ملفات وتقارير

محامو قضيتي "تيران وصنافير" وعزل وزير التعليم يشكون من تضييق قضائي ومخالفات قانونية

التضييق يهدف لمنع المحامين من استكمال دعواتهم- جيتي
التضييق يهدف لمنع المحامين من استكمال دعواتهم- جيتي
تتواصل قيود السلطات الأمنية والقضائية المصرية على العدالة في بلد كان قدماؤه أول من وضعوا علوم القانون والقضاء وأسسوا أول محكمة في التاريخ بنظام تقاضي منظم، وفق تقرير نقابة المحامين المصريين في أيلول/ سبتمبر 2020.

واشتكى مقيمو دعوتي مصرية جزيرتي "تيران وصنافير"، وعزل وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف، من تضييق قضائي وإجراءات إدارية داخل المحاكم المصرية تعوقهم عن استكمال الدعويين، والاطلاع على مجرياتهما.

الواقعة الأولى:
المحامي علي أيوب، أقام و57 محام آخرين، دعوى طعن على قرار رئيس الجمهورية (رقم 607 لسنة 2016) وقرار وزير الخارجية (رقم 26 لسنة 2017)، بالموافقة على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية القاضية بتنازل مصر عن الجزيرتين الاستراتيجيتين في المدخل الجنوبي لخليج العقبة، للسعودية، وما يترتب عن ذلك من مخاطر على الأمن القومي المصري.

محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة قررت تأجيل نظر الدعوى لورود تقرير هيئة مفوضى الدولة، إلى يوم 21 حزيران/ يونيو الجاري، رغم تنويه هيئة الدفاع للمحكمة بأنه هذا اليوم هو موعد إنعقاد الجمعية العمومية غير العادية لنقابة المحامين، وفق قول أيوب، الذي كشف أيضا عن جانب آخر من التضييق، مبينا أنهم لم يتمكنوا من الاطلاع على تقرير هيئة مفوضى الدولة لكي يستعدوا للمرافعة والرد والتعقيب.

وقال عبر صفحته بـ"فيسبوك" الخميس الماضي، إنهم "فوجئوا برفض تصوير التقرير من سكرتير الجلسة الذي أبلغهم أن هذه تعليمات رئيس الدائرة، وأن التقرير مقفول عليه وممنوع تصويره".

ويدفع مقيمو الدعوى بعدم دستورية القرارين الصادرين من رئيس الجمهورية ووزير الخارجية، وعدم دستورية الحكمين الصادرين من المحكمة الدستورية العليا في آذار/ مارس 2018، لمخالفتهما نص (المادة 151) من الدستور المصري.

وقررت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة بالرحاب الدائرة الأولى حقوق وحريات تأجيل نظر الدعوى لجلسة 28 حزيران/ يونيو الجاري لاتخاذ القرار.



الواقعة الثانية:
أقام المحامي المصري مجدي حمدان، وآخرون دعوى أمام محكمة القضاء الإداري للمطالبة بعزل وزير التعليم المصري المعين في 3 تموز/ يوليو 2024، محمد عبداللطيف،بعدما أثير إعلاميا حول تزوير شهادته الجامعية وشهادته للدكتوراة من الخارج.

وقال حمدان، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، السبت: "في سابقة تعد الأولى من نوعها؛ قررت محكمة القضاء الإداري حجز دعوى عزل وزير التعليم للحكم لجلسة 28 حزيران/ يونيو الجاري، دون تمكين هيئة الدفاع من الاطلاع على تقرير المفوضين، والرد عليه".

وأضاف: "ودون التصريح للدفاع باستخراج المستندات التي تثبت صحة ادعاء المدعين (بناءا على طلب المحكمة) بعد ما تم التقدم بالطلبات على مدار جلستين متتاليتين".

ويطالب المدعون بـ"تقديم ما يثبت حصول الوزير على بكالوريوس السياحة والفنادق من جامعة حلوان بالقاهرة، والكشف عن المخاطبة التي تمت بين الدولة المصرية وجامعة لورانس الوهمية، وإطلاع الشعب المصري على الشهادة المزورة، وأن تقدم الدولة ما يثبت أن الوزير لا يوجد عليه 12 حكما قضائيا".

