عثرت الشرطة الإسبانية على جثث ثلاثة أفراد من عائلة واحدة داخل منزلهم في منطقة غاليسيا شمال غرب البلاد، في حادثة يُشتبه بأن سببها استنشاق أول أكسيد الكربون، نتيجة استخدام مولد كهربائي أو جهاز يعمل بالوقود أثناء انقطاع التيار الكهربائي.
وفتحت السلطات تحقيقًا لتحديد ملابسات الوفاة التي تزامنت مع انقطاع واسع للكهرباء شلّ أجزاء كبيرة من إسبانيا والبرتغال، ما أعاد إلى الأذهان أجواء العزل العام إبان جائحة كوفيد-19.
والضحايا هم زوجان وابنهما، عُثر على جثثهم صباحًا داخل منزلهم في بلدة "تابوادِيلا"، حيث تشير التقديرات الأولية إلى أن الوفاة قد تكون ناتجة عن خلل في أحد أجهزة التدفئة أو المولدات. ولا تزال فرق التحقيق والطب الشرعي تعمل لتحديد الأسباب الدقيقة للحادث.
وفي مدريد، توفيت امرأة في حادث منفصل إثر اندلاع حريق في شقتها يُرجّح أنه ناجم عن استخدام شمعة للإضاءة، في مؤشر إضافي على المخاطر المرافقة لانقطاع الخدمات الأساسية.
اظهار أخبار متعلقة
الأعضاء تلفت
ولم تقتصر الخسائر على الأرواح، بل امتدت لتشمل القطاع الصحي، حيث أفادت تقارير إعلامية بفقدان عضوين بشريين كانا معدّين لعمليات زرع، تعذّر تنفيذها بعد تعطل شبكة
الكهرباء. وكانت مستشفيات متعددة في أنحاء إسبانيا تستعد لإجراء ست عمليات زرع منسّقة في اليوم نفسه، قبل أن تتوقف التحضيرات عند الساعة 12:33 ظهرًا بسبب انقطاع التيار، ما أجبر المنظمة الوطنية لزرع الأعضاء على تأجيل الجراحات إلى اليوم التالي. ومع إمكانية تأجيل معظم العمليات، إلا أن حالتين طارئتين أُلغيتا نهائيًا بسبب فقدان الأعضاء.
وفيما أعلنت شركة "ريد إلكتريكا" التي تدير شبكة الكهرباء الوطنية في إسبانيا أمس الثلاثاء٫ أن الخدمة عادت بنسبة 99%، تبقى أسباب الانقطاع محلّ تحقيق. وشهدت عدة دول مجاورة، منها
البرتغال وجنوب
فرنسا، اضطرابات واسعة في القطارات والمطارات والاتصالات.
اظهار أخبار متعلقة
ما أسباب الانقطاع؟
تُعزى أسباب انقطاع التيار الكهربائي عادةً إلى توقف مفاجئ في أحد مصادر التوليد، سواء نتيجة خلل فني أو بسبب نقص في الوقود الذي يغذي محطات الطاقة الحرارية.
وفي السنوات الأخيرة، ازدادت هذه الحوادث بفعل الكوارث الطبيعية مثل العواصف، الزلازل، حرائق الغابات، إضافة إلى موجات الحر أو البرد الشديد التي تتفاقم في كثير من الأحيان نتيجة التغير المناخي، ما يؤدي إلى إتلاف البنية التحتية أو زيادة الضغط على شبكات التدفئة والتبريد.
كما تشمل الأسباب المحتملة لانهيار الشبكات الكهربائية الأحمال الزائدة على خطوط التوتر العالي، مما يضطر النظام إلى تحويل التيار إلى خطوط بديلة، وقد يفضي ذلك إلى خلل متسلسل. كذلك، تشكّل الهجمات السيبرانية تهديدًا متزايدًا في ظل الاعتماد المتنامي على الشبكات الرقمية، ورغم استبعاد هذا الاحتمال في الحالة الإسبانية الأخيرة، فإنه يبقى مصدر قلق دائم.
"ظاهرة جوية نادرة"
وفي تفسير مبدئي لما حدث، أفادت شركة الكهرباء الوطنية في البرتغال بأن انقطاع التيار كان ناجمًا عن "ظاهرة جوية نادرة" أدت إلى تذبذبات غير طبيعية في خطوط الجهد العالي، نتيجة تغيرات حادة في درجات الحرارة بإسبانيا.
وأوضحت الشركة أن هذه الظاهرة، المعروفة علميًا باسم "الاضطراب الجوي المُستحث"، تسببت بخلل في استقرار الشبكة الكهربائية، وأسفرت عن سلسلة من الأعطال المتزامنة على مستوى شبكة الطاقة الأوروبية.
