ملفات وتقارير

الجزائر ترد على باريس: لا عفو عن صنصال.. والسيادة ليست محل تفاوض

وكالة الأنباء الجزائرية: قضية صنصال شأن جزائري بحت، ولن تغير الأوامر الباريسية من الأمر شيئاً... فحتى أقذر لعاب بولوري لن يلطخ بياض الجزائر.
وكالة الأنباء الجزائرية: قضية صنصال شأن جزائري بحت، ولن تغير الأوامر الباريسية من الأمر شيئاً... فحتى أقذر لعاب بولوري لن يلطخ بياض الجزائر.
أكدت الجزائر، في موقف رسمي لا لبس فيه، رفضها المطلق إدراج الكاتب بوعلام صنصال ضمن قائمة المستفيدين من العفو الرئاسي الصادر بمناسبة عيد الاستقلال، في خطوة أربكت حسابات باريس وأحبطت الآمال غير المعلنة لدوائر فرنسية راهنت على إقحام الجزائر في سجال حول حرية التعبير وحقوق الإنسان.

الرسالة الجزائرية جاءت حادة ومباشرة عبر مقال نشرته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية تحت عنوان لافت: "بياض الجزائر الناصع لن يتلطخ أبدا باللعاب البولوري"، رداً على الحملة الإعلامية الفرنسية التي انفجرت بعد تجاهل السلطات الجزائرية إطلاق سراح صنصال، الذي حُكم عليه في قضية تمس بالوحدة الوطنية، وهي بحسب الجزائر، "خط أحمر لا تهاون فيه لأي دولة ذات سيادة".

المقال اتهم صراحة الأبواق الإعلامية التابعة لمجمع "بولوري" الفرنسي، والمرتبطة باليمين المتطرف، بإطلاق حملة تضليل وكراهية ضد الجزائر، مستغلة قضية صنصال كذريعة لإحياء خطاب استعماري قديم لم يُدفن بعد.

وجاء في المقال أن هؤلاء "لا يدافعون عن صنصال بقدر ما يسعون لإشعال حرب ذاكرة جديدة، وتحويل الأنظار عن أزماتهم الداخلية التي تعصف بفرنسا".

صنصال ليس رهينة.. بل مدان في قضية سيادية

الجزائر حرصت على التوضيح بأن بوعلام صنصال لم يُعتقل بسبب رأي أو انتماء، بل بعد محاكمة قانونية تتعلق بقضية تمس الوحدة الوطنية، وهو ما يجعل ملفه قضية داخلية بامتياز. وفي لهجة حازمة، تساءلت الوكالة: "أين فرنسا من كل هذا؟ لا وجود لها، إلا من خلال موقف استعلائي استعماري جديد"، معتبرة أن التهويل الفرنسي يكشف نوايا قديمة/جديدة للتدخل في شؤون الجزائر تحت غطاء حقوق الإنسان.

التقرير الجزائري أشار إلى أن هذه الهجمة ليست معزولة، بل تأتي ضمن مخطط واضح لإحياء العداء القديم تجاه الجزائر، عبر "تدوير نفس الخطاب الاستعماري وابتكار فزاعات جديدة" لتأليب الرأي العام الفرنسي على الجزائر. وسلط الضوء على تصريحات مثيرة للجدل أطلقها كاتب فرنسي يُدعى باسكال بروكنر، دعا فيها صراحة على قناة "فيغارو" إلى "اختطاف دبلوماسيين جزائريين"، واصفًا الشعب الجزائري بأنه "فاقد للعقل" — ما أعاد للأذهان، حسب المقال، "روائح السبعينيات الكريهة"، عندما كان الجزائريون ضحايا للكراهية المنظمة في مدن فرنسية مثل مرسيليا.

واختُتم التقرير برسالة حاسمة تؤكد أن الجزائر لن تخضع لابتزاز إعلامي أو ضغط دبلوماسي من أي طرف، وأن قضاياها السيادية لا تُناقش في بلاتوهات باريس، ولا تُحل بقرارات فرنسية مهما علا صراخ "كلاب الحراسة"، بحسب التعبير الحرفي المستخدم في النص الرسمي.

وجاء في الختام: "قضية صنصال شأن جزائري بحت، ولن تغير الأوامر الباريسية من الأمر شيئاً... فحتى أقذر لعاب بولوري لن يلطخ بياض الجزائر. فالتاريخ قال كلمته: زمن الاستعمار قد ولى، ولن نركع لماضٍ هم وحدهم من يحاول بعثه لإشباع أحقادهم."



والأسبوع الماضي أيدت محكمة جزائرية، حكما بالسجن 5 سنوات بحق الكاتب الحاصل على الجنسية الفرنسية بوعلام صنصال، بعد إدانته بتهم بينها "المساس بوحدة الوطن وإهانة هيئة نظامية".

