فجع نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بمحاولة
انتحار أحد
المعتقلين السابقين في
السجون المصرية، خلال بث مباشر في صفحته على "فيسبوك" في وقت متأخر من مساء الأربعاء.
هذه المحاولة كانت كفيلة للبحث وراءها، ومعرفة أسبابها والدوافع التي تجبر شخصا اعتقل سابقا، على التخلص من
حياته، وتأثير فترة الاعتقال عليه وعلاقتها بالمحاولة.
وقال الشاب المصري سامح سعودي، إنه فقد الأمل من الحياة بعد تجربة اعتقاله
المتكررة، مشددا على أن السلطات المصرية أخرجته من السجن بعد التأكد من أن حياته دمرت، مقدما على قطع "شرايين يده"
محاولا الانتحار، إلا أن أحد المتابعين على صحفته أكد أنه جرى نقله بشكل عاجل
إلى المستشفى في محاولة لإنقاذه، قبل أن يتم حذف مقطع
الفيديو.
محاولة انتحار الشاب المصري أمام متابعيه لم تكن الأولى أو الأخيرة، فقبل
ساعات قليلة من كتابة هذا التقرير تداول نشطاء خبر محاولة جديدة للمعتقل في سجن بدر 3
محمود عبد الله (29 عاما) الذي حاول الانتحار حرقًا بسبب الإهمال الطبي وتجاهل إدارة
السجن لحالته الصحية؛ إذ اختفى قسرا لمدة 7 أشهر واعتقل في عام 2015 وهو يعاني من
أمراض القلب والضغط والكلى.
وكانت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان قد وثقت في وقت
سابق إقدام معتقل سياسي على محاولة الانتحار أمام النيابة بعد 7 سنوات من الحبس
الاحتياطي والتدوير.
وقالت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان في حينه، إن المعتقل الشاب أحمد محمد إبراهيم عبد
العزيز، البالغ من العمر 29 عاما، المحبوس احتياطيًا للعام السابع، حاول الانتحار أثناء
عرضه أمام نيابة جنوب الزقازيق الكلية، يوم 29 أيلول/ سبتمبر 2024، للنظر في أمر
تجديد حبسه على ذمة المحضر رقم 2973 لسنة 2024 جنح قسم القرين.
حالات الانتحار والمحاولات التي نفذها بعض المعتقلين، دعت إلى التساؤل، حول دوافعها الحقيقية، وعلاقتها بظروف الاعتقال الصعبة والمفتوحة زمنيا داخل السجون المصرية.
وكان آخر تلك الانتهاكات التي وثقتها الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، وفاة
المعتقل محمد هلال داخل مستشفى القصر العيني بعد نقله من محبسه بسجن بدر 3 بإصابات
قاتلة تُرجح تعرضه لعملية تصفية جسدية وتعذيب مميت، ما اضطر المعتقلين في المعتقل إلى الدخول في إضراب عن الطعام احتجاجا على وفاة الشاب.
3 انتهاكات تقود للانتحار
ومهما كانت أعداد محاولات الانتحار فإنها لا تنفي الانتهاكات والتعذيب والمعاملة
غير الآدمية التي يتعرض لها المعتقلون داخل السجون المصرية، حيث وثقت المنظمات
الحقوقية العديد من الانتهاكات والتعذيب والمخالفات القانونية التي يتعرض لها
المعتقلون.
وقال مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي في تصريحات خاصة
لـ"
عربي21"، إن أعداد المعتقلين تزايدت بشكل كبير منذ 2013، تعرض خلالها المعتقلون للعديد من الانتهاكات، مشددا على أنه "لولا أن المعتقلين سياسيون
ومحبوسون في قضايا رأي وأغلبهم مثقفون وغالبيتهم من الإسلاميين لزادت
نسبة محاولات الانتحار بشكل كبير وملحوظ".
