صحافة دولية

NYT: أمريكا تعمل للحد من التأثير الإيراني في العراق.. وهذا بشأن "الوصاية الشيعية"؟

مسؤولون أمريكيون طالبوا السوداني بنزع سلاح الفصائل- أ ف ب
مسؤولون أمريكيون طالبوا السوداني بنزع سلاح الفصائل- أ ف ب
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا أعدته إريكا سولومون قالت فيه إن الناخبين العراقيين ذهبوا يوم الثلاثاء لصناديق الاقتراع لانتخاب برلمان جديد وسط محاولات أمريكية للتخلص من التأثير الإيراني على البلاد، ووصفت شوارع بغداد وكيف تنافس المرشحون على كل بوصة إعلانية لتعليق صورهم وتعهداتهم الانتخابية بـ "الرخاء والازدهار".

وأضافت أن السواتر الإسمنتية التي كانت تحمي من السيارات المتفجرة أصبحت تحمي مشاريع الإعمار التي تعد بالشقق السكنية والمقاهي ومراكز اللياقة البدنية والمراكز الصحية، وبعد احتلال أمريكي طويل وسنوات من سفك الدماء الطائفي وتمرد جهادي، أصبح العراق ملاذا هادئا غير متوقع في الشرق الأوسط، على الأقل مقارنةً بالعديد من دول أخرى بالمنطقة.

السلام أولوية قصوى للعراقيين
مضيفة أن الحفاظ على هذا السلام الذي تحقق بشق الأنفس يعتبر أولوية قصوى للعراقيين مع انطلاق الانتخابات البرلمانية، ونقلت عن رئيس الوزراء محمد السوداني قوله لـ"نيويورك تايمز"  في مقابلة الأسبوع الماضي: "لقد وصل الشعب العراقي إلى مرحلة لم يعد يحتمل فيها الصراعات والحروب وكل هذه المغامرات"، وأضاف: "الشعب يريد الاستقرار والأمن والتنمية".

 ويتنافس أكثر من 7,700 مرشحا من 114 قائمة حزبية على 329 مقعدا، وبمجرد إعلان النتائج، ستستغرق المفاوضات أسابيع، وربما أشهر، لتشكيل ائتلاف يحظى بأكبر حصة من المقاعد، ومن ثم تشكيل حكومة، ويتوقع السوداني، الذي يقود تحالفا من الأحزاب، وتقول أن الفضل يعود إليه في استقرار العراق وازدهار قطاع البناء، الفوز بأكبر عدد من الأصوات، لكن بعض حلفائه السياسيين السابقين تعهدوا بمنعه من تشكيل ائتلاف حاكم للفوز بولاية ثانية، ويخيم على هذه الانتخابات السؤال الشائك حول ما إذا كان العراق قادرا على التخلص من نفوذ جارته القوية سابقا وكيف يمكنه تحقيق هذا.

اظهار أخبار متعلقة



الميليشيات بدل تنظيم الدولة
وفي عام 2003، قامت أمريكا بغزو العراق وأطاحت بالرئيس صدام حسين، وفتح الغزو المجال للأحزاب الشيعية السيطرة على السياسة في البلاد، وأصبح العراق منذ ذلك الحين ساحة حرب بين واشنطن وطهران، نظرا لتحالف الكثير من الأطراف الحاكمة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

واستطاعت العديد من الميليشيات المرتبطة بإيران تقوية نفوذها  السياسي وتأثيرها، وزاد تأثير ما صار يعرف بالحشد الشعبي بعد اجتياح تنظيم الدولة مناطق في العراق عام 2014، وحصلت بعض الميليشيات الداخلة ضمن الحشد على دعم مالي وعسكري من إيران.

ورغم تلاشي خطر تنظيم الدولة، إلا أن الميليشيات الموالية لإيران زادت قوة، واستخدمت الوجود الأمريكي في العراق كذريعة لمواصلة حملها السلاح، كما وضغط قادتها على المسؤولين العراقيين للعمل على إخراج القوات الأمريكية وفق التقرير.

