قضايا وآراء

غزة يا وجع القلب..!

محمود النجار
"إصرار الاحتلال الإسرائيلي على الاستيلاء على كامل قطاع غزة يعني مزيدا من الشهداء المدنيين، ومزيدا من الدمار والخراب والتشريد"- الأناضول
"إصرار الاحتلال الإسرائيلي على الاستيلاء على كامل قطاع غزة يعني مزيدا من الشهداء المدنيين، ومزيدا من الدمار والخراب والتشريد"- الأناضول
عجز قلمي عن مجاراة ما يحدث في غزة الجريحة؛ فالألم أكبر من أن يوصف، أو أن تستوعبه مقالة أو كتاب.. لم أستطع طوال الشهور الفائتة الإمساك بالقلم، وخط حرف في مأساة شعب يموت، وتاريخ يئن، وجغرافيا تحتضر.. كل قطرة دم تنزف من طفل أو امرأة تحيلنا إلى البكاء؛ لتسحّ دموعنا ساخنة معبرة عن القهر والغضب والحزن والوجع الصعب.. تملكتنا الحيرة فيما يمكننا فعله تجاه الجرائم النازية التي يقترفها الاحتلال المجرم في حق شعبنا الصابر الصامد الراسخ في أرضه رسوخ الجبال..

لم يكن هذا الوجع والغضب بسبب صعود عشرات الآلاف إلى السماء وفداحة المصاب فقط، بل لما أصاب الأمة من هشاشة واستسلام لواقع مر، صنعه حكام مرتهنون ونخب ملوثة متلونة لا موقف واضحا لها.. لقد باعوا أوطانهم لعدوهم، وتركوا شعوبهم تزدرد العار والقهر والحسرة والعجز، وهي التي حرمت من حلمها الطويل بوطن قوي عزيز وحياة كريمة..!

الإصرار على الاستيلاء على القطاع، وممارسة القتل الجماعي والعشوائي عرّض، وما زال يعرّض كل مكونات المجتمع الفلسطيني للموت، بمن فيها الأطباء والصحافيون والمسعفون، ناهيك عن سياسة التجويع والتعطيش والتهجير المتواصل بإصرار على قتل كل ما يتحرك على الأرض

حكامنا ضعفاء خائرو القوى، لكنهم أشداء فيما بينهم وعلى شعوبهم، أذلاء على عدوهم.. غاية مطمحهم أن يكونوا أحذية لامعة على قياس أقدام السادة البيض. ويتنافسون أيها أكثر لمعانا، لكأنهم لم يقرؤوا ديناميات التاريخ، ولم يدركوا الأبعاد والمسافات بين حالة القوة والمنعة وحالة الضعف والخور والاستسلام..

شعب غزة العربي الأصيل يُقتل ويجوّع ويسلب حقه في الحياة، بينما يتفاخر عليّة القوم بالموائد الفاخرة، وبالسيارات الفارهة، وبمهرجانات الطرب والخلاعة، وليت الأمر يتوقف عند ذلك؛ فهم إما مشاركون في المؤامرة على غزة وفلسطين، ويدعمون الكيان المحتل بكل طاقتهم للقضاء على حلم الفلسطيني بالعيش على أرضه معززا مكرما، وهم يرون بأعينهم ما يعيثه العدو في القدس والضفة الغربية من قتل وتدمير وحرق واعتقال في ظل صمتهم المطبق، وإما محايدون صامتون كأنهم خشب مسندة، وقليل منهم المتضامنون مع دماء الشهداء؛ وكلهم يرسلون الأكفان للموتى؛ فهي الأكثر وفرة في سوق المقابر الجماعية..

حكامنا ماضون في خيانتهم لأمتهم، غير مدركين حجم التصدعات التي قد تتشكل في عمق أنظمتهم السياسية؛ جراء إحساس المواطن بخيانتهم وخزي مواقفهم وعارها، والتي قد تؤدي إلى انفجارات اجتماعية تأكل الأخضر واليابس، فتسقط أنظمة وتنهض أخرى، أو تعم الفوضى وتتحطم الأحلام على مذبح الخيانة والعهر السياسي..

احتلال كامل قطاع غزة:

إن إصرار الاحتلال الإسرائيلي على الاستيلاء على كامل قطاع غزة يعني مزيدا من الشهداء المدنيين، وخصوصا الأطفال والنساء، ومزيدا من الدمار والخراب والتشريد، بعد أن اعتدت القوة الغاشمة على الإنسانية والأخلاق وحقوق الإنسان، وحق المقاومة المشروع في الدفاع عن وطنها وأبناء شعبها، وهو ما أقرته شريعة السماء وقوانين الأمم المتحدة.

والإصرار على الاستيلاء على القطاع، وممارسة القتل الجماعي والعشوائي عرّض، وما زال يعرّض كل مكونات المجتمع الفلسطيني للموت، بمن فيها الأطباء والصحافيون والمسعفون، ناهيك عن سياسة التجويع والتعطيش والتهجير المتواصل بإصرار على قتل كل ما يتحرك على الأرض، وتدمير مظاهر الحياة كافة. وهو أقوى مؤشر على الإبادة الجماعية التي تعد من أكبر الجرائم الجنائية في الشرائع الأممية.