وأضاف مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان أن المعتقل في مصر يتعرض لانتهاكات
عديدة سواء خلال الاعتقال أو بعد خروجه من المعتقل، ما يؤدي إلى وصول المعتقل إلى هذا الشعور.
اظهار أخبار متعلقة
وتابع بيومي بأنه "داخل المعتقل هناك ثلاثة انتهاكات شديدة وأساسية قد تؤدي إلى
تفكير المعتقل في إنهاء حياته وهي:
أولا: منع الزيارات، حيث إن منع الزيارات يتسبب في عزلة المعتقل عن العالم
الخارجي بشكل كامل، إذ تعتبر الزيارة بالنسبة للمعتقل كالنزهة التي يرى فيها دنيته
الخارجية، حيث يتمكن من رؤية أهله، ويعرف ما يدور بالخارج.
ثانيا: الإهمال الطبي، إذ يشهر المعتقل أن حياته في طريقها للنهاية، ويتعرض للموت البطيء خلف القضبان، والتي ستودي
بحياته عاجلا أم آجلا.
ثالثا: فقدان العدالة، حيث يفقد المعتقل الأمل في تحقيق العدالة
والإفراج عنه، أو تنفيذ الإجراءات القانونية، فعلى سيبل المثال وضع القانون مدة
زمنية للحبس الاحتياطي، ولكن المعتقل يظل لسنوات محبوسا احتياطيا دون مراعاة
القانون، ما يفقده الأمل في الاستمرار في الحياة، إذ إنه لا يعرف متى سيخرج من هذا النفق
المظلم.
وأضاف بيومي أن المعتقل بعد خروجه من السجن يتعرض لانتهاكات أخرى تشعره
بعدم الأمان في الحياة، حيث يتم تدويره في قضايا أخرى أو المتابعة الأمنية في
الأقسام، كما أنه يتعرض للاعتقال مجددا.
أسلوب اعتراض
الإعلامي المصري والحقوقي مسعد البربري، تعرض في منشور له على منصة إكس لقضية محاولات انتحار المعتقلين، وذكر تجربته الخاصة أثناء اعتقاله السابق.
وقال إنه مر خلال فترة اعتقاله في مصر على 4 أماكن احتجاز مختلفة، وهي سجن استقبال
طرة - ليمان 440 وادي النطرون - سجن العقرب - أقسام شرطة، فضلا عن عدد كبير
من جلسات المحاكمات وما يصحبها من لقاء معتقلين من مختلف السجون والمحافظات.
وأضاف البربري أنه بعد الخروج من المعتقل وفر له نشاطه في مجال حقوق
الإنسان المتابعة الجيدة لملف المعتقلين بكل تفصيلاته، الأمر الذي أتاح له كما كبيرا من المعلومات، مشيرا إلى أن محاولات الانتحار لم تكن جميعها جادة أو بهدف إنهاء
الحياة، فأغلبها بغرض الضغط في محاولة استخلاص بعض الحقوق أو تخفيف الضغوط التي لا
تتوقف عنها الجهات الأمنية.
وتابع قائلا إن الانتحار كما الإضراب عن الطعام في فلسفة المعتقلين هو وسيلة
دفاع عن النفس، وإن اختلفت الحدة.
اظهار أخبار متعلقة
استنزاف الطاقة النفسية
وذكرت منظمات حقوقية ونشطاء أن المعتقل المصري يتعرض للعديد من
الانتهاكات داخل المعتقل ما يؤثر على حالته النفسية ويدخله في حالة نفسية سيئة، قد تدفعه إلى التفكير في التخلص من حياته.
وقالت طبيبة
الصحة النفسية نهى قاسم، في تصريحات خاصة لـ"
عربي21"، إن فكرة الانتحار والتخلص من الحياة قد تأتي للمعتقل، سواء داخل السجن أو خارجه بعد
استنزاف طاقته النفسية، نظرا لما يتعرض له خلال فترة
اعتقاله.
