ملفات وتقارير

بالتزامن مع حريق بالقاهرة.. السيسي يوقع عقد تأمين للمحطة النووية بين الانتقادات والمخاوف

اجتماع السيسي بمسؤولين روس كبار خلال توقيع العقد- رئاسة الجمهورية
اجتماع السيسي بمسؤولين روس كبار خلال توقيع العقد- رئاسة الجمهورية
وقّع رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، الاثنين الماضي، في مدينة العلمين، على اتفاق مصري روسي بشأن نظم حماية محطة الضبعة النووية، التي تنفذها موسكو كأول محطة طاقة نووية مصرية، بتكلفة 28.75 مليار دولار، وبتمويل عبر قرض روسي بـ25 مليار دولار.

التوقيع الرسمي، على اتفاق نظم الحماية للمحطة النووية المثيرة للمخاوف، جاء متزامنا مع حريق سنترال رمسيس، وسط القاهرة، والذي كشف عن أزمة كبيرة بأنظمة الحماية المدنية للموقع الأهم في مجالات الاتصالات والانترنت بالبلاد.

ووسط اتهامات خبراء للحكومة بالفشل الإداري وتردي مرافق الأمان وعجز الحماية المدينة، أعاد مصريون الحديث عن مخاوفهم بشأن تأمين محطة الضبعة النووية مستقبلا، رغم ما تعلنه البيانات الرسمية المصرية الروسية حول قدرات ووسائل تأمين المحطة.




ويأتي اجتماع السيسي، بمسؤولين روس كبار خلال توقيع العقد، بعد نحو أسبوعين من قرار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، 24 حزيران/ يونيو الماضي، بأن يكون سداد مصر لقرض مشروع محطة الضبعة بالروبل الروسي، وليس بالدولار، في خبر أثار خلافا بين اقتصاديين حول فوائده من ناحية وصعوبة تنفيذه ومن ناحية أخرى.

كما جدد خبر توقيع اتفاق تأمين المحطة النووية، تساؤلات سابقة عن إصرار السيسي على استكمال مشروع يواجه انتقادات خبراء وسياسيين، خاصة في ظل تفاقم حجم الديون الخارجية للبلاد التي ارتفعت في آذار/ مارس الماضي لأكثر من 156.7 مليار دولار، وحلول آجال الكثير من الأقساط، مع ارتفاع خدمة الدين الخارجي لـ24.6 مليار دولار بنهاية 2026.

"وضع مهترئ ومخترق"
حول أسباب إصرار السيسي على استكمال مشروع الضبعة النووي في ظل أوضاع إدارية وأمنية متردية، وضغوط مالية على اقتصاد البلاد بفعل القروض والديون، تحدث الخبير الاقتصادي المصري، مصطفى يوسف لـ"عربي21".

وقال يوسف إنّ: "وقائع حريق رمسيس تنم على أن مصر في جانب الحماية المدنية ونظم السلامة والأمن القومي الحقيقي وأمن الناس في وضع مهترئ ومخترق"، موضحا أنه لا يوجد لدينا غير الأمن السياسي فقط".

الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية والعلاقات الدولية، أشار ثانيا، إلى ضرورة مراجعة أمر "محطة الطاقة النووية في ظل هذا الوضع المهترئ أمنيا، وفي ظل ديون خارجية تعدت 156.7 مليار دولار، وأكثر من 12 تريليون جنيه تقريبا ديون داخلية (أكثر من 200 مليار دولار)، بإجمالي ديون خارجية وداخلية وخدمتهما يقترب من 400 مليار دولار".

ويعتقد أن "إصرار السيسي على الاستمرار في المشروع في ظل هذا الوضع هو لمد علاقات سياسية مع الروس"، ملمّحا كذلك إلى احتمال "وجود شبهات فساد مالي، وأمور أخرى كثيرة".

ويتفق محللون مع رؤية يوسف من أن المشروع قد يحمل أبعادا سياسية تتجاوز حاجة مصر للطاقة، ويعتبرون أنه في بدايته كان محاولة من السلطات المصرية للتودد إلى روسيا، وتوثيق العلاقات مع موسكو لتكون البديل عن واشنطن وقت الحاجة.

