بدأت الحكومة
العراقية في خطوات عملية لإعادة تشغيل خط أنابيب النفط "
كركوك -
بانياس" الممتد من أراضيها عبر
سوريا إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط، وذلك في إطار مساعٍ لتعزيز قدراته التصديرية وتأمين منافذ بديلة لصادراته النفطية، وفقاً لبيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئاسة مجلس الوزراء العراقي.
وأوضح بيان صدر الجمعة الماضي أن وفداً حكومياً رسمياً توجّه إلى دمشق لبحث سبل إعادة تأهيل الخط النفطي المتوقف، في إطار خطة استراتيجية تهدف إلى تنويع طرق تصدير النفط العراقي وتقليل الاعتماد على المسارات التقليدية التي أثّرت فيها التوترات السياسية والنزاعات الإقليمية.
وأضاف البيان أن المحادثات مع الجانب السوري تركزت على دراسة الوضع الفني للأنبوب وبحث الآليات الممكنة لإعادة تشغيله، بما يسهم في دعم خطط العراق المستقبلية في مجال تصدير النفط، إلى جانب بحث ملفات أمنية واقتصادية ذات اهتمام مشترك، من بينها مكافحة الإرهاب، وتعزيز أمن الحدود، وتوسيع آفاق التبادل التجاري بين البلدين.
اظهار أخبار متعلقة
المخابرات تتولى الأمر
وترأس الوفد العراقي رئيس جهاز المخابرات٬ حميد الشطري، الذي أجرى لقاءات موسعة في دمشق شملت الرئيس السوري أحمد الشرع وعدداً من كبار المسؤولين السوريين، حيث تم التأكيد على أهمية المشروع في دعم الاستقرار الاقتصادي للبلدين وتعزيز التعاون الثنائي.
ويأتي هذا التحرك العراقي في ظل توجيهات مباشرة من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي يسعى إلى تنويع قنوات تصدير النفط العراقي، خاصة بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدتها بغداد نتيجة توقف ضخ نفط إقليم كردستان عبر الأراضي التركية، والتي قدّرت بنحو 19 مليار دولار منذ توقف العمل بذلك الخط.
في تصريح سابق، أعلن المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، أن العراق يدرس جدياً خيار إحياء خط تصدير النفط الذي يمر عبر ميناء بانياس السوري، في إطار سعيه لفتح منافذ جديدة لتعزيز صادراته النفطية.
وأوضح العوادي أن بغداد باتت مستعدة للدخول في مناقشات رسمية مع الجانب السوري بشأن إعادة تأهيل خط أنابيب النفط الواصل بين كركوك وبانياس، لما يمثله من أهمية استراتيجية في تنويع طرق التصدير وتجاوز التحديات التي تواجه بعض المسارات التقليدية.
دمشق ترحب
وفي وقت سابق دعت الحكومة السورية، على لسان وزير النفط والثروة المعدنية غياث دياب، شركات النفط الدولية التي كانت تنشط في البلاد قبل اندلاع الثورة إلى العودة مجدداً والمساهمة في إعادة تأهيل وتطوير قطاع الطاقة، مستفيدة من خبراتها واستثماراتها.
وتأتي هذه الدعوة في أعقاب قرار الاتحاد الأوروبي، القاضي برفع جزئي للعقوبات المفروضة على قطاع الطاقة السوري، بما في ذلك إلغاء الحظر على استيراد النفط الخام من سوريا، والسماح بتصدير التكنولوجيا المتعلقة بصناعة النفط والغاز، بالإضافة إلى إنهاء القيود المالية المفروضة على مشاريع استكشاف وتكرير النفط وبناء محطات طاقة جديدة.
ويرى خبراء اقتصاديون أن استيراد النفط العراقي يُعد خياراً مثالياً لتلبية احتياجات السوق المحلية السورية ودعم جهود إعادة الإعمار، مؤكدين أن تطوير المصافي السورية ورفع كفاءتها لتكرير الخام العراقي من شأنه أن يعزز التعاون الاقتصادي الثنائي بين بغداد ودمشق، ويفتح آفاقاً جديدة للشراكة في قطاع الطاقة.
