نشبت فتن في المغرب الإسلامي بعد إلغاء المعز ابن باديس رحمه الله ورضي عنه، المذهب الشيعي من شمال إفريقيا، فانتقم الفاطميون في القاهرة منه وأرسلوا القبائل الهلالية، فاضطرب حبل الأمن، وانتشرت الفوضى، وكانت كثير من المدن قد مسّها بعض ذلك الاضطراب، وكان ممن تأثروا من ذلك الشاعر ابن رشيق المسيلي، فاقترح عليه أن يهاجر إلى الأندلس التي لم تكن حالها أحسن من حال شمال إفريقيا، فردّ الشاعر على المقترح ببيتين من الشعر هما:
مما يزهدني في أرض أندلس سماع معتصم فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي – انتفاخا- صولة الأسد
ذكرني بهذين البيتين وببيت الشاعر أحمد شوقي الذي يقول فيه:
إن الشجاعة في القلوب كثيرة ووجدت شجعان العقول قليلا
ما وقع في مدينة الدوحة – عاصمة قطر- حيث عقد مؤتمر استثنائي لرؤساء العرب والمسلمين وملوكهم وأمرائهم، “للرد” على “دولة الأمشاج” التي اعتدت على قطر بإلقائها عدة قنابل على المنزل الذي اجتمع فيه المجاهدون – قادة حماس- لمناقشة مقترحات الإرهابي الأكبر رونالد ترامب ودولته التي أسست على الإرهاب، ولا تستطيع عليه صبرا.. وقد حفظ الله – عز وجل- أولئك القادة وأن استشهد بعض الأبرياء من الفلسطينيين والقطريين – رحمهم الله-.
لقد استمعت إلى كلمات “الرؤساء” و”الملوك” و”الأمراء”، ثم إلى البيان الختامي فضحكت من ذلك كله ولكنه “ضحك كالبكاء”.. لأن كل تلك الكلمات لم تحرك شعرة واحدة في رأس المجرم الأصغر نتنياهو فضلا عن المجرم الأكبر ترامب.. والدليل على ما أقول هو ما قاله الصهاينة، وأيّدهم المسئولون الأمريكيون، من أنهم سيكررون عدوانهم على هؤلاء القادة الفلسطينيين في أي مكان وجدوا فيه، ومعنى هذا أن قطر لن تكون الأخيرة، كما لم تكن الأولى.
وقد صدق من قال عن هذه “القمة” إنها “قمة الهوان والخذلان”
إن أكثر قادة المسلمين – ومنهم أكثر القادة العرب- صاروا “ظاهرة صوتية”، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.. بل إن بعضهم أصبحوا يجاهرون بمودّتهم للصهاينة، وقد كانوا حاضرين في الدوحة بأجسامهم ولكن قلوبهم معلقة بمن لا يحبونهم ولو لحسوا نعالهم في فلسطين المحتلة، إنهم خونة أنذال.
إن قطر زعموا – أنها “حليف استراتيجي” للولايات المتحدة- على الباطل- الأمريكية، وهي وسيط بن حماس والصهاينة، ولكن ذلك لم ينجها من غدر وخيانة “لا يرقبون في مؤمن إلاّ ولا ذمة”، لأنهم “لا أيمان لهم” كما جاء في القرآن الكريم الذي لا نقرأه إلا لـ”لبركة” وفي المناسبات، لا للاهتداء به وتدبّره وإقامة حياتنا عليه.
وما يمنع هؤلاء الصهاينة من أن يفعلوا بهذه الدول “القابلة للاستخدام” كالإمارات، والمغرب، والبحرين ما فعلوه بقطر رغم ما بينها وبينهم من “مودة” وموالاة؟ وقد صدق من قال عن هذه “
القمة” إنها “قمة الهوان والخذلان”، ذلك لأن أكثر الحاضرين لم يبتغوا “العزة” عند العزيز الجبار، ولكن ابتغوها عند أعداء الله من الصليبيين والصهيونيين. ووالله لن ترفع عنا الذلة والمسكنة حتى نغير ما بأنفسنا فيغير الله ما بنا، فقادة المسلمين اليوم لا يملكون شجاعة قلوب ولا شجاعة عقول، وإنما أكثرهم خشب مسنّدة.
الشروق الجزائرية