رغم
الاستعدادات الكبيرة، والآمال المرتفعة، والدعم الجماهيري والإعلامي غير المسبوق،
ودع النادي
الأهلي المصري بطولة كأس العالم للأندية 2025 من دور المجموعات، بعدما
فشل في تحقيق أي فوز خلال ثلاث مباريات جمعته بإنتر ميامي الأمريكي، وبالميراس
البرازيلي، وبورتو البرتغالي.
وتذيل الأهلي
مجموعته بنقطتين فقط، ليصطدم جمهوره بخيبة أمل قاسية، خصوصا مع ضخامة الوعود التي
سبقت البطولة، سواء من الإدارة أو الإعلام، بشأن قدرة الفريق على المنافسة في
"المونديال الأكبر في تاريخ اللعبة".
بطولة النخبة
وتعد بطولة
كأس العالم للأندية ليست مجرد بطولة دولية تكميلية، بل تمثل ذروة التنافس العالمي
للأندية، وهي فرصة لا تتاح سوى للنخبة، وعلى مدار أكثر من عقدين، تحولت إلى محطة
معيارية لقياس جاهزية الفرق على المستوى الدولي، ولتقييم قدراتها التكتيكية
والبدنية والنفسية في مواجهة مدارس كروية متباينة.
وبالنسبة
للأهلي، كان لهذه البطولة مذاق خاص، فالنادي الذي يتصدر ترتيب أكثر الأندية مشاركة
في المونديال (11 مشاركة)، دخل نسخة 2025 بطموحات مضاعفة، خاصة أن البطولة تقام
للمرة الأولى بهذا الحجم (32 فريقًا) وفي بلد مثل الولايات المتحدة، حيث الفرص
التسويقية والإعلامية الضخمة.
اظهار أخبار متعلقة
وسبق للأهلي
أن حصد الميدالية البرونزية 4 مرات (2006 - 2020 - 2021 - 2023)، وهو رقم لم يصل
إليه أي نادٍ غير أوروبي أو لاتيني، هذه الإنجازات وضعت جماهير الأهلي أمام سقف
توقعات مرتفع، خاصة أن بعض مشاركاته السابقة شهدت تفوقًا على أندية كبرى.
إلى جانب
الأبعاد الرياضية، كانت هذه البطولة فرصة ذهبية لتعزيز "العلامة
التجارية" للأهلي عالميا، فاللعب أمام فرق مثل إنتر ميامي (الذي يقوده ميسي)
أو بورتو، والتواجد في السوق الأمريكية، عوامل يمكن أن تنعكس لاحقًا على عقود
الرعاية وقيمة اللاعبين.
استعدادات
ضخمة وصفقات مثيرة.. هل ضل الطريق قبل البطولة؟
وقبل انطلاق
كأس العالم للأندية 2025، بدا أن الأهلي يستعد لخوض المعركة الكروية الأكبر في
تاريخه، والحديث عن البطولة لم يغب يوما عن الإعلام المصري، واستخدمت عبارات مثل
"المعركة العالمية"، و"حلم المجد"، و"فرصة الأهلي
الذهبية للعب أمام ميسي"، لترسيخ صورة ذهنية بأن الفريق على موعد مع إنجاز
كبير، ولكن الاستعدادات على الأرض أثارت الكثير من التساؤلات.
وقررت الإدارة
الفنية للنادي دخول سوق الانتقالات بقوة، وجاءت بعض التعاقدات مثيرة للجدل، خاصة
أنها لم تأت في مراكز الضعف الحقيقي للفريق، كما اعترف بذلك بعض المحللين، ورغم
الإنفاق، لم تظهر صفقات الأهلي الجديدة بشكل مؤثر خلال البطولة، وبدت التشكيلة
وكأنها لم تتجانس بعد.
زيزو اشغل
سوق الانتقالات
وكانت صفقة
انتقال لاعب الزمالك أحمد مصطفي زيزو إلى الأهلي واحدة من أكثر الصفقات التي حظيت
باهتمام وانتقادات حادة، خاصة بسبب التنافس التاريخي بين الناديين.
صفقة زيزو،
التي قدرت قيمتها بنحو أكثر من 1.5 مليون يورو، لم تقتصر فقط على الجانب المالي،
بل حملت معها أبعادًا سياسية ورياضية، إذ اعتبرها الكثيرون بمثابة "رسالة
تحدٍّ" من الأهلي، في وقت كان فيه الفريق يبحث عن إعادة بناء منظومته الهجومية.
ورغم تألق
زيزو مع الزمالك، لم يظهر بمستوى يليق بالتوقعات في مباريات كأس العالم للأندية، خاصة
مع ابتعاده عن المباريات منذ نيسان / إبريل الماضي بسبب أزمة توقعيه للقلعة الحمراء،
مما زاد من حالة الاستياء بين جماهير الأهلي التي كانت تأمل في أن يكون
"الصفقة الكبيرة" هو الفارق في البطولة.
