طرحت
الأمم المتحدة خارطة طريق سياسية جديدة لمعالجة الأزمة الليبية، وسط استمرار الانقسام بين حكومتين وتعمق الخلافات داخل المؤسسات، وفي محاولة لإعادة إطلاق العملية الانتخابية المتعثرة وكسر حالة الجمود التي تعيشها البلاد منذ سنوات.
وقدّمت بعثة
الأمم المتحدة للدعم في
ليبيا بقيادة المبعوثة الخاصة للأمين العام هانا تيتيه، في
21 آب/أغسطس 2025، خارطة طريق سياسية جديدة تهدف إلى إنهاء الانقسام والجمود عبر
تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية وتوحيد مؤسسات الدولة.
وتستند الخطة إلى ثلاثة
محاور رئيسية: وضع إطار انتخابي تقني وعملي، تشكيل حكومة موحدة، وإطلاق حوار وطني
شامل يضم مختلف مكونات المجتمع الليبي.
وذكرت البعثة
الأممية في بيانها أن المرحلة الأولى تركز على إعادة هيكلة المفوضية الوطنية
العليا للانتخابات وتعزيز قدراتها الفنية والمالية، ثم إصلاح القوانين المنظمة
للعملية الانتخابية لمعالجة الثغرات التي تسببت في تعثر انتخابات 2021.
وأكدت أن
هذه الخطوات يجب أن تنجز قبل تشرين الثاني/نوفمبر المقبل لتمهيد الطريق نحو مرحلة
انتقالية جديدة.
وأوضحت البعثة
أن الخطوة الثانية تتمثل في التوافق على حكومة موحدة قادرة على الإشراف على
الانتخابات وتوفير البيئة المناسبة لإجرائها، إلى جانب تنفيذ إصلاحات في مجالات
الأمن والاقتصاد والحوكمة، وإطلاق مسار مصالحة وطنية واسع النطاق، وأشارت إلى أن
المدة الزمنية المتوقعة للخطة تتراوح بين 12 و18 شهراً، على أن تفضي إلى تنظيم
انتخابات عامة تنهي الانقسام القائم.
مواقف
دولية وإقليمية
من جانبه، رحّب مجلس
الأمن الدولي بالخطة الأممية، وقال في بيان رسمي إن أعضاءه يدعمون بقوة العملية
الجديدة، ودعوا جميع الأطراف الليبية إلى الالتزام بها والعمل بحسن نية على توحيد
المؤسسات وإعادة الاستقرار إلى البلاد.
وأعلن
الاتحاد الإفريقي تأييده للمبادرة، وأكد رئيس مفوضيته في بيان أن الخطة تمثل فرصة
حقيقية لليبيين للتوصل إلى تسوية سلمية، داعياً الفاعلين السياسيين إلى الانخراط
بجدية في الحوار الوطني الذي تقترحه الأمم المتحدة.
من جهتها،
أعلنت الحكومة الليبية المؤقتة برئاسة أسامة حمد دعمها للمبادرة الأممية، وقالت في
بيان إنها مستعدة للانخراط في تفاصيل الخطة مع التشديد على احترام السيادة الوطنية
وعدم التدخل الخارجي في الشأن الليبي.
خطوات
عملية على الأرض
وأكدت المبعوثة
الأممية هانا تيتيه، في إحاطة قدمتها أمام مجلس الأمن، أن المفوضية الوطنية العليا
للانتخابات بدأت بالفعل إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتنسيق مع مجلس النواب والمجلس
الأعلى للدولة عبر لجنة "6+6"، مشيرة إلى أن مشاورات مكثفة تجري حالياً لإصلاح
القوانين الانتخابية وضمان تلافي الأخطاء السابقة.
وقالت تيتيه إن
الوضع الأمني في العاصمة
طرابلس يظل هاجساً كبيراً أمام تنفيذ الخطة، محذرة من أن
استمرار التوترات والاشتباكات بين التشكيلات المسلحة يمكن أن يقوّض العملية
السياسية برمتها.
تحديات
أمنية
وتشهد العاصمة الليبية تحشيدا عسكريا كبيرا وتوترا غير معهود مع محاولة الحكومة بسط نفوذها على مطار معتيقة الذي يسيطر عليه "جهاز الردع"، وسبق ذلك سقوط صواريخ روسية الصنع قرب مقر
البعثة الأممية في منطقة جنزور غربي طرابلس بالتزامن مع تقديم تيتيه تقريرها إلى
مجلس الأمن، دون أن تسفر عن إصابات،
و شهدت العاصمة خلال الأشهر الماضية
اشتباكات عنيفة بين مجموعات مسلحة متنازعة على النفوذ، ما أدى إلى سقوط قتلى
وجرحى، ودفع البعثة الأممية إلى تشكيل لجنة تهدئة مشتركة لحماية المدنيين ووقف
القتال.
هل تنهي الجمود السياسي؟وقال الكاتب والصحفي علي أبو زيد: "أعتقد أن خارطة البعثة الأممية التي أعلنت عنها مؤخرة تمثل خطوة مهمة لتحريك العملية، وقبل أن أتحدث عن فرص نجاحها أو فشلها أظن أنه من المهم أن أشير إلى السياق الذي تم فيه الإعلان عن هذه الخارطة، فهي تأتي في ظل انسداد مطبق للعملية السياسية وحالة عجز يعاني منها مجلسي النواب والدولة في المضي قدما نحو أي توافق بعيداً عن خارطة واضحة يدعمها المجتمع الدولي."
وأضاف أبو زيد في حديث لـ "عربي21": "أن الانقسام في السلطة التنفيذية ووجود حكومتين أدى إلى تعمق الانقسام الذي انسحب ليشمل غالب المؤسسات، وهو ما أنتج حالة من الفساد غير المسبوق، وإلى تغول المجموعات المسلحة شرقا وغربا على المؤسسات ونهب الموارد الوطنية لصالحها وتدخلها بشكل واضح في القرار السياسي."