وقسمت طبيبة الصحة النفسة طبيعة المعتقل من الناحية النفسية وتفكيره في
التخلص من حياته إلى ثلاثة أقسام، فالعدد الأكبر يأتيه هذا الشعور نظرا لاستنزاف
طاقته النفسية نتيجة ما يتعرض له، ومنهم من يقوم بهذا التصرف كنوع من الاعتراض، ولكنه
يكون في كامل وعيه ولا يكمل عملية الانتحار بشكل كامل كغيره، بل إنها تكون عملية محسوبة.
وأضافت أن الفريق الآخر الذي يتحول بالفعل إلى مريض نفسي، مرده إلى الطبيعة الجينية التي تؤكدها الأبحاث من أن هناك 5 بالمئة داخل المجتمعات معرضة للمرض
النفسي جينيا، وقد يكون المعتقل من هذا الفريق نظرا لما يتعرض له واستجابته
الجينية بتلك النسبة.
لماذا تختلف معاناة المعتقل السياسي؟
وقالت قاسم، إن وضع المعتقل داخل السجون المصرية مختلف عن السجين الجنائي،
حيث إنه يتعرض لمراحل عديدة من الظلم تؤثر في الصحة النفسية واستنزافها، فالبداية معه
تبدأ باعتقاله في قضايا رأي، ويبدأ أيامه داخل المعتقل بفقدان اللوم
النفسي، على عكس السجين الجنائي الذي ارتكب جريمة يحاسب عليها ويتقبل عقابه.
وأضافت أن المعتقل السياسي في هذه المرحلة يتعرض لبعض المشاعر السلبية
لإحساسه بالظلم وكونه يساوم ويعاقب على أفكاره وآرائه، ولكن بعد انتهاء تلك المرحلة
يتعرض للتعذيب غير الآدمي، ما يعرضه لآلام شديدة نفسية وجسدية، ومنهم من يتعرض
لضغوط مخالفة لعادته وتقاليد وقيم المجتمع مقابل التوقف عن تعذيبه كالاعتراف
بجرائم لم يرتكبها أو الاعتراف على أشخاص آخرين، ما يزيد من آلامه النفسية.
اظهار أخبار متعلقة
وتابعت طبيبة الصحة النفسية بأن المعتقل يصل لمرحلة إحساسه بالمصير المجهول،
بعد أن يعيش أياما يشهد فيها محاولات كسره كإنسان، وغياب التواصل الخارجي وانعزاله
عن العالم وعن أهله، الشعور الذي يتجدد مع كل مناسبة يمر بها داخل محبسه، وقد يزيد
ذلك الشعور بالألم والحسرة إذا كان مسؤولا عن عائلة وأسرة في الخارج، ويصبح صراعه
على الحصول على أقل الحقوق الممكنة كدخول الحمام، ما يشعره بالقهر الذي لا ينتهي.
معاناة لا تنتهي بالخروج من المعتقل
أكملت قاسم حديثها بالقول، إن المعتقل حال خروجه لا تنتهي معاناته، بل ينتقل لمرحلة
جديدة من الضغوط سواء من المتابعة الأمنية التي تضعه تحت الضغط أو التدوير في
قضايا أخرى، قائلة إن كثيرا من الحالات التي تتابعها بشكل دائم تتعرض لانتكاسات
نفسية مع كل زيارة للمتابعة الأمنية.
وأضافت إلى ذلك أن المعتقل يشعر بعد خروجه بالتقصير تجاه أهله وأسرته بالإضافة
إلى نظرة المجتمع له والخوف من التعامل معه بصفته معتقلا سابقا وفشله في الحصول على
عمل يشعره بأن حياته قد انتهت.
واختتم قاسم حديثها بالتأكيد على أن الجانب الإيجابي في آلاف
المعتقلين الذين لديهم القوة النفسية التي تجعلهم
يتخطون تلك الأزمات، رغم تلك الانتهاكات والضغوط النفسية.