ووصف المحامي المصري، عدم تمكين هيئة الدفاع من الاطلاع على تقرير المفوضين بأنه "إخلال جسيم بحق الدفاع يترتب عليه بطلان الحكم الصادر في الدعوى".

وعلق بقوله: "أخشى أن نستيقظ يوما لنجد الأحكام القضائية تسبق التقدم بالدعى"، مؤكدا أنه إزاء تلك المخالفات "قام بتقديم شكوى لرئيس محكمة القضاء الإداري ضد قضاة المحكمة مع طلب رد المحكمة، وإعادة نظر الدعوى أمام دائرة أخرى".



وتواصلت "عربي21"، مع بعض مقيمي الدعوتين لمعرفة آخر التطورات وخطواتهم المحتملة ردا على التضييق على هيئات الدفاع، فضل اثنين منهما عدم الحديث، للإعلام مؤكدين أن القضاة في الدعوتين لفتوا إلى تناول الإعلام للقضيتين، فيما تخوف آخر من الحديث "حتى لا يتم توجيه له تهمة إهانة القضاء، وغيرها من التهم المجهزة سلفا"، وفق قوله.



ومنذ الانقلاب العسكري الذي ضرب أكبر بلد عربي سكانا منتصف العام 2013، وتشهد البلاد انتهاكات واسعة ومخالفات قانونية ودستورية بحق المصريين ومن بينهم المحامين، أحد جناحي العدالة التي تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وسيادة القانون وكفالة حق الدفاع، وفقا لنص المادة (198) من الدستور.

اظهار أخبار متعلقة



فساد مالي وابتزاز المعتقلين
وفي سياق القيود القضائية على المتقاضين والمعتقلين السياسيين؛ كشفت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" عن واقعة أخرى تبعتها جريمة فساد مالي بأروقة القضاء والنيابة العامة ووقائع ابتزاز بحق أسر المعتقلين، بمكتب المحامي العام بالزقازيق بمحافظة الشرقية.

القصة تبدأ بقرار رئيس النيابة الكلية، بالزقازين المستشار عمرو الباز، منذ أسابيع، "وقف نظر طلبات استئناف الحبس في قضايا المعتقلين السياسيين، دون إعلان رسمي أو توضيح للأسباب، وذلك بالمخالفة لنص (المادة 166) من قانون الإجراءات الجنائية"، بحسب رصد الشيكة الحقوقية العاملة من العاصمة البريطانية لندن.

وأكدت أن "ذلك الوضع استغله بشكل غير قانوني اثنين من موظفي سكرتارية النيابة حيث عقدا اتفاقا غير مشروع مع محام، يتم بموجبه تقديم طلبات استئناف الحبس وتوقيعها من قبل رئيس نيابة غير مختص".

وهو ما صنفته الشبكة بـ"جريمة تزوير في مستندات رسمية، وتعديا على الاختصاص القضائي، وذلك وفقا لنص (المادة 211) من قانون العقوبات".

وترى المنظمة أن "الأخطر من ذلك، أن هذا الإجراء تحول إلى وسيلة لابتزاز مالي منظم"، مبينة أنه "يُفرض على أهالي المعتقلين مبالغ طائلة تصل إلى عشرات الآلاف من الجنيهات مقابل تقديم الاستئناف، مستغلين معاناة الأسر ورغبتهم في الإفراج عن ذويهم".


تضييق ممنهج على العدالة
الباحث الحقوقي بالشبكة المصرية لحقوق الإنسان، خالد سليم، تحدث إلى "عربي21"، عن مخالفة إيقاف نظر طلبات استئناف الحبس للمعتقلين، مؤكدا أنه يمكن اعتبارها ضمن "إجراءات التضييق الممنهج على العدالة"، التي تكشف عن تعنت السلطات مع المعتقلين وأدت إلى وقوع عمليات الفساد المالي في النيابات والمحاكم، وتعرض أسر  المعتقلين المنهكين ماليا ونفسيا، للابتزاز.