وتعيش ليبيا
منذ سنوات انقساما سياسيا حاداً بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس برئاسة عبد
الحميد الدبيبة، والحكومة المكلفة من البرلمان في الشرق برئاسة أسامة حماد.
وأكدت
وكالة "فرانس برس" أن هذا الانقسام يعكس ضعف الشرعية المتجددة للأجسام
السياسية، ويهدد أي مسار انتخابي جديد إذا لم تتوفر ضمانات حقيقية للالتزام
بالنتائج، مضيفة أن الصراع على النفوذ داخل الشرق الليبي، بما في ذلك التنافس على
مواقع القوة بين أطراف مرتبطة باللواء المتقاعد خليفة
حفتر وأفراد من عائلته، يمثل
عقبة إضافية أمام أي مسار يوحد مؤسسات الدولة.
اظهار أخبار متعلقة
الشارع
الليبي والقرارات غير الملزمة
ينظر الشارع الليبي بحذر إلى المبادرة الجديدة بعد إخفاق
تجارب سابقة، في حين عبّرت منظمات مجتمع مدني ليبية عن تخوفها من أن تتحول الخطة
إلى مجرد آلية لتقاسم السلطة بين النخب السياسية. وأكد ناشطون حقوقيون أن أي
انتخابات لن تحظى بالقبول إذا لم تُقرن بضمانات أمنية واضحة تضع حداً لهيمنة
التشكيلات المسلحة وتكفل حماية الناخبين والمترشحين على حد سواء.
وأردف أبو زيد قائلا: "ومع تفشي الفساد والنهب الممنهج تواجه ليبيا وضعاً اقتصاديا سيئا دون وجود معالجات حقيقية وناجعة بسبب غياب الاستقرار."
في المقابل، يقول الكاتب والمحلل السياسي الليبي فرج درور، إن خارطة الطريق غير ملزمة، وهو ما أكدته السيدة تتيه أمس، عندما قالت إن البعثة التي ترأسها لا تملك أي سلطة على تغيير شيء في ليبيا، كتغيير الحكومة أو تغيير أي سلطة من سلطات الأمر الواقع، ودور البعثة يقتصر على مساعدة الليبيبن على الخروج من الازمة!
وأضاف في حديث لـ "عربي21"، "وهنا مربط الفرس، فلا يمكن أن تعمل سلطات الأمر الواقع مع البعثة كي تتنحى عن ميزاتها السلطوية عبر الانتخابات، وتتخلى عن نهب المال العام. وبالتالي تعددت العراقيل، فلا قوانين انتخابية عادلة يقبلها الجميع، ولا حريات تتيح للمواطنين التعبير عن إرادتهم عبر صناديق الاقتراع، لا بل وصل الأمر إلى منع الانتخابات البلدية حتى لا يتغير الموالين بآخرين منتخبين من الشعب".
مواقف دولية متباينة
من جانبها أبدت روسيا تحفظاً على بعض تفاصيل الخطة الأممية،
معتبرة أن أي مسار سياسي يجب أن يحظى بقبول جميع الأطراف الليبية دون إقصاء، فيما
شددت القاهرة في بيان لوزارة خارجيتها على ضرورة أن تراعي المبادرة الأممية خصوصية
الوضع الليبي، مؤكدة دعمها لأي حل يقود إلى انتخابات شاملة لكن مع ضمان عدم تهديد
أمن دول الجوار.
وعبرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن دعمهما لخارطة الطريق الأممية، حيث شدد المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند على أن "الانتخابات هي السبيل الوحيد لإنهاء الانقسام وإعادة الشرعية للمؤسسات"،
وأكدت بعثة الاتحاد الأوروبي أن بروكسل ستواصل تقديم الدعم الفني والمالي للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات لضمان شفافية ونزاهة العملية المقبلة.
وعن المواقف الدولية يقول درور، إن "المجتمع الدولي منقسم حول دعم سلطات الأمر الواقع، كل وفق ارتباطاته ومصالحه، ولهذا السبب غاب الضغط على المعرقلين، لا بل بعض الدول دافعت عن جرائم الطرف الذي تدعمه، ومنعت تسجيل اي عقوباته ضده".
وختم قائلا، "في اعتقادي أن الانسداد مستمر، لان سلوك سلطات الأمر الواقع مستمرة في تصعيد التأزيم، وليس لديها رغبة في التعاون مع البعثة".
اظهار أخبار متعلقة
سيناريوهات
محتملة
وحول مآلات المشهد الراهنة أوضح أبو زيد: "ما يميز هذه الخارطة أنها نتيجة لحوار موسع ومبنية على مخرجات اللجنة الاستشارية المعنية بتحديد متطلبات الوصول لإجراء انتخابات عامة، كما أن الخارطة قدمت تنفيذ المتطلبات الأساسية للعملية الانتخابية وجعلته شرطا لتشكيل حكومة، ما سيسرع عملية الإنجاز، إضافة لوجود حوار مهيكل سيخرج بتوصيات تعالج القضايا الوطنية الشائكة".
وختم بالقول: "ورغم ما تحمله الخارطة من أمل في إحداث تغيير إيجابي على المشهد الليبي، فإن نجاحها سيظل مرهونا بمدى جدية والتزام المجتمع الدولي بدعم هذا المسار ومعاقبة المعرقلين، وإن لم تنجح بشكل تام في إنهاء الصراع الليبي، فإن المأمول أن تنجح في إعادة تشكيل المشهد السياسي بما يكسر حالة الجمود والانسداد فيه."