ردود فعل الكيان المحتل وعلاقاته الدولية:

مع كل ما يتعرض له الكيان المحتل من ضغوط دولية، رسمية ومدنية، إلا أنه بزعامة نتنياهو ومن خلفه اليمين المتطرف، لم يزل يمارس إجرامه ونازيته بزهو وفخر، باتباع تعاليم التوراة المحرفة والتلمود الذي وضعه الحاخامات ويناقش التوراة ويفسرها، غير آبه بغضبة الشعوب، ومواقف الدول الرافضة لسلوكه الإجرامي، وبالحطام الاجتماعي للشعب اليهودي، ولا بأسراه، فنتنياهو مصرّ على استمرار العدوان على غزة، مهما كانت النتائج، ما دامت محاكمته أمام القضاء المحلي مؤجلة، وبقاؤه في الحكم متحقق، بل إنه في سبيل شهوة البقاء في الحكم يعمل متعمدا على توسيع نطاق العدوان، فيقصف سوريا تارة، ولبنان تارة، واليمن تارة أخرى، وأخيرا تجرؤه على قصف الدوحة التي تستضيف المفاوضات، ناهيك عن عدوانه على إيران..

خسر الكيان المحتل كثيرا من أوراقه في الغرب، ولم تسلم الولايات المتحدة الحليف الأقوى للكيان من الخسارات الفادحة؛ فقد نقم قطاع كبير من الأمريكيين والأوروبيين على سياسات بلادهم المنحرفة وغير المنصفة، وباتت أمريكا في مهب الغضب الغربي والعربي

لم يكتف نتنياهو بما قام به من اعتداءات على الدول العربية وإيران، بل وصلت غطرسته إلى جرأته على الكشف عن طموحاته التوسعية بضم أجزاء من الوطن العربي، لإنشاء ما يسمى "إسرائيل الكبرى".. نتنياهو اليوم يحارب العالم، ويواجه الكرة الأرضية بغطرسة فجة، لم تكن لتكون لولا الدعم الأمريكي المفرط؛ فترامب يؤمر فيطيع، وليس كما يتصور كثيرون.. ترامب يحلم بأن ينهي هو العدوان على غزة، فيكتب في سجله أنه أنهى العدوان، لكنه عاجز أمام غطرسة نتنياهو الذي يملك مفاتيح الكونغرس الأمريكي، وخزائن المال التي تصب في جيوب المرشحين لكل المناصب العليا في الولايات المتحدة؛ ولذلك تجد التضارب الهزلي في تصريحات ترامب، فهو كلما قال شيئا لا يعجب نتنياهو؛ جاءته عصا الأخير لتوجهه إلى ما يريد، فيغير ما صرح به سابقا؛ لتثير تصريحاته المتناقضة السخرية والاستهزاء من قبل الإعلام الأمريكي والغربي بعامة.

حلفاء الكيان المحتل في الغرب:

لقد خسر الكيان المحتل كثيرا من حلفائه في الغرب كليا أو جزئيا، وخصوصا إسبانيا وإيطاليا وبلجيكا، وبعض دول أمريكا اللاتينية، وبات منبوذا من أغلبية شعوب العالم، وتغير نمط التفكير لدى قطاع عريض من الأمريكيين الذين كانوا يؤيدونه بفعل الإعلام الموجه الذي استغله ليشكل العقل الأمريكي والأوروبي، وخسر كثيرا من الشراكات الاقتصادية مع دول وشركات كبرى واستثمارات بمليارات الدولارات، وسقطت ورقة التوت التي كانت تغطي عورته، لكنه ظل مصرا على همجيته وإجرامه، بل تحدى إجراءات الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، أو التي أدلت بتصريحات تعارض نهجه الإجرامي في قطاع غزة، واتهمها بمعاداة السامية، ذلك المصطلح الذي بدأ يفقد معناه ومبررات وجوده في قاموس السياسة الدولي..

لقد خسر الكيان المحتل كثيرا من أوراقه في الغرب، ولم تسلم الولايات المتحدة الحليف الأقوى للكيان من الخسارات الفادحة؛ فقد نقم قطاع كبير من الأمريكيين والأوروبيين على سياسات بلادهم المنحرفة وغير المنصفة، وباتت أمريكا في مهب الغضب الغربي والعربي؛ فقد زاد تأييد الولايات المتحدة للكيان المحتل من كراهية العرب والمسلمين لها، وباتت فاقدة لثقة شعوب العالم تماما كما الكيان المحتل.

لقد أرسل نتنياهو رسائل وقحة وبلهجة عنجهية لزعماء كل من فرنسا وأستراليا متهما إياهما بتأجيج الكراهية ضد اليهود وبمعاداة السامية، بسبب اعترافهما بالدولة الفلسطينية؛ فهو لا ينفك يواجه العالم بوقاحة استثنائية، تدفعنا إلى البحث العميق عن مصدر قوته، وسر الردود الباردة للدول التي هاجمها..!
التعليقات (0)