على وقع حديث رئيس الوزراء
العراقي، محمد شياع
السوداني عن سعيه للحصول على ولاية ثانية، كشف وسائل إعلام عراقية، عن وضع
إيران "فيتو" على الأخير، خصوصا بعدما أشاد به مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للعراق، مارك سافايا.
إشادة سافايا بالسوداني وإدارته للعراق على مدار ثلاث سنوات، اعتبرتها جهات قريبة من خصومه في الإطار التنسيقي الشيعي، ضوء أخضرا أمريكيا لتولي الأخير ولاية ثانية بعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.
وكتب سافايا على منصة "أكس"، أن قيادة العراق أخذت خطوات مهمة لتوجيه البلاد إلى الطريق الصحيح، سياسيا، واقتصاديا، وبدأ العراق يصبح دولة ذات سيادة.
"فيتو إيراني"
على إثر ذلك، كشفت صحيفة عراقية، الأربعاء، أن "قوى الإطار التنسيقي أجرت اتصالات مع طهران للحصول على موقفها من تولي محمد شياع السوداني، منصب رئيس الوزراء لولاية ثانية، وأن الرد جاء بالرفض بسبب تقديرات لها ترى أنه بات أقرب إلى الولايات المتحدة".
وبحسب صحيفة "العالم الجديد"، فإن رد إيران أدى إلى تصاعد الانقسامات داخل تحالف "الإعمار والتنمية" الذي يقوده السوداني، إذ بدأت بعض القوى المقربة من إيران داخله تبتعد عن توجيهاته وتحفظها في التعامل معه، ما انعكس على وحدة الموقف السياسي للتحالف في الحملة الانتخابية.
وأشارت إلى أن "إيران كثفت نشاطها في العراق بشكل كبير قبيل الانتخابات، إذ قررت تعيين مبعوث مباشر إلى العراق بعد خطوة واشنطن الأخيرة بتسمية مبعوث خاص لها، دون أن يتضح ما إذا كان المبعوث الإيراني هو إسماعيل قاآني أو شخصية أخرى".
وشددت على أن "سبب الخلاف المتصاعد بين السوداني وأحد أعضاء ائتلافه وهو النائب والمرشح حسين عرب، هو ظهور اسمه كمرشح بديل عنه لتولي رئاسة الحكومة المقبلة، ضمن مجموعة أسماء يتم تداولها داخل المطبخ السياسي".
وفي السياق ذاته، شن ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، هجوما حادا على رئيس الوزراء، فقد صرح عضو الائتلاف إبراهيم السكيني، أن "السوداني يواصل تحركاته لضمان البقاء في السلطة، من خلال اتباع سياسات تهدف إلى كسب رضا الإدارة الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية".
وأوضح أن "رئيس الوزراء الحالي لن ينجح في الحصول على ولاية ثانية، في ظل الاستياء من أدائه وتقاربه مع جهات مرفوضة شعبيا، من بينها قادة مجموعات متطرفة ومطبّعون مع إسرائيل".
اظهار أخبار متعلقة
وكان نوري المالكي، اتهم السوداني خلال مقابلة تلفزيونية، الأسبوع الماضي، بـ"تعزيز التطبيع مع إسرائيل" عقب مشاركة الحكومة في قمة شرم الشيخ، التي كان الهدف المعلن لها مناقشة إنهاء الحرب على غزة.
وقال المالكي إن القمة "خلقت أجواء من التطبيع مع الكيان الصهيوني"، داعيا العراق إلى "الابتعاد عن المؤتمرات الأمريكية تحت عنوان السلام أو حل الدولتين".
"دعم أمريكي"
تعليقا على ذلك، قالت الباحثة في الشأن السياسي العراقي، نوال الموسوي، إن "الطرح السائد سابقا من الإطار التنسيقي، هو عدم دخول السوداني الانتخابات البرلمانية بقائمة منفردة، لكن بدعم من الجانب الأمريكي جرى إلغاء هذا الأمر، وشكل الأخير تحالفا خاصا بقيادته للمشاركة الانتخابية".
وأوضحت الموسوي لـ"عربي21" أنه "بحكم التوترات الإقليمية وحرب الـ12 يوما بين إيران وإسرائيل، وغيرها من التوازنات التي فرضتها الظروف في المنطقة، تراجعت قوى الإطار عن العديد من قراراتها، ولاسيما ترشح السوداني بقائمة منفردة، وعزله من منصبه قبل الانتخابات بستة أشهر كما كان يرغب المالكي".
المؤشر الثاني، بحسب الموسوي، هو "كثافة التحركات الأمريكية سواء على المستوى الدبلوماسي أو الاقتصادي والذي كان محصورا بالحكومة وتحديدا بشخص رئيس الوزراء، ولاسيما إبرام عقود النفط والغاز والكهرباء، وهذا يفهم أنه ثمة دعم ورضى أمريكي على السوداني، عكس كل الرغبات الإطارية".
ورأت الموسوي أن "إشادة مبعوث ترامب بأداء حكومة السوداني يُعد دعما إعلاميا، لكنه لا يساوي شيئا مقابل الدعم بالمسائل الفنية والاقتصادية، وهذه نقرأها من التحركات الأمريكية المكثفة التي توحي بذلك".
