صحافة دولية

بعد حرب غزة.. المجتمع والجيش "الإسرائيليان" على حافة "تسونامي نفسي"

إحصائيات "إسرائيلية" عديدة تحدثت عن صدمة نفسية للمجتمع- عربي21
إحصائيات "إسرائيلية" عديدة تحدثت عن صدمة نفسية للمجتمع- عربي21
سلط تقرير لصحيفة "لوموند" الفرنسية الضوء على الآثار النفسية للحرب على قطاع غزة بعد 7 على الجيش والمجتمع الإسرائيلي، خصوصا الضغط النفسي المتزايد على الجنود الاحتياطيين والمجتمع المدني.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه بعد دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في 10 أكتوبر/ تشرين الأول/ أكتوبر، تتجه الأنظار في إسرائيل نحو العواقب النفسية للصراع، إذ يُظهر جنود الاحتياط الإسرائيليون تأثرًا بالغًا بما يشبه موجة اكتئاب واسعة.

وفي 30 تموز/ يوليو، كان روي فاسرشتاين البالغ من العمر 24 عامًا، ممرضًا في وحدة تابعة للجيش الإسرائيلي نُشرت في غزة أثناء الحرب وبعد شهرين من عودته إلى منزله في نتانيا شمال إسرائيل، كان يستعد لاجتياز امتحانات الهندسة الإلكترونية.

ونقلت عن شقيقه الأكبر توم (36 عاما) قوله "كان دائمًا هادئًا، لكنه بدا أكثر انطواءً من المعتاد، كان والدانا يسألانه إن كان يريد التحدث، فكان يجيب بأنه بخير".

وتابعت، أنه "في ذلك اليوم، حين صعد والده إلى غرفته، وجده جثة هامدة  شابًا ضخم الجثة، طوله 1.95 متر ووزنه 120 كيلوغرامًا فيما يقول توم بأسى: لم نرَ هشاشته رغم أنه لم يكن يقاتل مباشرة، إلا أنه رأى أهوالاً، وشمّ رائحة الموت وجمع الجثث، أحيانًا جثث رفاقه في الوحدة، ودفع الثمن في النهاية".

وأفادت الصحيفة أن عددا من قدامى المحاربين الخاضعين للعلاج من اضطراب ما بعد الصدمة  أو أمراض نفسية أخرى بلغ  18,900 شخص، بينهم 65 بالمئة من جنود الاحتياط و7 بالمئة من النساء في سبتمبر/أيلول، وذلك وفق معطيات رسمية.

وتشير توقعات وزارة الدفاع، التي لم تبدأ بالاعتراف رسميًا باضطراب ما بعد الصدمة إلا منذ عام 2018، إلى أن العدد قد يصل إلى 50 ألف حالة بحلول عام 2028.

وبالنسبة إلى أمير كريفوي، مدير مركز "غيها" للصحة النفسية، أحد أكبر المستشفيات النفسية في البلاد والواقع في بتاح تكفا شمال تل أبيب، فإن المستقبل يبدو مقلقًا للغاية. واستنادًا إلى قاعدة بيانات تضم الحالة النفسية لما يقارب خمسة ملايين شخص، أي نحو نصف سكان إسرائيل، يؤكد كريفوي أن المجتمع الإسرائيلي مهدد بموجة من الاكتئاب.

ويقول كريفوي البلاد تعيش حالة من التوتر المزمن، وخاصة بين الجنود، ولكن ليس هم فقط. فقد ارتفعت تشخيصات اضطراب ما بعد الصدمة بأكثر من 70% بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول، ولم يبدأ بعد العمل الجماعي للحداد اللازم للانتقال إلى مرحلة التعافي والشفاء، وما زلنا بعيدين عن قياس الأثر النفسي لهذه الهجمات والحرب في غزة.

ويضيف أنه لا يمكن تقييم الحالة العقلية للمجتمع من خلال اضطراب ما بعد الصدمة فقط، بل يجب أيضًا النظر إلى الاكتئاب والقلق والأرق التي تزداد انتشارًا منذ عامين.