إلى جانب
زيزو، ضم الأهلي أسماء لامعة مثل أشرف بن شرقي، الذي عاد إلى الدوري المصري بعد
فترة ناجحة مع الزمالك، وكذلك العائد من الاحتراف محمود حسن تريزيجيه الذي يُعد
أحد نجوم الفريق وأحد الأسماء المعروفة بعد فترة احتراف في الدوريات (الإنجليزي والتركي
والقطري)، بالإضافة إلى التعاقد مع التونسي محمد علي بن رمضان، وهذه الصفقات، رغم
تكلفتها التي تجاوزت 2 مليون و216 ألف يورو، لم تتمكن من تحقيق الإضافة المرجوة
على أرض الملعب.
تغيير المدرب
قبل البطولة.. خطوة إصلاح أم ارتباك إداري؟
قبل أسابيع
قليلة من انطلاق البطولة، اتخذت إدارة الأهلي قرارًا صادمًا بإقالة المدير الفني
السابق "مارسيل كولر"، وتعيين مدير فني جديد هو الإسباني خوسيه ريبيرو في
خطوة أثارت الجدل في الوسط الكروي المصري.
رغم أن
القرار برر بأنه يهدف إلى "إعادة الحيوية التكتيكية" للفريق قبل التحدي
العالمي، فإن توقيت التغيير بدا كارثيًا، فالفريق لم يحظَ بالوقت الكافي للتأقلم
مع أسلوب المدرب الجديد، ولم يتمكن ريبيرو من فرض فلسفته الفنية خلال فترة التحضير
القصيرة.
اظهار أخبار متعلقة
الفوضى كانت
واضحة في المباريات الثلاث التي خاضها الأهلي، فخطة اللعب اختلفت من مباراة لأخرى،
وبعض اللاعبين بدوا تائهين داخل الملعب، والتغييرات المتأخرة، الاعتماد على لاعبين
غير جاهزين بدنيًا، وعدم وضوح المنظومة الدفاعية، كلها مؤشرات على أن المدرب
الجديد لم يجد بعد مفاتيح الفريق، وأثبتت لقطة خلاف لاعبي الأهلي على تسديد ركلة الجزاء أمام ميامي على عدم سيطرة المدرب على لاعبيه.
وعلى الصعيد
الإعلامي، حشدت بعض القنوات والصحف المصرية جهودًا ضخمة لتسويق الفريق وكأنه مرشح
فوق العادة للتأهل لنصف النهائي على أقل تقدير، وتم تصوير المواجهة أمام إنتر
ميامي كأنها معركة تاريخية للفوز على فريق ليونيل ميسي، رغم أن الفوارق الفنية
والبدنية كانت واضحة على الورق.
ومع ظهور
العديد من الفنانين والاستوديوهات التحليلية التي أعادت إلى الأذهان أجواء ما حدث
في مونديال روسيا 2018 مع منتخب مصر، حين ارتفعت التوقعات بشكل كبير، كانت البطولة
رحلة ترفيهية ثم جاءت النتائج مخيبة.
تزيف الإخفاق
بلغة الأرقام "الوهمية"
ورغم أن
الأهلي خرج من دور المجموعات دون أي فوز، ومع أداء فني باهت وأخطاء كارثية، استمرت
بعض القنوات الرياضية المصرية في تقديم تغطية "احتفالية" بشكل لافت،
وكأن الفريق قد حقق إنجازًا تاريخيًا.
واللافت أن
هذا التناول لم يأتِ قبل البطولة فقط، بل استمر حتى بعد الخروج متذيلا لمجموعته التي
تعد أضعف نسبيا عن باقي مجموعات الفرق العربية والإفريقية، من خلال استوديوهات
تحليلية حاولت "تزييف الواقع" بلغة الإحصائيات الجزئية والمقارنات
المختزلة.
على سبيل
المثال، ركزت بعض الصحف على أن الأهلي هو "أول نادٍ إفريقي يتعادل مع بورتو
البرتغالي كفريق أوروبي في بطولة عالمية"، أو أن "الأهلي أول فريق
إفريقي يسجل "هاترك" في كأس العالم "، أو حتى أن "لاعب الأهلي
هو أول إفريقي يسجل هدفًا في مرمى نادٍ يضم لاعبين من الدوريات الخمسة
الكبرى"، وهكذا كانت العناوين الرنانة رغم أنها صحيحة من الناحية الفنية، إلا
أنها مضلِّلة، لأنها تغطي على الصورة الكاملة: الفشل في التأهل، وضعف الأداء،
وفقدان الروح.
ورغم أن
الفريق لم يسجل سوى 3 أهداف في 3 مباريات، مقابل 6 أهداف استقبلها، ركّزت بعض
الاستوديوهات على نسب الاستحواذ وعدد التمريرات (أكثر من 460 تمريرة صحيحة في
المباراة نفسها)، في محاولة لتسويق فكرة أن "الأداء جيد والنتائج
خادعة"، بينما تجاهلت تمامًا فقدان الفريق للشخصية التكتيكية وضعف التنظيم
الدفاعي.
الأخطر من
ذلك، أن هذه اللغة التحليلية ساهمت في تضليل جمهور الأهلي، أو على الأقل من لا
يتابع التفاصيل التكتيكية بدقة، فبدلاً من فتح نقاش حقيقي حول إخفاق التعاقدات،
وقرارات الإدارة، وتوقيت تغيير المدرب، تم تسويق فكرة أن الأهلي "خرج مرفوع
الرأس"، رغم أن أغلب الجماهير كانت تشعر بالمرارة والخديعة، لا الفخر.