وأشارت إلى أن "الجزء الأكبر من الإطار التنسيقي هم القريبون من إيران والمؤثرون في صنع القرار بالعملية السياسية العراقية، وعلى رأسهم المالكي الذي توضح تصريحاته وجود عداوة وخصومة مع السوداني، بالتالي قد يكون له دور كبير في الفيتو الإيراني".
لكن القسم الآخر هو"فصائل المقاومة" التي لها دور كبير في استتباب الأمن، وكانوا في السابق قريبين من السوداني.
وبناء على ذلك، ترى الباحثة العراقي، أن "الجهات الولائية (موالية لإيران) أقرب للسوداني- رغم وجود خصومة- لكنه أرضاهم بالعديد من السبل، منها منحهم امتيازات اقتصادية ومالية عبر مشاريع عدة".
وعن مدى تأثير الانقسام داخل الإطار على تولي السوداني ولاية ثانية، قالت الموسوي إنه "سيبقى مستمرا، لكن ثمة أولويات لدى القوى الولائية حاملة السلاح، منها: هو من يمنح لهم الاطمئنان والاستقرار، خصوصا أن أغلبها انخرطت بالعملية السياسية رغم العقوبات الأمريكية عليها".
وتابعت: "هذا يعطي تصورا أن هذه القوى لديها مرونة وتتقبل العديد من العروض سواء من الجانب المعارض أو المؤيد للسوداني، وبالنتيجة سيصلون إلى قرار بعد معرفة من قادر على تنفيذ هذه العروض".
ورجحت الموسوي وجود "فيتو إيراني" على السوداني، لكنها رأت أنه لم يعد مؤثرا كما كان قبل ثلاث سنوات، لأن "الكلمة الفصل في اختيار رئيس الوزراء بالمرحلة المقبلة ستكون للولايات المتحدة الأمريكية وتركيا".
"كبش فداء"
على الصعيد ذاته، قال كاظم ياور مدير مؤسسة "دستورنامه" للدراسات الديمقراطية في العراق لـ"عربي21"، إنه " عقب الحرب الإيرانية الإسرائيلية وتغيّر المعادلات بالمنطقة، تغيّرت سياسات وتوجهات بعض الشخصيات المرشحة لتولي منصب رئيس الوزراء، وخاصة السوداني".
وأضاف: "انتقل السوداني مبكرا- بعد الحرب الإيرانية الإسرائيلية- بالسياسات الخارجية للتقارب مع واشنطن وحلفائها، خاصة دول الخليج، وكذلك تفاعله مع التغيير في سوريا ولقائه مع الرئيس السوري أحمد الشرع في قطر، فضلا عن مساهمته في الإفراج عن المختطفة الإسرائيلية، إليزابيت تسوركوف".
ولفت إلى أن "تنقلات للسوداني تضاف لها تصريحات مبعوث ترامب، وإشادته بالأخير وحضوره للعراق قبل العملية الانتخابية البرلمانية، أعطت ميزة للسوداني في هذا التوقيت دون غيره من المشرحين، كلها مؤشرات ودلالات أن الأخير أصبح قريبا من التوجهات الأمريكية".
وأوضح ياور أن "واشنطن تشترط عبر اتصالات مسؤوليها ضرورة نزع سلاح الفصائل المسلحة خلال المرحلة المقبلة، وعدم التعامل معها كأمر واقع في العراق، وهذه اشتراطات تعلم بها كل القوى السياسية، ولا أعتقد أنه ثمة أحد يرفض تنفيذها، خصوصا دمج الفصائل بالأجهزة الأمنية".
وبيّن الباحث أن "القوى القريبة من إيران تحاول من خلال اتصالاتهم مع طهران المناورة وضرب السوداني، ولكن أعتقد حتى لو جاء منافس له إلى رئاسة الوزراء فإنه سيعمل بالشروط الأمريكية للحفاظ على منصبه".
اظهار أخبار متعلقة
وأعرب ياور عن اعتقاده بأن "السوداني قد حسم أمره في تلبية هذه الشروط، فإذا تولى الولاية الثانية فإنه سيمضي بدمج الفصائل في المؤسسات الأمنية، وهنا فإني أتوقع أن الولايات المتحدة باتت قريبة من دعم الأخير لتوليه رئاسة الحكومة وتنفيذ هذه المهمة".
واستدرك الباحث، قائلا: "لكن تبقى هناك تأثيرات إيرانية عبر كتل سياسية قريبة منها، إلا أنها ستكون فقط رسائل تحاول أن تبعث بها إيران إلى الولايات المتحدة بأنهم يتفاوضون على ملف العراق معها".
وخلص ياور إلى أن "إيران تريد القول للولايات المتحدة، إنه إذا جرى حل مشكلاتها الإقليمية والدولية ومنها الملف النووي، فإن العراق ممكن أن يكون كبش فداء في السياسات الإيرانية، وذلك بالتنازل والقبول بولاية ثانية للسوداني، مقابل حصولها على مكاسب من المجتمع الدولي وواشنطن".