 وتوصل السوداني إلى اتفاق مع واشنطن يقضي بالانسحاب التدريجي لحوالي 1,300 جنديا أمريكيَا لا يزالون في العراق بحلول  أيلول/اسبتمبر 2026، لكن المسؤولين الأمريكيين يتفاوضون بالفعل للحفاظ على وجود في البلاد، قائلين إنه ضروري لمحاربة فلول تنظيم الدولة.

وأشارت الصحيفة إلى تراجع القوة الإقليمية لإيران في العامين الماضيين ومنذ أن قادت، حماس هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 على إسرائيل، وهو ما قاد لحرب انتقامية من إسرائيل دمرت غزة وقلبت النظام الجيوسياسي في الشرق الأوسط رأسا على عقب.

وفي حرب ضد إيران، قتلت إسرائيل قادة عسكريين في سوريا وقيادة حزب الله في لبنان، وخسرت طهران حليفها الأهم بالمنطقة وهو نظام بشار الأسد الذي أطاحت به قوات تابعة للمقاتلين بقيادة أحمد الشرع، الرئيس السوري الحالي، عام 2024. وفي حزيران/يونيو شنت إسرائيل والولايات المتحدة حربا قصيرة استمرت 12 يوما دمرت المفاعلات النووية الإيرانية.

اظهار أخبار متعلقة


وقد انهارت التحالفات الإيرانية في المنطقة وقواتها الوكيلة، المعروفة بمحور المقاومة، في كل المنطقة تقريبا باستثناء العراق، حيث تحتفظ إيران بجماعات عراقية، ليست مسلحة فحسب بل تسيطر أجنحتها السياسية على مفاصل مهمة في الدولة وحصلت على منافذ للعقود المربحة، زادتها ثراء وقوة، وتقول إيران إن هذه الجماعات ليست بحاجة إلى دعم  مالي منها بحسب الصحيفة.

في هذه الانتخابات رشحت كل ميليشيا مرتبطة بإيران قائمة خاصة بها، ونظمت مثلا، كتائب حزب الله، الجماعة الأقوى ارتباطا بإيران، مواكب انتخابية سارت، يوم السبت وسط مدينة الكوت في جنوب العراق، مختتمة حملة انتخابية، وعلت سياراتها المزودة بمكبرات الصوت، راياتها المزينة بالقبضة والبندقية.

"عراق خالي من الميليشيات"
وأشارت إدارة الرئيس دونالد ترامب أنها قد لا تتسامح مع وجود مثل هذه الميليشيات في البلاد لفترة أطول. وفي الشهر الماضي، أكد وزير الخارجية ماركو روبيو على "الحاجة الملحة لنزع سلاح الميليشيات المدعومة من إيران"، كما أكد مبعوث ترامب الجديد إلى العراق، مارك سافايا، على هذه الفكرة في رسالة إلى العراقيين قبل التصويت.

وكتب على مواقع التواصل الاجتماعي: "الولايات المتحدة تقف إلى جانب العراق وهو يمضي قدما: قويا ومستقلا وخاليا من الميليشيات المدعومة من الخارج"، ويتوقع السياسيون العراقيون من سافايا ألا يطالب فقط برئيس وزراء صديق للولايات المتحدة، بل بحكومة خالية من الأحزاب المتحالفة مع الميليشيات المرتبطة بإيران.

تصريحات إيرانية "استفزازية"
ونقلت الصحيفة عن علي الحمداني، مدير حملة سياسية في بغداد: "مجرد إعلان ترامب تعيين مبعوث جديد أثار قلق كل مسؤول عراقي. إنهم يعرفون ما سيحدث لاحقا".

من جهته انتقد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي الضغط الأمريكي وشجب التدخل الخارجي في الانتخابات بأنه "غير مقبول"، وهو ما أدى لشجب عراقي، حيث اعتبر وزير الخارجية العراقي التصريحات بأنها "استفزازية" وحث طهران على عدم التدخل بالشأن الداخلي.

ويعد طرد الميليشيات العراقية المتزايدة قوة وثراء مطلبا عراقيا حتى بين من يصفون بأنهم معادون لأمريكا، وقالت محاسن علي، وهي معلمة رياض أطفال متقاعدة في بغداد: "لا أحب الأمريكيين ولا أتفق معهم في أي شيء، إلا في هذا" أي مطلب تحييد قوة الميليشيات.