وقال إن "حرمان المتهم من حقه القانوني في الاستئناف أمام المحكمة المختصة يُفرغ الحبس الاحتياطي من مضمونه القانوني كإجراء استثنائي مؤقت، ويحوّله إلى أداة للعقاب خارج الرقابة القضائية".

وأكد أن "هذا التعطيل يمثل: انتهاكا للدستور المصري (المادة 54)، وإخلالا بالتزامات مصر الدولية وفق العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (المادة 9)، وتعطيلا لحق أصيل في التقاضي والطعن على قرارات تمس حرية الإنسان".

وأوضح أن "توقف النيابة الكلية عن نظر هذه الاستئنافات دون مسوّغ قانوني أو توجيه قضائي، يُعد انحرافا في استعمال السلطة وتعطيلا متعمدا لآليات العدالة، ويضر بشكل مباشر بالمحبوسين وأسرهم".

سوق سوداء للعدالة
وأشار الباحث الحقوقي ثانيا، إلى أن هذا الإجراء يؤكد وقوع جرائم مثل: "الاستغلال الإداري والابتزاز المالي لأهالي المعتقلين".

وبين أنه "كما كشفت الشبكة فإن هذا الوضع الاستثنائي أفسح المجال لوقائع فساد إداري وابتزاز مالي ممنهج، حيث تورّط اثنان من موظفي السكرتارية داخل النيابة في عقد اتفاق غير مشروع مع محام بعينه، يُسمح بموجبه بتمرير بعض طلبات الاستئناف عبر توقيع غير مختص".

وخلص إلى توصيف هذا التصرف بأنه "يُعد جريمة رشوة واستغلال نفوذ بحسب المادة (103 مكرر) من قانون العقوبات".

وكشف سليم، عن "تأكيد الأهالي دفع مبالغ مالية ضخمة – وصلت إلى عشرات الآلاف من الجنيهات – مقابل السماح بتقديم استئناف الحبس، رغم أن القانون المصري لا يشترط وجود محام لهذا الإجراء، بل يجيز تقديمه من قبل المحبوس نفسه أو أحد أقاربه أو ذي صفة قانونية".

ومضى يؤكد أنه "نتيجة لهذا التعنت أصبح هناك سوق سوداء للعدالة"، مبينا أن "النتيجة المباشرة لهذا الوضع تتمثل في: تحويل حق التقاضي إلى امتياز يُباع ويُشترى، وحرمان الأسر من مسار العدالة دون مبرر قانوني، وتغذية منظومة فساد داخل مؤسسات يفترض فيها تطبيق العدالة".

وختم بالقول إن "هذا يعكس تراجعا خطيرا في الضمانات القانونية للمحبوسين، ويقوّض ثقة المواطنين في أجهزة العدالة، ويكرّس لممارسات التمييز والابتزاز داخل المؤسسة القضائية".

اظهار أخبار متعلقة



بحر متلاطم من الظلم
وفي تعليقه على الوقائع الثلاثة، قال السياسي والمحامي المصري ممدوح إسماعيل، إن "الواقع في مصر يقول إنه لا يوجد قانون يتم تطبيقه إلا إذا وافق هوى الحاكم؛ فإذا ما خالف هوى الحاكم أو المناط به تطبيق القانون يعلم ذلك لا يطبقه، وهو يعلم أن ذلك ما يريده الحاكم فلا يقلق من أي إجراء ضده".

عضو مجلس الشعب المصري سابقا، وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "هذا يدل على فساد كبير في القضاء، ويؤكد أنه مسيس، ويكشف أن علاقة القضاء بالقانون هي تنفيذ ما يريده الحاكم فقط".

ولفت إسماعيل، إلى أن "ذلك كان يتم خلال حكم حسني مبارك (1981- 2011)، لكن كان يوجد قضاة حريصون على تطبيق القانون فيمنعون ذلك التفلت من القانون، لكن اليوم قضاة القانون يطبقون ما يريده السيسي".