ما هو خط كركوك – بانياس؟
ويُعد خط أنابيب النفط كركوك – بانياس من المشاريع الاستراتيجية ذات البعد التاريخي والاقتصادي، حيث يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1952، ويمتد لمسافة تقارب 880 كيلومتراً، بقدرة تدفق تتجاوز 300 ألف برميل يومياً.
وقد شهد هذا الخط محطات سياسية وعسكرية حاسمة، بدءاً من العدوان الثلاثي على مصر، ومروراً بعمليات التأميم، والحرب العراقية الإيرانية، وحربي الخليج الأولى والثانية، وصولاً إلى الثورة السورية٬ والحرب الدولية ضد تنظيم داعش.
ولهذا فإن إعادة تشغيله تمثل خطوة ذات أهمية استراتيجية لكلا البلدين، لا سيما في ظل مساعي العراق لتعزيز مكانته كواحد من أكبر منتجي النفط في العالم بإنتاج يتجاوز 3 ملايين برميل يومياً.

ويمثل الخط منفذاً حيوياً للعراق على البحر المتوسط، إلا أن مشروع إعادة تأهيله يواجه جملة من التحديات، أبرزها الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبنية التحتية للأنبوب خلال سنوات الحرب في سوريا، إلى جانب الكلفة المرتفعة لعملية التأهيل، والتي تُقدّر بأكثر من 8 مليارات دولار.
وعلى الرغم من ذلك، يرى خبراء أن الخط يمثل خياراً أكثر مرونة واستقلالية للعراق من الناحية التصديرية، كونه يتفادى المرور عبر قناة السويس والعقبات المرتبطة بالعلاقات الإقليمية، وخاصة مع الاحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن كونه أقرب إلى الأسواق الأوروبية ويُعد أقل تكلفة مقارنة بمشاريع تصديرية أخرى.
وكانت هناك محاولات سابقة لإعادة تفعيل الخط، من بينها اتفاق وقعته بغداد مع دمشق عام 2007 لتنفيذ المشروع عبر شركة روسية، لكنه أُلغي في 2009 بسبب ارتفاع التكاليف آنذاك. واليوم، يعود هذا المشروع إلى الواجهة مجدداً، في وقت يسعى فيه العراق إلى زيادة طاقته الإنتاجية إلى 8 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2027، ويبحث عن بدائل تصديرية أكثر استقراراً بعيداً عن التوترات السياسية والحدودية.
ويمثل الخط أيضاً فرصة حقيقية لتعزيز التعاون الاقتصادي بين بغداد ودمشق، إذ يمكن للعراق الاستفادة من المصافي السورية كبديل عن المصافي البعيدة التي يسعى لإنشائها، في حين تتيح لسوريا الحصول على المشتقات النفطية التي تحتاج إليها، وتُنشّط حركة الملاحة والتجارة في موانئها على البحر المتوسط، مما يُسهم في دعم اقتصادها الوطني وتأمين مصادر طاقة إضافية.
اظهار أخبار متعلقة
بديل عن خط أنابيب كركوك-جيهان
ويذكر أن خط أنابيب كركوك-جيهان التركي، الذي يُستخدم لتصدير نفط إقليم كردستان العراق إلى تركيا ومنها إلى الأسواق العالمية، قد توقف منذ نحو عامين، على خلفية دعوى قضائية رفعتها الحكومة العراقية ضد أنقرة بسبب شرائها النفط من الإقليم دون الحصول على موافقة رسمية من الحكومة الاتحادية في بغداد.
ورغم الجهود المتكررة لإعادة تشغيل الخط، فإن معظم الاجتماعات بين الجانبين انتهت دون نتائج ملموسة، في ظل استمرار تركيا في الامتناع عن دفع الغرامة المالية التي فرضتها محكمة التحكيم في باريس لصالح العراق، ما يعرقل التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن استئناف التصدير عبر هذا المسار الحيوي.