تساؤلات عديدة، أثارتها الطعون التي قدمها الرئيس
العراقي عبد اللطيف رشيد، ورئيس الوزراء محمد شياع
السوداني، لإلغاء حكم قضائي عراقي أمر بإبطال اتفاقية تنظيم الملاحة بين العراق والكويت، بناء على دعوى قضائية قدمها نواب في الإطار التنسيقي الشيعي الحاكم.
وفي 4 أيلول/ سبتمبر 2023، أصدرت المحكمة الاتحادية العراقية، قرارا يقضي بعدم دستورية تصديق اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية بين العراق والكويت في خور عبدالله، مؤكدة أن البرلمان العراقي في حينها خالف الدستور، كونه لم يقرها بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس.
وأرجأت المحكمة الاتحادية النظر بطعني رشيد والسوداني، وهي الجلسة التي كان مقررا عقدها الثلاثاء، وهو اليوم نفسه الذي وصل فيه رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي، القاضي فائق زيدان إلى الكويت على رأس وفد قضائي رفيع المستوى.
اظهار أخبار متعلقة
"توقيت مثير"
تعليقا على تحرك الرئاسات العراقية ضد الاتفاقية، قال الخبير القانون والسياسي العراقي، أمير الدعمي لـ"عربي21" إن "توقيت الطعون يثير الاستغراب، والأكثر منه غرابة كونها من رئيسي الجمهورية والحكومة، الأمر الذي يطرح سؤالا عن مصلحة البلاد في
الطعن باتفاقية فيها غبن على العراق".
وأضاف الدعمي أن "رئيس الوزراء يفترض أنه يمثل مصالح الدولة، فهل من مصلحة العراق الطعن بقرار المحكمة الاتحادية ومحاولة العدول عنه، خصوصا أن جميع العراقيين يعلمون أن الاتفاقية التي أبرمت مع الكويت فيها شبهات فساد وبيع لأرض عراقية".
ولفت إلى أن "أول من يجب مساءلته عن هذه القضية هما رئيسي الجمهورية والوزراء، لأن هذه الحقوق لا يمكن التعامل معها بهذه الطريقة كونها تتعلق بأجيال ووطن كامل، وجاءت في ظل غياب الدور الرقابي، جرّاء السبات الذي يعيش فيه البرلمان حاليا".
وأوضح الدعمي أن "غياب الرقابة البرلمانية جعل الأمر مباحا لرئيسي الجمهورية والوزراء في عدم المساءلة النيابية على القرارات الحكومية المستغربة التي تثير حفيظة الشعب العراقي".
وتابع: "لم يحصل في تاريخ الدولة العراقية الحديثة منذ تأسيسها في العام 1920، أن يجري الطعن بقرار محكمة دستورية عليا، وذلك لمصلحة الكويت وليس العراق".
ورأى الخبير القانوني، أن "الطعن المقدم من رئيسي الجمهورية والحكومة سيضع المحكمة الاتحادية أمام حرج كبير، ويطرح تساؤلا مهما: هل ما يسير عليه القضاء هي قوانين تنسجم مع المصالح العليا للدولة أم إنها تتخذ وفق أمزجة سياسية؟".
اظهار أخبار متعلقة
وأردف: "إذا ما جرى العدول والتراجع عن قرار المحكمة الاتحادية، فإن ذلك سيجعلها مثارا للتساؤل والطعن في جميع القرارات التي صدرت عنها، لأن قراراتها تعد في حينها ذات طابع سياسي خاضعة للأمزجة السياسية".
وفي ظل الحديث عن ضغوط خليجية تمارس على العراق لحضور القمة العربية مقابل التراجع عن اتفاقية
خور عبد الله، قال الدعمي إن "هذا الكلام غير منطقي ولا مقبول، لأنه لا يمكن أن تدار الدولة بهذه الطريقة، وأن تجري المساومة على حقوق العراقيين وأراضيهم".
ضغوطات خارجية
وفي السياق ذاته، قال رئيس مركز عراقي مختص بالدراسات الاستراتيجية، في حديث لـ"عربي21"، طالبا عدم الكشف عن هويته لحساسية الملف، إن "الموضوع لا يخلو من وجود ضغوطات خارجية، خصوصا في توقيته، سواء كانت خليجية أم غيرها، فما قيمة قمة بغداد أمام هذه التنازلات؟".
وأشار رئيس المركز العراقي، إلى أنه "عندما يطعن صانعو القرار في العراق، رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، بقرار المحكمة الاتحادية، فهذا يؤكد أن ثمة ضغوط، لأن الحكومة الحالية خرجت من رحم الإطار التنسيقي، وأن الأخير نفسه هو من رفع دعوى قضائية وألغى الاتفاقية".
واستبعد المتحدث أن "يغير القضاء رأيه في الاتفاقية، لأن أي قرار يتخذ للتراجع قد يتسبب بردود فعل شعبية، خصوصا بوجود اتهامات مباشرة بأن هناك بيعا للبلاد، والحديث عن وجود فساد لإصدار هذه الاتفاقية واستلام بعض المسؤولين العراقيين أموالا من الكويت".
وتساءل رئيس مركز الدراسات، قائلا: "هل تقديم طعون قبل الانتخابات البرلمانية العراقية جاء عن طريق الخطأ أم بشكل متعمد، لأن ردود الفعل الشعبية ستكون سلبية تجاه المطالبين بنقض قرار المحكمة الاتحادية؟".
ولفت إلى أن "تقديم الطعون قد يكون وراءه اتفاقات بالإضافة إلى الضغوطات، لأن إقرار هذه الاتفاقية والتصويت عليها في البرلمان كان فيه إشكالية من الأساس، ثم تأتي المحكمة الاتحادية وتلغيها، لذلك فإن الموضوع كله لا يخلو من قضية فساد، وإن المتهمين هم السياسيون وأصحاب القرار".
وخلص إلى أن "هذه القضية من مجموعة قضايا كبيرة فيها شبهات فساد ويتم التغاضي والسكوت عنها من دون أن تكون فيها نتائج ملموسة سواء لجان تحقيقية أو عقوبات ضد أحد المتهمين، خصوصا إذا كان القرار يضر بالمصلحة والاقتصاد العراقي، وتحديدا ما يتعلق بميناء الفاو الكبير".
اظهار أخبار متعلقة
ورغم كل مطالبات دولة الكويت، إضافة إلى دعوات دول مجلس التعاون الخليجي، العراق للعدول عن قرار إلغاء الاتفاقية التي أبرمت في عام 2013، فإن السلطات العراقية رفضت الاستجابة، وعزت الأمر إلى أن القرار قضائي بحت ولا علاقة لها به.
ومع قرار المحكمة الاتحادية إلغاء اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله، فإنه بدأ فعليا إجهاض ميناء مبارك الكبير الكويتي، الذي تقدر كلفته بنحو 1.1 مليار دولار في جزيرة بوبيان.
وقرار المحكمة العراقية جاء بناء على شكوى أقامها عدد من نواب البرلمان على اتفاقية خور عبدالله عام 2023، حيث أكد النائب سعود الساعدي عن كتلة "حقوق" التابعة لفصيل "كتائب حزب الله" في العراق، أنه كسب دعوى قضائية رفعها لإبطال اتفاقية خور عبدالله مع الكويت.
وصدّق العراق على الاتفاقية في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، في عهد الحكومة الثانية لنوري المالكي (2010 ـ 2014)، وذلك بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 في 1993، الذي ينص على تقسيم مياه خور عبد الله مناصفة بين البلدين.