يبدو أن مقصلة
الثورة الفرنسية عام 1789 كانت لها أشكال عديدة وامتدادات كثيرة، بيد أن هذه المرة
كانت
فلسطينية الجنسية وعلى يد فخامة الرئيس، فخر ثورة 1965، والذي أنزل بيده فكرة
ديمومة الثورة وأطفأ شعلة الكفاح المسلح، متبعا نهج النضال السياسي والدبلوماسي،
ليتربع منذ أكثر من عقدين على عرش السلطة في الضفة المقسمة مع
الاحتلال إلى (أ، ب،
ج)، وبمساحة إجمالية لا تزيد عن 22 في المئة من فلسطين الممزقة منذ نكبة 1948، مقطّعة
الأوصال، ولا يحكم إلا على أقل من 7 في المئة منها، بعيدا عن قدس أقداسنا، وبعيدا
عن غزة العزة والبطولة المثخنة بالجراح. بيده أمسك فخامة الرئيس المقصلة وقطع رأس
المشروع الوطني بدعوى أنه يحمي هذا المشروع من أيدي العابثين العبثيين، وأي مشروع
وطني تحميه يا فخامة الرئيس؟ وهل أبقت اتفاقات أوسلو مشروعا وطنيا لتحميه؟ وهل
أبقى التنسيق الأمني والشراكة مع جيش الاحتلال شيئا يذكر من هذا المشروع، الذي كلف
شعبنا مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين والمفقودين؟
يبدو أن من
أسميتهم "أولاد الكلب" قد أحرجوك في صونهم لهذا المشروع وتمسكهم بما
تنازلت عنه حتى تطالبهم بالتخلي عن أسرى العدو بلا مقابل، وتترك أسرارنا لقدرهم في
المعتقلات الصهيونية النازية وهم يعانون شتى أنواع التعذيب والتنكيل، وأحيانا
القتل.
ما من عاقل كان
يتوقع ما صدر عن فخامته من ألفاظ نابية لا تليق بمنصبه ومكانة شعبنا وتضحياته
الجسام، ما من مناضل توقع أن يصل الاتهام إلى هذا الحد لأخوة النضال وتبرئة الاحتلال
الغاصب النازي من كل جرائمه عندما يطالب فخامته من
المقاومة "سدوا ذرائعهم"،
وكأن نتنياهو وقادة حربه ينتظرون من أحد أن يعطيهم مبررا أو إذنا لعدوانهم المستمر.
انعقاد المجلس المركزي في دورته الثانية والثلاثين وتحت شعاراتٍ وطنية لا يختلف عليها اثنان، ولكن في حقيقة الأمر يراد منها التغطية على الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية والعربية، وبتمثيل اللون الواحد وغياب كافة ممثلي أطياف الشعب الفلسطيني.. يعتبر تعميقا للانقسام الفلسطيني بل يضيف عليه جرحا عميقا؛ مما يمكّن الاحتلال من تحقيق أهدافه في تمزيق النسيج الفلسطيني الواحد ويمثل أيضا، خروجا عن الإجماع الوطني
لقد نسي فخامته
ومن معه من المصفقين لهذه الترهات والمهاترات حقيقة الفكر الصهيوني وما يخطط له
نتنياهو من ضمٍ للضفة وغزة ووضعها تحت السيادة الإسرائيلية، وما صرح به من أن "لا
دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل"، وأنه يريد تغيير وجه الشرق الأوسط.. وذاك
اليميني سموتريتش، الذي يريد جعل "دمشق جزءا من القدس الكبرى عاصمة إسرائيل"،
ونسي فخامته أو تناسى الخارطة التي يضعها الجندي الإسرائيلي على ذراعه والتي تشمل
أجزاء من العراق والسعودية والأردن وسوريا وفلسطين بأكملها وسيناء، ولعله لم يسمع وزير
الشؤون الاستراتيجية رون ديمر عندما قال إن "الحرب ستنتهي بعد 12 شهر"،
وأن "اتفاقيات سلام جديدة ستتم في المنطقة، ولكن مفتاح كل سلام هو الانتصار،
هكذا تسير الأمور في الشرق الأوسط"! وهذا يعني يا فخامة الرئيس أنه لا زال
أمامنا سنة كاملة لإنهاء الحرب العدوانية الفاشية على غزة، وأن تحقيق السلام لا
يتم إلا بتحقيق انتصار إسرائيلي وهزيمة للفلسطينيين والعرب. هذا فعلا ما يدور في
الفكر الصهيوني، هل أدرك فخامة الرئيس والعرب ذلك؟
وللتذكير فقط،
لقد مارس شعبنا وفصائله المقاومة الشعبية بكل أشكالها كما أوصى فخامته، ولكن ردّت
دولة الكيان بكل أنواع الأسلحة من طائرات حربية، ودبابات ورصاص حي واغتيالات وصلت
خارج حدود الوطن. لقد قالها نتنياهو مرارا وتكرارا "لا سلطة فلسطينية، لا
حماسستان ولا فتحستان".. ليهنأ بالك يا فخامة الرئيس، حتى أنت بكل ما تقدمه
للعدو لست مقبولا لهم، وإن لم يبق لك سوى أربعة جدران في رام الله. كل الرهانات
سقطت أمام الفكر الصهيوني التوراتي؛ الذي لا يرى أي وجود للفلسطيني، كل الرهانات
سقطت حتى على اتفاقات أوسلو التي تبرأ منها نتنياهو قائلا: "إنها كانت خطأ
إسرائيل الكبير"، ومثلما قالها الرئيس الراحل عرفات أيضا "إن أوسلو فخ
وقد وقعنا فيه".