ووجهت للكاتب صنصال جملة من التهم تتعلق بـ"المساس بوحدة الوطن"، و"إهانة هيئة نظامية"، إلى جانب "القيام بممارسات من شأنها الإضرار بالاقتصاد الوطني"، و"حيازة فيديوهات ومنشورات تهدد الأمن والاستقرار الوطني".

كما تمت متابعته بتهم أخرى تتعلق بـ"القذف والإهانة الموجهة ضد الجيش الوطني الشعبي"، و"الترويج عمدا لأخبار كاذبة من شأنها المساس بالنظام العمومي والأمن العام"، فضلا عن "حيازة وعرض منشورات وأوراق وفيديوهات على أنظار الجمهور، من شأنها المساس بالوحدة الوطنية".

وخلال المحاكمة، أنكر صنصال كافة التهم الموجهة إليه، معتبرا أن تصريحاته تندرج في إطار حرية الرأي، وقال إنها "وجهات نظر شخصية أدلى بها كمواطن فرنسي".

كما واجهه القاضي خلال الجلسة برسائل بعثها سابقا إلى السفير الفرنسي الأسبق لدى الجزائر غزافيي دريانكور، وصفت بأنها تتضمن "إساءة" للجيش ومؤسسات الدولة، إلا أن صنصال قال إنها "مراسلات خاصة بين صديقين".

وفي تصريحات سابقة على قنوات تلفزة فرنسية، كرر صنصال الذي شغل سابقا مدير الصناعة بوزارة الصناعة الجزائرية وأنهيت مهامه عام 2002، مزاعم بكون أجزاء واسعة من شمال غربي الجزائر كانت في الأصل تابعة للمغرب.

ونهاية مارس/ آذار الماضي، حكمت محكمة الدار البيضاء الابتدائية شرقي الجزائر العاصمة على صنصال بالسجن النافذ 5 سنوات.

وسبق للجزائر أن وصفت مطالبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإطلاق سراح صنصال بـ "التدخل السافر" في شؤونها الداخلية، واعتبرت أن الملف مطروح بين أيدي القضاء وهو الوحيد المخول للفضل فيه.

وأوقفت السلطات الجزائرية صنصال في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بمطار العاصمة قادما من فرنسا، ما ساهم في تأزم علاقات البلدين المتوترة أصلا منذ نحو عام خصوصا فيما يتعلق بملف الصحراء ودعم باريس مقترح المغرب حلا للنزاع في الإقليم.

توتر مزمن وتراكمات تاريخية

تصاعد التوتر بين الجزائر وباريس لم يكن وليد قضية بوعلام صنصال، بل هو امتداد لمسار متقلب شهد العديد من المحطات الحادة خلال السنوات الأخيرة. ففي أكتوبر 2021، اندلع خلاف دبلوماسي واسع بعد تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شكك فيها بوجود "أمة جزائرية قبل الاستعمار"، ما دفع الجزائر إلى سحب سفيرها من باريس مؤقتًا وإغلاق المجال الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية.

كما شهدت العلاقات توتراً جديداً في عام 2022 على خلفية تخفيض فرنسا عدد التأشيرات الممنوحة لمواطني الجزائر، وهو ما اعتُبر حينها "إجراءً غير وديّ" وردّت عليه الجزائر بلهجة حادة. وبلغ التوتر ذروته مع تزايد الحملات الإعلامية الفرنسية التي تتعاطى مع الجزائر من زاوية استعمارية أو استعلائية، وهو ما تعتبره الجزائر تجاوزاً للخطوط الحمراء، خاصة حين يتعلّق الأمر بالسيادة الوطنية أو الذاكرة التاريخية.

الأمر الأكثر تعقيدًا كان موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من ملف الصحراء الغربية، حيث أعلن دعمه لخطة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب على الإقليم المتنازع عليه، في خطوة اعتبرتها الجزائر انتهاكًا صارخًا لموقفها الداعم لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، ومخالفة لمبادئ القانون الدولي. هذا الموقف أدى إلى استدعاء الجزائر لسفيرها من باريس احتجاجًا على ما وصفته بتدخلات فرنسية تضر بالاستقرار الإقليمي وتغذي الصراعات المفتعلة.

وفي ظل صعود اليمين المتطرف في فرنسا، وتنامي الأصوات الداعية إلى "الحزم" مع دول الجنوب، تنظر الجزائر بعين الريبة إلى الخطاب الفرنسي الجديد، الذي ترى فيه امتدادًا لمرحلة استعمارية تسعى بعض الأوساط لإعادة تدويرها. هذه الخلفيات تُفسر جزئياً حساسية الجزائر في ملفات مثل قضية صنصال، وتُظهر أن الرد الرسمي الأخير ليس إلا حلقة جديدة في سلسلة دفاعها الصارم عن السيادة، والكرامة الوطنية.

اظهار أخبار متعلقة


التعليقات (0)