواج بالإكراه، إلى جانب حالات اغتصاب داخل الأسر الواحدة أمام أعين الأطفال.

وأضافت أن آلاف النساء والفتيات أُخذن كـ"غنائم حرب"، وأن مناطق كاملة شهدت عمليات تطهير عرقي وتهجير قسري.

وتطرقت نمر إلى الوضع الإنساني الكارثي، قائلة إن المدنيين عاشوا في بعض المناطق شهورًا على "الأمباز"، وهو غذاء مخصص للحيوانات، بسبب الحصار والجوع، ووصفت مشهد الأطفال الذين وصلوا وحدهم إلى قرية طويلة بعد سقوط الفاشر بأنه "جريمة ستعيش في ذاكرة العالم لعقود".

وأكدت نمر أن هناك أكثر من 750 طفلا نزحوا من الفاشر  بدون ذويهم وآخرون ذبحوا أمام أمهاتهم في مأساة كبيرة.

وأشارت إلى أن الدولة السودانية تفككت بالكامل، وأن مراكز الشرطة والمحاكم والمستشفيات دمرت، بل إن الأرشيف الوطني نهب، ما يجعل السودان يواجه عملية محو منهجي للذاكرة الوطنية.



السودانيون في الخارج طوق النجاة

من جهته، تحدث الصحفي والناشط السوداني ناجي الكرشابي، الناطق باسم الجالية السودانية في إسطنبول، في تصريحات خاصة لـ"عربي21" عن الدور الذي لعبته الجاليات السودانية في الخارج منذ اليوم الأول لاندلاع الصراع، حيث قال إن السودانيين في الشتات أصبحوا "العمود الفقري" للدعم الصحي والغذائي، وإن أسرًا كاملة داخل السودان تعيش اليوم بالكامل على التحويلات القادمة من الخارج.

وأوضح أن الجالية السودانية في تركيا قادت مبادرات لإعادة تشغيل المستشفيات المتوقفة عبر تأمين المولدات الكهربائية، إضافة إلى تمويل حملات لعلاج الجرحى وإغاثة النازحين الذين يقطعون مئات الكيلومترات سيرًا على الأقدام.

اظهار أخبار متعلقة


وأشار إلى أن السودانيين في أوروبا بدأوا بالفعل تحريك ملفات قانونية ضد قادة المليشيات وضد الأطراف الداعمة لهم، خصوصًا بعد الجرائم الجماعية في دارفور.

ومن ناحية أخرى أكد المتحدث باسم الجالية السودانية في إسطنبول أن الجالية السودانية في الخارج تواجه تحديات عدة على رأسها الاستقرار خاصة مع قرب نفاذ المقدرات المالية معهم بالإضافة إلى بعض المشاكل في تقنين الأوضاع والإقامات في الدولة المستضيفة.



تشخيص الكارثة والطريق نحو الدولة
امتدت نقاشات اليوم الأول لساعات طويلة شهدت تحليلًا معمقًا لدوافع الحرب، وأدوار الأطراف الداخلية والخارجية، والتحديات التي تواجه مشروع بناء الدولة السودانية بعد الحرب.

وتناول المتحدثون إمكانيات وقف إطلاق النار، والمخاطر المترتبة على ترك السلاح خارج يد الدولة، وتحذيرات من سيناريو تفكك دائم يشبه ما حدث في دول أخرى.

واتفق المشاركون على أن الصراع في السودان لن يحل من خلال التوازن العسكري، وأن البلاد بحاجة إلى مسار سياسي جديد بالكامل يعيد تشكيل المؤسسات على أساس المواطنة والتعددية، ويمنع أي قوة مسلحة من احتكار السلطة أو فرض واقع بالقوة.

العدالة الانتقالية في سوريا بين الممكن والمأمول
في اليوم الثاني للمجلس العربي، تحولت النقاشات إلى الملف السوري، حيث تناول خبراء حقوقيون وقانونيون مفهوم العدالة الانتقالية كأداة لإعادة بناء الدولة بعد 13 عامًا من الحرب.

وتم تقديم دراسة موسعة حول ضرورة إنشاء هيئة وطنية للعدالة الانتقالية، تتضمن آليات للتعويض وجبر الضرر، وعدالة جنائية تضمن محاسبة مرتكبي الجرائم.


Image1_1120252314436232820242.jpg

وتطرق المشاركون إلى تجارب دول نجحت في هذا المسار، مؤكدين أن سوريا لن تتمكن من الانتقال إلى أي حل سياسي حقيقي دون تأسيس منظومة عدالة تشمل كشف الحقيقة، والمساءلة، والإصلاح المؤسسي، وتطهير الأجهزة الأمنية، وصياغة دستور جديد يضع حدًا لاختلالات السلطة.

فلسطين في قلب النقاش
وجاء اليوم الثالث ليضع القضية الفلسطينية في قلب النقاش، خصوصًا بعد التحولات الإقليمية الأخيرة واتفاقات التطبيع المتسارعة، وناقش الحضور مستقبل القضية بعد الحرب على غزة، والدور المتغير للفاعلين الإقليميين، وتأثير التحالفات الدولية الجديدة على مسار الصراع.

وتوقفت الورشة أمام أزمة تمثيل الفلسطينيين، وتراجع دور المؤسسات الرسمية، وتنامي دور الفلسطينيين في الخارج وتأثيرهم في صناعة الرأي العام الدولي.

وجرى تقييم شامل لخسائر الحرب على غزة، وإمكانيات إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية بطريقة أكثر شمولًا وديمقراطية.

التعليقات (0)

خبر عاجل