تعزيز نظام المحسوبية
ومع ذلك فتحقيق هذا المطلب يعد تحديا كبيرا للبلاد. فقد عملت الحكومة، اسميا، على دمج العديد منها، إلا أن الجماعات المتشددة الأقرب إلى إيران والتي تدفع واشنطن الآن لنزع سلاحها ترفض الخضوع، وتدافع هذه الجماعات عن دورها كجزء من "محور المقاومة"، ومحاربة ما تعتبره تدخلا أجنبيا في العراق من أمريكا وغيرها.

وقد وصل السوداني إلى السلطة بمساعدة بعض هذه الجماعات، مقدما نفسه على أنه الرجل القادر على كبح جماح الميليشيات. ويقول منتقدوه إنه فعل ذلك من خلال تعزيز نظام المحسوبية.

ويعد  العراق واحدا من أكبر منتجي النفط في العالم، وقد ساهمت أسعار النفط الخام المرتفعة نسبيا في تعزيز طفرة في مشاريع التنمية الممولة من الدولة، والتي استفادت منها الميليشيات.
وبالنسبة لإيران، فالعراق ليس مجرد شريان حياة اقتصادي للعالم الخارجي، بل مسألة أمنية أيضا، حيث يشترك البلدان بحدود تمتد لنحو 1000 ميلا، وقد خاضا يوما حربا مدمرة استمرت ثماني سنوات، لا تريد إيران تكرارها مرة أخرى.

العراق أحد ركائز الأمن القومي لإيران
ونقلت الصحيفة عن إحسان الشمري، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد قوله: "يمثل العراق أحد ركائز الأمن القومي لإيران، لذا ستقاتل إيران للحفاظ على سيطرتها في العراق". ويرى الشمري خطرا في إبقاء الأحزاب المرتبطة بالميليشيات داخل الحكومة، مع أن  رئيس الوزراء السوداني يخالف هذا الرأي قائلا للصحيفة: "أي مسار يمكن أن يحول هذه الفصائل المسلحة إلى السياسة أو الاقتصاد، ثم يلقي سلاحه - فهذا حل جيد"، ولكن الميليشيات مصرة على سلاحها.

وقبل ثلاث ليال من الانتخابات، ألقى المتحدث باسم كتائب حزب الله، جعفر الحسيني خطابا ناريا طائفيا في تجمع انتخابي. وأصر على أن  العراق هو "تحت وصاية شيعية كاملة، شئنا أم أبينا، وأسلحتنا ستبقى في أيدينا".

وقال محمد التميمي، رئيس جماعة الوعد الصادق، في مقابلة، إن التوجه إلى السياسة ليس لتسليم السلاح، بل لحماية مصالحه. وقال: "كل فصيل يحتاج إلى رجال في البرلمان والحكومة لحماية طموحاته ومطالب شعبه".

اظهار أخبار متعلقة


أمل الناخبين خاب بسبب المناورات السياسية
ويقدم السوداني نفسه على أنه المرشح الأمثل لتحقيق التوازن بين المصالح الإيرانية والأمريكية، وأشرف قبل فترة على صفقات لشركتي شيفرون وإكسون لتطوير حقول النفط في العراق. وفي لفتة واضحة لترامب، كتب مقالا في صحيفة "نيويورك بوست" روج فيه أن العراق هو شريك استثماري، وقال لصحيفة "نيويورك تايمز"  إنه سيحضر 50 مليارديرا عراقيا إلى واشنطن الشهر المقبل لحضور مؤتمر "استثمر في أمريكا"، لإظهار "الانسجام مع مسار الرئيس ترامب".

 وتقول الصحيفة إن أمل الناخبين قد خاب بسبب المناورات السياسية للأحزاب وممثليها، ولهذا  تتوقع بعض استطلاعات الرأي أدنى نسبة مشاركة على الإطلاق في الانتخابات البرلمانية التي تجري منذ 20 عاما.

وقال محمد عباس، 20 عاما الذي يبيع المراتب عند طريق سريع في بغداد: "لماذا نصوت؟ إنها مجرد باب دوار لأسماء جديدة تمثل القوى نفسها" و"انتخاباتنا مجرد تمثيل فقط".
التعليقات (0)