يظهر المنتخب
الفلسطيني خلال مباراتين وديتين في حضور غير مسبوق داخل أوروبا، وذلك أمام فريقين يمثلان إقليم
الباسك وإقليم
كتالونيا، وهما المعروفان بتضامنهما التاريخي مع القضية الفلسطينية، وموقفهما البارزين المناهضين للاحتلال خلال حرب الإبادة ضد قطاع
غزة.
وحظي المنتخب الفلسطيني باستقبال حافل لدى وصوله مطار بلباو قبل مباراته مع فريق الباسك التي أُقيمت السبت، على أرض ملعب "سان ماميس" للتضامن مع ضحايا الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة، وذلك بحضور قرابة 50 ألف شخص.
ومن المقرر أن يخوض المنتخب الفلسطيني مباراة أخرى مع فريق كتالونيا الثلاثاء المقبل، وهي المباراة نفسها التي دعا المدير الفني لمانشستر سيتي، الإسباني بيب
غوارديولا، جماهير برشلونة إلى حضورها، دعماً لضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة.
الباسك
تقوم القومية الباسكية على فكرة أن شعب "الباسك Euskadi" هو أمة مستقلة تمتد عبر أقاليم في شمال إسبانيا وجنوب فرنسا؛ وهذه القومية تدعو إلى استقلال كامل أو حكم ذاتي واسع، والدفاع عن الوحدة الثقافية والسياسية للباسك واعتبار اللغة الباسكية رمزاً لهويته.
وتعود جذور هذا التوجه إلى أواخر القرن التاسع عشر مع "سابينّو أرّانا" الذي أسس الحزب القومي الباسكي (PNV) بعد نهاية الحروب القرطونية ومنع نظام بربون لأعراف الإقطاع الباسكية التقليدية.
وفي البداية كان الباسكيون يؤسِّسون هويتهم على قيم دينية وتقليدية محلية، ثم بعد الحرب العالمية الثانية تحول التركيز إلى حماية اللغة والثقافة، بعد سقوط الديكتاتورية في إسبانيا مع نظام فرانكو في 1975.
اظهار أخبار متعلقة
ونشطت أحزاب قومية باسكية عديدة؛ أبرزها الحزب القومي (PNV) الذي اتخذ موقفاً دعا إلى الحكم الذاتي، وأحزاب اليسار القومي التي تبنت الاستقلال الكامل وشهدت انخراط فصيل كبير منها في الكفاح المسلح عبر تنظيم إيتا الذي تأسس عام 1959 وحلّ نفسه عام 2018.
وطوال هذه الفترة عانى الناطقون بالباسكية من القمع السياسي، عندما منع فرانكو استخدام اللغة الخاصة بالإقليم، ما عزز الشعور بالتميّز الوطني والرغبة في تقرير المصير.
وحظي المنتخب الفلسطيني باستقبال حافل لدى وصوله مطار بلباو قبل مباراته الأولى مع فريق الباسك، ويُعرف نادي أتلتيك بلباو، صاحب ملعب سان ماميس، بدعمه القوي للقضية الفلسطينية، إذ سبق لجماهيره أن رفعت لافتات خلال مباراة للفريق طالبوا فيها بوقف الإبادة الجماعية.
قبل انطلاق المباراة، داخل الملعب المزين بألوان العلمين الفلسطيني وآخر يمثل الإقليم، انتشر وجه "المرأة الصارخة" المُصاب بصدمة، من لوحة "غيرنيكا" لبيكاسو، على امتداد دائرة الملعب. تُصور هذه اللوحة، التي يبلغ طولها 3.5 أمتار، والمعروضة في متحف رينا صوفيا بمدريد، الرعب الذي حلّ بقرية الباسك الشمالية التي تحمل الاسم نفسه، حين منح الجنرال فرانكو أدولف هتلر الحرية المطلقة لاختبار تكتيكاته الحربية على المدنيين الأبرياء.
وتستغيث المرأة في اللوحة طلباً للمساعدة، لكنها لا تصل أبداً، بينما يحترق منزلها من حولها، لشدة رعب سكانها. رُسمت اللوحة كرسالة للشعب الباسكي ضد الظالم، ورمزاً مختاراً للمباراة ضد أمة تُعاني حالياً من حملة إبادة جماعية على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، بحسب ما ذكرت صحيفة "
أس" الإسبانية".
وفي 16 أيلول/ سبتمبر الماضي، رفعت جماهير أتلتيك بلباو قبيل مباراة فريقها ضد أرسنال الإنجليزي في دوري أبطال أوروبا لكرة القدم على الملعب نفسه لافتة تحمل العلم الفلسطيني وعليها عبارة "نحن معكم من اليوم وحتى اليوم الأخير".
كما أظهر أتلتيك بلباو دعمه لفلسطين بتنظيم فعالية جماهيرية على ملعبه قبل مباراته أمام ريال مايوركا، ضمن الجولة الثامنة من الدوري الإسباني، في خطوة لاقت تفاعلاً واسعاً على المستوى العالمي.
كتالونيا
حركة استقلال اجتماعية وسياسية تستمد جذورها من القومية الكتالونية، وتعتبر أن كتالونيا "دولة وأمة" لها تاريخ ولغة وثقافة خاصة بها، وتسعى لاستقلال الإقليم عن إسبانيا.