من جانبه، أوضح سولومون براون، أستاذ أنظمة الطاقة في جامعة شيفيلد البريطانية، في حديثه لشبكة "يورونيوز" أن "الاضطراب الجوي المُستحث" يُمكن اعتباره نوعًا من التغيّر المفاجئ في المجال الكهرومغناطيسي المحلي، يشبه في تأثيره ما تحدثه الظواهر الشمسية، وقد يؤدي إلى اضطرابات في تدفقات الطاقة. ورغم ندرة حدوث هذه الظواهر، إلا أن الخبراء يحذّرون من تزايد احتمالاتها مع تصاعد اختلالات المناخ العالمي.
اظهار أخبار متعلقة
الربط الكهربائي الأوروبي
تُعد الشبكة الكهربائية الأوروبية المشتركة (ENTSO-E) حجر الأساس في مسار التكامل الاقتصادي والسياسي داخل القارة الأوروبية، حيث تلعب دورًا محوريًا في تعزيز استقلال الطاقة وتوسيع التعاون الإقليمي، لاسيما بعد انضمام أوكرانيا ودول البلطيق إليها عقب انفصالها عن الشبكة الكهربائية الروسية.
وتمثل هذه الشبكة، التي تأسست رسميًا عام 2009، واحدة من أبرز الإنجازات الهيكلية للمشروع الأوروبي، إذ تربط أكثر من 35 دولة في شبكة كهربائية متزامنة تخدم ما يزيد عن نصف مليار نسمة، وتبلغ قدرتها الإجمالية أكثر من ألف و100 غيغاوات.
ولا تُختزل أهمية الشبكة الكهربائية الأوروبية المشتركة في بعدها التقني فقط، بل تتجاوز ذلك إلى أبعاد سياسية واستراتيجية، فهي تجسد نموذجًا للبنية التحتية العابرة للحدود التي تعزز وحدة القارة، وتضمن تدفق الطاقة بحرية بين الدول الأعضاء، وتعمل على توحيد التردد الكهربائي عند مستوى 50 هرتز.
وتُسهم هذه الشبكة في دعم سياسات الاتحاد الأوروبي للتحول نحو مصادر الطاقة المتجددة، والحد من الاعتماد على الخارج في تلبية الاحتياجات الطاقية.
الطاقة المتجددة هي البديل
وعلى صعيد الإنتاج، كشفت البيانات الصادرة لعام 2024 أن مصادر الطاقة المتجددة شكلت 46.9% من إجمالي الكهرباء الصافية المنتَجة في دول الاتحاد الأوروبي.
وتصدرت الدنمارك القائمة بنسبة 88.4%، معتمدةً بشكل رئيسي على طاقة الرياح، تلتها البرتغال بنسبة 87.5% مدعومة بطاقة الرياح والطاقة المائية، ثم كرواتيا بنسبة 73.7% اعتمادًا على الطاقة المائية.
في المقابل، سجلت لوكسمبورغ أدنى نسبة اعتماد على الطاقة المتجددة بـ5.1%، تلتها مالطا (15.1%) وجمهورية التشيك (15.9%).
اظهار أخبار متعلقة
حوادث انقطاع الكهرباء
سُجلت حوادث انقطاع كهربائي واسعة النطاق في أوروبا في مناسبات سابقة، كان أبرزها في تشرين الثاني/نوفمبر عام 2006، حين شهدت القارة واحدة من أكبر أزمات الكهرباء التي طالت عدة دول، منها فرنسا وألمانيا وبلجيكا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال.
وأدى الانقطاع، الذي استمر قرابة ساعتين، إلى توقف حركة القطارات وتعطيل العمليات في المطارات، ما أحدث إرباكًا واسعًا في البنى التحتية الحيوية.
وقد أرجعت تقارير أوروبية آنذاك سبب الحادث إلى خلل في تطبيق إجراءات الأمان، بالإضافة إلى ضعف الاستثمارات في شبكات الكهرباء.
وفي سابقة أخرى وقعت عام 2003، أدّت مشكلة في أحد خطوط الطاقة الكهرومائية بين سويسرا وإيطاليا إلى انقطاع شامل للتيار الكهربائي في أنحاء شبه الجزيرة الإيطالية، استمر لما يقارب 12 ساعة، وتسبّب في شلل تام للحياة العامة.
وهذه الحوادث تسلط الضوء على التحديات المتكررة التي تواجه أمن الطاقة في أوروبا، رغم التقدم الكبير في تكامل الشبكات وتحديث البنية التحتية.