وأوضح "دراساتنا تشير إلى أننا على حافة مرحلة فاصلة، تُطرح فيها أسئلة عن نوع المجتمع والمستقبل الذي نريده. الشعب الإسرائيلي، رغم تاريخه المليء بالأزمات، لم يعد يريد المعاناة، نحن أمام منعطف سيحدد ما سنكون عليه خلال السنوات المقبلة".

اظهار أخبار متعلقة



جمع الجثث
عند سؤاله عن الكلفة الأخلاقية للحرب على غزة التي وصفتها لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة بأنها إبادة جماعية، يشدد كريفوي على أن الجنود الإسرائيليين شهدوا كارثة إنسانية ومادية مروّعة، ما ترك أثرًا نفسيًا جماعيًا يمكن أن يتحول إلى اكتئاب شامل.

ويقول شلومي ديماري، البالغ من العمر 34 عامًا، "كنت أعرف تمامًا لماذا كنت في غزة، فقدتُ أخي في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كما انتحر صديقي المقرّب نير بعد أربعة أشهر من عودتنا من أول مهمة في غزة. حيث  لم يكن شلومي ونير داخل غزة خلال الأسابيع الأولى ؛ كانت وحدتهما مكلفة بجمع جثث الإسرائيليين الممزقة وعلى الطرقات.

وأضاف ديماري "هذه الصور أثرت في نير، لكن في الجيش لا أحد يشتكي، علينا أن نكون رجالاً. استغرق الأمر عامًا كاملاً حتى تم الاعتراف به كضحية حرب. لم نرَ شيئًا، لكن زوجته أخبرتنا لاحقًا أنه لم يعد يستطيع النوم وكان يتقيأ باستمرار". 

ورغم كونه ركيزة تاريخية في المجتمع الإسرائيلي، إلا أن الجيش ليس بمنأى عن الشكوك. إيلي ميري، البالغ من العمر 47 عامًا،  والقائد الثاني لواء دبابات وجندي احتياط، يعتقد أن "الجيش الإسرائيلي لم يكن مستعدًا لهذه الحرب في غزة، وسيكون الثمن باهظا.

وأضافت الصحيفة أن بعض الجنود يعانون من أزمة ثقة في خيارات القيادة؛ حيث يقول إيلي ميري: "في إسرائيل عندما تفقد الثقة بالقادة العسكريين، تتأثر ثقتك بالحياة بأكملها". ووفقًا له، يُظهر ربع رجال لوائه علامات الاكتئاب والعنف، أو حتى يفقدون وظائفهم عند عودتهم إلى الحياة المدنية. 

اظهار أخبار متعلقة



الحكومة نستنا
هاجاي هرميرش، طبيب نفسي إسرائيلي مشهور، والذي  انتحر ابنه الجندي قبل ثلاثين عامًا. أسس مع زوجته عوفرا، المحامية السابقة، منظمة غير حكومية تُعنى ظاهرة الانتحار بين الجنود.

ويقول هيرمرش: "أعتقد أن ذلك قد أحدث اضطرابات ثقافية عميقة في المجتمع الإسرائيلي". وفيما يتعلق بالضرر النفسي الذي لحق بالبلاد، فإنه يخشى من موجة من الاضطرابات النفسية في إسرائيل، ويعتقد أن المجتمع غير مستعد للتأقلم كما هو الحال في العديد من المجتمعات الغربية، تُعتبر الصحة النفسية من أهم العوامل المؤثرة في السياسات العامة".

وتقول زوجته عوفرا: "أشعر اليوم بالاكتئاب، ما فعلناه في غزة فظيع، لقد تصرف الجنود بما يخالف قيمهم الأخلاقية. ماذا سيحدث عندما يعودون جميعًا إلى ديارهم؟ أنا قلقة للغاية على مستقبل بلدنا". 

ويقول شلومي: "نحن جنود الاحتياط، من خاض هذه الحرب؛ لقد نسيتنا الحكومة؛ كل الدعم المالي والسياسي والامتيازات تذهب إلى الزعماء الدينيين وأنصار ائتلاف رئيس الوزراء نتنياهو".
التعليقات (0)

خبر عاجل