لقد سقطت كل
الرهانات أمام العجز العربي والعالمي الذي لا يملك سوى بيانات استنكار وإدانة
ومطالب خجولة بحل الدولتين دون وجود آلية التنفيذ، أو حتى مجرد التلويح ببعض
العقوبات لإجبار دولة الكيان على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية.
بالإفصاح عن
فكرهم الصهيوني العدواني التوسعي العنصري -كما وصفه الميثاق الوطني الفلسطيني عند
تأسيس م.ت.ف- قتل نتنياهو وقادة اليمين الحلم الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة، حتى
أنهم يتعاملون مع السلطة وكأنها ليست موجودة، أو موجودة فقط للتنسيق الأمني
والشراكة في مطاردة المقاومين وممارسة ذات الأسلوب الذي تمارسه "إسرائيل"
ضد المخيمات والبلدات الفلسطينية. إن تأكيد هذه الحقيقة جاء على لسان وزير المالية
الإسرائيلي اليميني المتطرف سموتريتش، الأوكراني الجنسية، عندما تحدث عن "ضرورة
تفكيك السلطة وتغيير الحمض النووي للضفة"؛ معتبرا ذلك "مهمة حياته".
وكذلك كما جاء في رد نتنياهو على الرئيس الفرنسي ماكرون، حينما دعا الأخير إلى
إقامة دولة فلسطينية: "إن إقامة دولة فلسطينية تعني مكافأة للإرهاب".
ان انعقاد المجلس
المركزي في دورته الثانية والثلاثين وتحت شعاراتٍ وطنية لا يختلف عليها اثنان،
ولكن في حقيقة الأمر يراد منها التغطية على الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية
والعربية، وبتمثيل اللون الواحد وغياب كافة ممثلي أطياف الشعب الفلسطيني.. يعتبر تعميقا
للانقسام الفلسطيني بل يضيف عليه جرحا عميقا؛ مما يمكّن الاحتلال من تحقيق أهدافه
في تمزيق النسيج الفلسطيني الواحد ويمثل أيضا، خروجا عن الإجماع الوطني، وضربا في
صميم المشروع الوطني الفلسطيني، وطعنا للمقاومة ودماء الشهداء والجرحى.
الوقت ينفد، وأن المسؤولية الوطنية تقتضي أن نحتكم إلى لغة العقل والمنطق والحوار. حذاري أن نكون كالثورة التي أكلت أبنائها
كما يعتبر هذا
المجلس بوقائعه ونتائجه خروجا تنظيميا عن الشرعية وقرارات المجلس الوطني من حيث
استحداث تغيير في الهيكلية التنظيمية، وأن السلطة التي عقدت مثل هذا المجلس حتى
تتمكن من إجراء التغيير اللازم مطالبة أولا بإجراء حوار وطني شامل، وثانيا إجراء
انتخابات ديمقراطية رئاسية وتشريعية تضمن تمثيلا حقيقيا لشعبنا في الداخل والشتات،
وثالثا إعادة تشكيل مؤسسات
منظمة التحرير الفلسطينية على أسس وطنية واضحة ترتقي
إلى نضالات وتضحيات شعبنا، ورابعا صياغة برنامج سياسي يضمن تحقيق أهداف شعبنا
بالعودة وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.
بناء على الظروف
الراهنة التي يعيشها شعبنا والمنطقة، كان متوقعا أن يتم إقرار برنامج وطني متكامل
يضع ما اتفق عليه في بكين، وما أُقرَّ في المجالس السابقة موضع التنفيذ، وتشكيل
قيادة وطنية موحدة، وأن يُدعى الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية للاتفاق على
حكومة وفاق وطني؛ تأخذ بأولوياتها مقاومة المشروع الصهيوني التوسعي والتصدي لسياسات
نتنياهو وترامب، بدلا من كيل الاتهامات والشتائم للمقاومة ورموزها وتحميلها
مسؤولية تعطيل التوصل إلى صفقة تبادل أسرى، وحماية شرعية سلاح المقاومة بدلا من
المطالبة بتسليمه.
في النهاية، إن
الوقت ينفد، وأن المسؤولية الوطنية تقتضي أن نحتكم إلى لغة العقل والمنطق والحوار.
حذاري أن نكون كالثورة التي أكلت أبنائها. إن شعبنا يستحق أن يحيا حياة كريمة
عزيزة في ظل نظامٍ ديمقراطي يسعى إلى تحقيق حلمه بالعودة وتقرير المصير وإقامة
دولته المستقلة على تراب فلسطين.
[email protected]