وفي جانب آخر، يرى يوسف أن "مسألة سداد قرض المحطة النووية بالروبل الروسي جاءت بتشجيع روسي"، مبينا أنهم "يدركون أن مصر ليس لديها أموال كافية بالدولار لسداد أقساط وفوائد قرض المحطة النووية (25 مليار دولار)".

وتساءل: "من أين ستحصل القاهرة على أموال بالروبل الروسي لسداد القرض؟، هل من دخل السياحة الروسية؟"، مبينا أننا "لا نصدر لموسكو إلا بأرقام ضعيفة، ولكي تحصل على العملة الروسية، لابد أن يكون لديك تجارة معها، والميزان التجاري لصالح روسيا، وأنت مديون لها بديون بهذا الحجم، فلا حل إلا أنه يشتري منك بعض الأصول".

وختم يوسف، حديثه واصفا الوضع القائم بأنه "بائس"، مشيرا إلى "الاخفاق في ملف حريق رمسيس، والعجز عن تقديم الحماية المدينة اللازمة، والفشل الإداري في التعامل مع الأزمات، والفشل في إدارة ملف الديون، والفشل في ملف التنمية، والإنفاق".

اظهار أخبار متعلقة


"الضبعة النووية في أرقام"
تتكون المحطة من أربع وحدات طاقة نووية، كل وحدة تبلغ قدرتها 1200 ميجاوات، ما يجعل القدرة الإجمالية المتوقعة 4800 ميجاوات، وذلك بعد تزويد المحطة بمفاعلات روسية من طراز( VVER-1200 ASE-2006)، وهي مفاعلات ماء مضغوط من الجيل الثالث المُطور، بقيمة مالية تقدر بحوالي 28.75 مليار دولار.

المحطة التي تقع بمنطقة الضبعة بمحافظة مطروح، على ساحل البحر المتوسط، على بعد 300 كيلومتر شمال غرب القاهرة، جرى توقيع اتفاق تدشينها 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، ليدخل حيز التنفيذ في 11 كانون الأول/ ديسمبر 2017، ليجري صب 4 مراحل من المشروع أعوام 2022، و2023، و2024.

تشير التوقعات إلى بدء التشغيل التجريبي للمفاعل النووي الأول بالنصف الثاني من 2027، والوصول للإنتاج الكامل عام 2030.

"سيكولوجية المصريين وبروتوكولات الأمان"
في قراءته لواقعة إطفاء حريق سنترال رمسيس وضعف منظومة الدفاع المدني في التعامل مع الحريق، وما قد يحدث من أخطار حال وقوع أخطاء بمفاعل الضبعة النووي، حدد الباحث في مجال الفيزياء بالكلية العسكرية الملكية الكندية، محمد صلاح حسين، مخاوفه في "سيكولوجية العاملين وتعاملهم مع بروتوكولات الأمان".

وقال حسين، لـ"عربي21"، إنّ: "درجة الأمان في مجال الصناعات النووية حاليا الأكبر في العالم، وتم هذا الأمر من قبل حادث مفاعل تشرنوبل 1986 وبعده، بتغيير جميع موازين تأمين تلك الصناعات، وبالتالي فإن نسبة الخطأ غير موجودة والتأمين يصل إلى مرحلة أمان تمنع وقوع أي كارثة نووية".

ومن واقع دراسته لتحليل المخاطر وإدارة وتأمين الجودة، استدرك متسائلا: "هل العاملين في الضبعة سيكون لديها حس أكثر بموضوع الأمان النووي؟"، مؤكدا على ضرورة "الالتزام ببروتوكولات الأمان المقررة كاملة وفي أدق التفاصيل، ولا يتم استثناء أحد أيا كان منصبه أو عمله من تطبيق تلك البروتوكولات عليه".

وأعرب عن مخاوفه "من أن تكون هناك مشكلة في سيكولوجية بعض العاملين المصريين داخل المحطة مع بروتوكولات الأمان، وليس في بروتوكولات الأمان ذاتها"، ملمحا إلى مخاوفه من "استثناء البعض من تطبيق تلك البروتوكولات عليه، أثناء الدخول والخروج من المحطة ما قد يتسبب في وجود مواد مشعة أو تراب نووي على جسد أو ملابس البعض".

حسين، شدد على "ضرورة وجود رقابة ذاتية ومراقبة لحظية فوق تلك الرقابة من آخرين بأحدث وسائل التكنولوجيا، ومنح المسؤول عن الرقابة ولو كان بدرجة عامل سلطة منع مدير مسؤول، ومن ثم عقاب من يخالف تلك البروتوكولات".

ومضى يؤكد أن "سنترال رمسيس، كان به صفر تحليل مخاطر"، مبينا أنه "مع وجود حريق في حجرة كان يجب عزلها عن باقي الحجرات بوسائل الأمان المعروفة، ولا يجب ترك الحريق يطال حجرات أخرى، وبينما انتشر في باقي المبنى لم يتم استخدام الطائرات للإطفاء وبعضها تلقي كرة من ثاني أكسيد الكربون على الحريق تنفجر فينطفئ الحريق".

"أزمة حادة مع الروبل"
أثار إعلان الرئيس الروسي، قبول بلاده سداد مصر قرض محطة الضبعة النووية بالعملة الروسية انتقاد خبراء بينهم الاقتصادي إبراهيم نوار، الذي قال إن "مصر في طريقها، إذا استمرت السياسة الاقتصادية غير المسؤولة الحالية، لمواجهة أزمة حادة مع الروبل".

وفي مقال له بجريدة "الأهالي"، المحلية، أوضح أنه "مع بدء تشغيل المرحلة الأولى من محطة الضبعة سوف تصبح روسيا أكبر دولة دائنة لمصر"، متوقعا أن "يضيف اتفاق استخدام الروبل لتسوية المعاملات المالية، تشوها جديدا للتشوهات الحالية في نظام المدفوعات المصري للمعاملات المالية، الذي يعاني أزمة سيولة دولارية".

وأشار إلى أنّ: "ذلك يتطلب حيازة البنك المركزي المصري لمخزون من العملة الروسية، يكفي لتمويل سداد الدين"، ملمحا إلى ضرورة وجود "فوائض من إيرادات الصادرات والسياحة"، مؤكدا على صعوبة ذلك كون مصر تستورد بما قيمته 10 أمثال ما تصدره لروسيا.

اظهار أخبار متعلقة


"تباين شديد"
القرض الروسي المقدر بـ25 مليار دولار، ويمول 85 بالمئة من تكلفة بناء مشروع الضبعة للطاقة النووية؛ يستحق السداد بفائدة سنوية 3 بالمئة على دفعات اعتبارا من بدء تشغيل المحطة في 2030، وعلى مدى 22 عاما بواقع قسطين كل عام، يقابله تفوق واضح في الميزان التجاري لصالح روسيا، إذ وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 6.6 مليار دولار في 2024.

وفي تباين شديد؛ بلغت قيمة الصادرات المصرية إلى روسيا 607 ملايين دولار خلال عام 2024، وبلغت قيمة الواردات المصرية من روسيا 6 مليارات دولار خلال العام، أكثر من نصفها في استيراد الأقماح الروسية حبوب (3.1 مليار دولار).

ووفق حسابات الخبير المصري  إبراهيم نوار، فإن "قيمة القرض بالفوائد حتى نهاية فترة السداد تصل إلى 41.5 مليار دولار، مقسومة على 22 عاما هي مدة السداد فإن مصر مطالبة بدفع 1.886 مليار دولار سنويا.

"البداية.. وانتقادات ومخاوف"
الحكومة المصرية في عهد حسني مبارك، أطلقت فكرة المحطة النووية بالضبعة، عام 2007، وسط اعتراضات أهالي المنطقة على نزع أراضيهم، لكنه عقب ثورة يناير 2011، تم إرجاء المشروع، وحاول الأهالي استعادة أراضيهم لزراعتها ما أدى لوقوع اشتباكات مع قوات الجيش في كانون الثاني/ يناير 2012.

حكومة السيسي، وفي ظل أزمة طاقة وكهرباء حادة ضرب البلاد، أعادت الترويج لمشروع الضبعة النووي كخطوة لتنويع مصادر الطاقة وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء.

إلا أن المشروع ورغم دخوله مراحل جادة من التنفيذ يواجه انتقادات ومخاوف أثارها خبراء ومحللون، أهمها عن "التكلفة الباهظة والجدوى الاقتصادية"، ملمحين إلى أن 28.75 مليار دولار مبلغ ضخم يمثل عبئا على اقتصاد يواجه أزمات بنيوية وهيكلية حادة.

ويشير البعض إلى أن "مصر لديها بالفعل فائض بإنتاج الكهرباء يقدر بنحو 20 بالمئة، وتمد عدة دول عربية بها عبر شبكات ربط مع السعودية والأردن لبنان وغيرها، ملمحين إلى تدشين شركة سيمنز الألمانية 3 محطات كهرباء عملاقة، ما يجعل الحاجة غير ملحة لمشروع نووي بهذه التكلفة بينما هناك بدائل أقل تكلفة".

ولفت البعض إلى أنّ: "قرض تمويل المحطة البالغ 25.75 مليار دولار يقترب من قيمة ما حصلت عليه مصر إجمالا من صندوق النقد الدولي بقيمة 27.97 مليار دولار عبر 4 اتفاقيات من عام 2016، وحتى 2026، وبفوائد أقل".

ويُعرب مصريون عن مخاوفهم من حدوث مخاطر بيئية في ظل وضع مصر المتردي في ملف السلامة والحماية المدنية، خاصة فيما يتعلق بنواتج المحطة من نفايات نووية يتطلب التخلص الآمن منها تقنيات معقدة ومكلفة، مشيرين إلى مخاوف سابقة كانت سببا في تأجير فكرة طرح المشروع عام 1986 بعد كارثة مفاعل تشيرنوبيل.

يتخوفون أيضا من وقوع حوادث نووية مثلما حدث في تشرنوبل الروسي 1986، وفوكوشيما الياباني 2011، أو استهداف المحطة عبر أعمال عدائية، وما يتبع ذلك من تسرب إشعاعي يؤثر على البيئة والمياه الجوفية والتربة، قد يمتد إلى الدلتا والقاهرة، حيث النسبة الأعظم من السكان البالغين في الداخل (107 ملايين نسمة).

وفي المقابل، تؤكد هيئة المحطات النووية المصرية أن الضبعة مصممة بأعلى معايير الأمان عبر مفاعلات الجيل الثالث المطور VVER-1200، وأنها تحوي أنظمة حماية متعددة، مثل مصيدة قلب المفاعل والغلاف الواقي المزدوج.

اظهار أخبار متعلقة


ويرى البعض، أن المشروع يعيد مصر إلى السيطرة التكنولوجية الروسية التي عانت منها في ستينيات القرن الماضي في تسليح وتدريب الجيش المصري، خاصة مع الحاجة إلى خبراء وفنيين روس لتشغيل المفاعل وتدريب الفنيين المصريين.

وفي السياق، وبينما تركز الحكومة المصرية الكثير من استثماراتها في الساحل الشمالي الغربي ببناء مدينة العلمين، وتواصل طرح الأراضي الاستراتيجية للمستثمرين العرب وبينها "رأس الحكمة" للإمارات شباط/ فبراير 2024، يتخوف البعض من تأثير محطة الضبعة على مستقبل منطقة واعدة سياحيا واقتصاديا.

وتقع مدينة العلمين الجديدة شرق محطة الضبعة بحوالي 50 كيلومترا، ما يرفع احتمالات وصول أي تسرب إشعاعي لكامل الساحل الشمالي، ما يؤثر على الجاذبية السياحية للمنطقة، خاصة وأن اتجاهات الرياح السائدة تكون (شمالية غربية).


التعليقات (0)

خبر عاجل