وعن واقعة ابتزاز أسر المعتقلين، قال المحامي بالنقض: "تلك مافيا معلومة انتشرت مع الانقلاب (منتصف 2013) بصورة رهيبة"، مبينا أنهم "يستغلون حالة أهالي المعتقلين، وضياع الرقيب، والإرهاب الذي يتم ضد المعتقلين وأهاليهم".

وختم مؤكدا أن "الكلام منتشر جدا في مصر؛ ويشمل قضاة وضباطا، وغيرهم، فمصر ضاعت فيها كل موازين العدالة، وتغرق في بحر متلاطم من الظلم".

إخلال بمبادئ دستورية
أحد المحامين الداعمين لدعوتي "تيران وصنافير"، و"إقالة وزير التعليم" –فضل عدم ذكر اسمه- قال لـ"عربي21"، إن "هذه موضوعات فيها إخلال بمبادئ دستورية تكفل عدم الإخلال بحق الدفاع بتمكينه من الإطلاع والتصوير والمناقشة والطعن في صحة وشرعية ما يقدم وصولا لوجه الحق في الدعوى".

وفي ملف ابتزاز أسر المعتقلين، أشار إلى أن إحدى أسباب وضع المعتقلين المذري هو ملف "الحبس الاحتياطي"، مؤكدا أنه "إجراء مؤقت بطبيعته وكان له سابقا حد لا يتعداه وهو 6 أشهر؛ لكنه في هذه الحقبة تحول إلى عقوبة بلا جريرة حيث أصبح مفتوح المدة وبلا حد".

اظهار أخبار متعلقة



خضوع مهين
وتُوجه المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية اتهامات للقضاء المصري بالخضوع للسلطة التنفيذية "ما يقوض استقلاله ونزاهة المحاكمات"، خاصة مع مواصلة تنفيذ توجيهات جهاز الأمن الوطني، الذي يقود حملة أمنية منذ 12 عاما نتج عنها اعتقال أكثر من 60 ألف مصري، أغلبهم من المؤيدين للرئيس الراحل محمد مرسي.

ونتيجة لما قامت به السلطات من تعديلات تشريعية جرى تمريرها عبر مجلس النواب بدورتيه (2015- 2020) و(2020- 2025)، تُتهم السلطات المصرية بسن قوانين وتعديل أخرى تمنح السلطة التنفيذية (خاصة رئيس النظام) صلاحيات واسعة في تعيين رؤساء الهيئات القضائية والنائب العام، والإشراف على عمل القضاة، مما يخل بمبدأ الفصل بين السلطات.

ويؤكد سياسيون معارضون مصريين على أن "إجراءات وقرارات ترقية القضاة وتعيينهم تخضع لأوامر أمنية تقوم على الاعتبارات الأمنية والسياسية بدلا من الكفاءة والنزاهة فقط، ما قوض ما حققته (جبهة استقلال القضاء) من مكاسب".

وعلى الجانب الآخر، تنتقد المنظمات استخدام السلطات والجهات القضائية لقوانين مكافحة الإرهاب لمحاكمة أكثر من 100 ألف معارض مصري في قضايا جماعية تفتقر إلى ضمانات المحاكمة العادلة، واصفة إياها بأنها "أداة للقمع السياسي".

وفي تقرير صادر عن "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" كانون الثاني/ يناير 2025، يؤكد أن "القضاء المصري أصبح أداة رئيسية لمعاقبة المدافعين عن حقوق الإنسان، بينما تعمل السلطات القضائية بشكل روتيني على ضمان الإفلات من العقاب على الجرائم التي ترتكبها قوات الأمن بحق المدافعين عن حقوق الإنسان".

وأصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، تقارير عدة توثق انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، منها ما يتعلق باستقلال القضاء، كما تناولت تقارير "منظمة العفو الدولية" "غياب المحاكمات العادلة"، بجانب ما أصدره خبراء الأمم المتحدة المستقلون من بيانات وتوصيات تعرب عن قلقهم "بشأن استقلال القضاء في مصر وممارساته".

وقدم "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، العديد من التحليلات النقدية لأداء القضاء، فيما تصدر الجبهة المصرية لحقوق الإنسان تقارير دورية عن "أوضاع المعتقلين والقضاء العسكري".
التعليقات (0)

خبر عاجل