وظهرت هذه الحركة بشكل جليّ أوائل القرن العشرين، وبرزت بقوة خلال فترة حكم الجنرال فرانكو الذي قمع الثقافة واللغة الكتالونية بشدة.
اظهار أخبار متعلقة
وبعد وفاة فرانكو عام 1975، أقرّت إسبانيا عام 1978 دستوراً جديداً أكد على "وحدة الأمة الإسبانية غير القابلة للتجزئة" لكنه أقرّ بالمقابل حق الأقاليم بالحكم الذاتي، ومع ذلك رفضت الأحزاب القومية الكتالونية هذا الحل الجزئي، وظلت تسعى إلى حق تقرير المصير الكامل.
في العقود الأخيرة نشطت مطالبات الاستقلال بحملات سياسية وشعبية، وشهد الإقليم استفتاءً غير رسمي على الاستقلال عام 2017، وإعلان برلمان كتالونيا الاستقلال الذي واجهه الحكم المركزي بالإجراءات القانونية.
وطوال شهور الإبادة تضامن غوارديولا ولاعبون سابقون وشخصيات رياضية مع القضية الفلسطينية، وأعربوا عن رفضهم للاحتلال الإسرائيلي وجرائم الإبادة غير المسبوقة ضد قطاع غزة.
بالإضافة إلى الجانب الرياضي، نظم النشطاء والعمال في كتالونيا مظاهرات ووقفات تضامنية كبيرة مع فلسطين، ففي 27 أيلول/ سبتمبر 2024 شهدت برشلونة إضراباً عاماً ومسيرة حاشدة حضرها عشرات الآلاف تعبيراً عن التضامن مع الشعب الفلسطيني ودعماً لوقف الحرب في غزة.
وسبق ذلك قيادة رئيسة بلدية برشلونة اليسارية السابقة آدا كولاو حملة لقطع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي عام 2022، ثم أعيد استئناف المقاطعة مجدداً بعد اندلاع حرب الإبادة عام 2023، إذ اضطر مجلس المدينة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 إلى إعادة قطع العلاقات استجابة لإرادة سكان الإقليم التي تعد برشلونة أهم المدن داخله.
تقاطع النضال
يشترك الباسك والكاتالونيون مع الفلسطينيين في عدة عناصر أساسية للنضال الوطني، فكُلٌّ منهم يعتبر شعبه أمة لها لغة وثقافة مميزة عُرضة للتهميش في إسبانيا، في مقابل الإبادة والإزالة في فلسطين. فالمطالبة بحق تقرير المصير تشكّل حجر الزاوية في كلٍّ من الحركتين القوميتين الباسكية والكتالونية كما هي في النضال الفلسطيني.
وفي جميع الحالات هناك إحساس عام بممارسة قمع سياسي من قبل الحكم المركزي: فقد عانى الكتالونيون والباسكيون من القمع في ظل ديكتاتورية فرانكو، التي حرمتهم من لغاتهم وعاداتهم الثقافية، بينما يرى الفلسطينيون أنهم شعب يتم اضطهاده بشكل منهجي بفعل الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي، وهو ما دفع معظمهم إلى المطالبة بدولتهم المستقلة.
كما تجمع هذه الحركات قيم المقاومة ورفض الوصاية؛ فكلٌّ من القوميين الباسك والكتالونيين يخوض معركة سياسية وحقوقية لسماع صوت شعوبهم، على غرار الفلسطينيين الذين لجأوا إلى القانون الدولي والاحتجاج الشعبي للتأكيد على حقهم غير القابل للتصرف في تقرير المصير.
لم تقتصر مواقف التضامن من كتالونيا والباسك على القضية الفلسطينية وحدها، بل امتدت لتشمل شعوباً أخرى تسعى لاستقلالها أو حماية حقوقها.
أظهرت كتالونيا حساً عالياً بالتضامن مع الشعوب الأصلية في أميركا اللاتينية، ففي حزيران/ يونيو 2019 قام وزير خارجية الإقليم ألفريد بوش بتقديم اعتذار رسمي للشعوب الأصلية في المكسيك عن الظلم المرتكب خلال فترة الغزو الإسباني، مؤكداً دعمه لمطالبها في استعادة كرامتها والمطالبة بحقوقها.
وجاء ذلك في سياق اهتمامه بحقوق الشعوب الأصلية بشكل عام ودعمه لحقها في تقرير المصير، مع ترحيب الجانب المكسيكي بالرسالة التضامنية.
اظهار أخبار متعلقة
وعبّرت قيادات الأقاليم أيضاً عن دعمها لمبادئ العدالة الدولية، فعلى سبيل المثال، دانت الحكومتان الكتالونية والباسكية في مناسبات مختلفة انتهاكات حقوق الإنسان عالمياً، ودعتا إلى احترام القانون الدولي.
وفي أيلول/ سبتمبر 2025 أصدرت الحكومة الباسكية بياناً رسمياً يدعو إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في غزة، مع إدانة قاطعة لاستغلال الجوع كأداة حرب والعرقلة المتعمدة للمساعدات الإنسانية، ومؤكدةً دعمها الصريح لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا".