"صب جديد في المصلحة" هو تعبير تداوله
مصريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واستيقظ عليه الكثيرون، صباح الجمعة، وذلك في معرض رفضهم لقرار حكومي برفع
أسعار المحروقات بنسب تتراوح بين (8-17 بالمئة)، والذي وصفوه بالصادم وغير المنطقي، نظرا لتراجع
سعر البترول عالميا.
ولتحقّق وفرة قدرها 35 مليار جنيه في ميزانية (2024-2025)، رفعت
الحكومة المصرية أسعار الوقود، لتشمل جميع أنواع البنزين والسولار بزيادة كبيرة وموحدة بقيمة 2 جنيه للتر لكل نوع، وسط تطورات كبيرة شهدها الجمعة والسبت، مع رفع أسعار الركوب والنقل والمواصلات، والمأكولات والخبز وغيرها من السلع.
"تفاصيل القرار"
حسب الأسعار الجديدة، صعد سعر "بنزين 95" –وقود الأغنياء- من 17 إلى 19 جنيها للتر بزيادة 11.8 بالمئة، و"بنزين 92" من 15.25 إلى 17.25 جنيها للتر بزيادة 13.1 بالمئة، و"بنزين 80" –يستخدمه الفقراء- من 13.75 إلى 15.75 جنيها للتر بزيادة 14.5 بالمئة.
و"السولار" من 13.5 إلى 15.5 جنيها للتر بنسبة 14.8 بالمئة، فيما جرى رفع سعر الكيروسين بنسبة 14.8 بالمئة إلى 15.50 جنيها للتر بدلا من 13.50 جنيها.
كذلك، زادت حكومة رئيس النظام المصري، عبد الفتاح
السيسي، بقيادة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، سعر أسطوانة البوتاجاز المنزلي (12.5 كجم) 50 جنيها دفعة واحدة (من 150 إلى 200 جنيه) بزيادة 33 بالمئة، وأسطوانة البوتاجاز التجاري 100 جنيه كاملة، (من 300 إلى 400 جنيه).
ورفعت طن الغاز الصب من 12 إلى 16 ألف جنيه، وطن المازوت من 9500 إلى 10500 جنيه للطن، مع رفع الغاز المورد لقمائن الطوب من 190 إلى 210 جنيهات للمليون وحدة حرارية، وتثبيت المازوت المورد للكهرباء والصناعات الغذائية، وغاز تموين السيارات.
اظهار أخبار متعلقة
"مفارقة سعر البترول"
القرار الصادر عن لجنة تسعير المواد البترولية في مصر والمنوط بها مراجعة أسعار المحروقات بشكل ربع سنوي، اعتمادا على سعر النفط بالأسواق العالمية، يأتي رغم تراجع سعر البترول عالميا لأدنى مستوى منذ 2020، ووصول سعر البرميل إلى ما بين 60 و63 دولارا للبرميل.
وحدّدت الحكومة المصرية مخصصات الوقود في موازنة (2024/2025) على أساس سعر برميل البترول 85 دولارا، ما يعني وفق المحلل الاقتصادي، إلهامي الميرغني، ومع وصول سعر البرميل 60 دولارا أن هناك توفيرا بالموازنة يبلغ 25 دولارا بكل برميل، ملمحا عبر "فيسبوك" إلى أنه كان يجب تخفيض أسعار الوقود المحلية وليس رفعها تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي.
وخفضت الحكومة من تقديراتها لسعر البترول في موازنة العام (2026/2025)، إلى 77 دولارا للبرميل بانخفاض عن موازنة العام المالي الحالي بـ5 دولارات، فيما تستهدف خفض مخصصات دعم الوقود بمشروع الموازنة لـ75 مليار جنيه.
قرار مصر رفع أسعار المحروقات هو الرابع خلال عام، والثاني خلال 6 شهور، ويأتي بعد رفع طال أسعار الوقود 3 مرات خلال العام الماضي، فيما يتزامن مع قرارات خفض عدة دول عربية أسعار المحروقات بينها الأردن وقطر والإمارات والمغرب.
وبهذا القرار، زادت أسعار الوقود بالبلاد للمرة الـ19 منذ بدء عمل لجنة التسعير تموز/ يوليو 2019، بزيادة إجمالية بلغت 181 بالمئة للسولار، (ارتفع من 5.50 لـ15.50 جنيها للتر)، و186 بالمئة لبنزين 80 (من 5.50 إلى 15.75 جنيها)، و155 بالمئة لبنزين 92 (من 6.75 إلى 17.25 جنيها)، و145 بالمئة لبنزين 95 (من 7.75 جنيه إلى 19 جنيها).
وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، سخر الكاتب الصحفي، مصطفى عبدالسلام، من القرار لافتا إلى أنّ: "أسعار البترول تراجعت في الأسواق الدولية بنسبة 15 بالمئة في الأسبوع الأخير، فردت الحكومة على التراجع برفع أسعار السولار والبنزين بنسبة 15 بالمئة".
ولفت الخبير مصطفى عادل، إلى مخالفة الحكومة للمرة الثالثة (البند 7)، في عمل لجنة تسعير المنتجات البترولية بألا تتجاوز نسبة التغيير بسعر البيع المستهلك ارتفاعا أو انخفاضا عن 10 بالمئة، مؤكدا أن زيادة 2 جنيه يعني أكثر من 14.5 بالمئة.
"زيادات فورية"
تحركت أسعار النقل والمواصلات، مباشرة عقب إعلان كل محافظة عن تعريفة الركوب الجديدة، وبينها في العاصمة القاهرة، زيادة 15 بالمئة في تعريفة ركوب الميكروباص والنقل الجماعي والعام، والتاكسي الأبيض، الذي تحدد له مبلغ 11.5 جنيه لفتح العداد و25 جنيها لساعة الانتظار.
شعبة المخابز باتحاد الغرف التجارية المصري، أعلنت بدورها عن ارتفاع بأسعار الخبز السياحي بنسبة 10 بالمئة، نتيجة لزيادة سعر أسطوانة البوتاجاز التجارية.
وتحدّث رئيس جمعية الحق في الدواء، محمود فؤاد، عن زيادات محتملة في أسعار الدواء إثر قرار رفع أسعار الوقود، مشيرا إلى بيان رسمي بوجود خطط لزيادة أسعار الأدوية، وأنه بحسب القرار الوزاري (499) في حالات عدم استقرار أسعار العملة تتم الزيادة (تلقائيا).
من جانبه، لفت الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، إلى تأثير القرار على الاستثمار في مصر، مشيرا عبر "فيسبوك" إلى أنّ: "القرار يأتي في ظل حالة عدم يقين تسود الاقتصاد العالمي"، مؤكدا أنّ: "الحكومة تغامر بضرب أركان الاستقرار الذي قد يكون سببا لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر".
"أجواء القرار"
سياسيا، يأتي القرار بعد أيام من تظاهرات شعبية حشدت لها الدولة وأحزاب الموالاة، أمام معبر رفح البري مع قطاع غزة، إذ هتف آلاف المصريين تأييدا للسيسي، ورفضا لتهجير الفلسطينيين، ما دفع البعض لوصف تلك المظاهرات بأنها كانت خدعة حصل بها رئيس النظام على دعم شعبي أتبعه بقرار رفع أسعار الوقود.
وربط متابعون بين قرار رفع أسعار المحروقات وبين ضغوط صندوق النقد الدولي على القاهرة –ثاني أكبر مدين للمؤسسة الدولية- بشأن تقليل دعم المواد البترولية في الموازنة العامة للدولة، خاصة وأن ذلك القرار يأتي بعد أيام من صرف الصندوق 1.2 مليار دولار قيمة الشريحة الرابعة من قرض المليارات الثمانية المقرر لمصر.
وخلال عهد السيسي، تحرّك سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي من 7 إلى 51.29 جنيه وفق سعر السبت رسميا، ومن 80 قرشا إلى 15.75 جنيه وصل سعر (بنزين 80)، ومن 2.6 إلى 17.25 تحرك (بنزين 92)، ومن 1.8 إلى 15.25 وصل سعر السولار.
كذلك، ارتفع سعر أنبوبة الغاز المنزلي من 7 جنيهات إلى 200 جنيه، وهو ما قابله ارتفاع الدين الخارجي من نحو 40 مليار دولار إلى أكثر من 160 مليار دولار.
وفي ظل تلك الأوضاع، يعاني المصريون مع نسب فقر تصل 60 بالمئة بحسب تقرير للبنك الدولي في آيار/ مايو 2019، ومعاناة نحو 40 بالمئة وبحسب تصريح لرئيس الوزراء، الشهر الماضي، من أمراض فقر الدم (الأنيميا)، إلى جانب تراجع استهلاك المصريين من اللحوم إلى النصف وفق تقرير لمركز "بصيرة" 20 آذار/ مارس الماضي.
كما يتزامن القرار مع عودة التضخم إلى التسارع في آذار/ مارس الماضي، وتخليه عن مساره الهبوطي الذي استمر 6 أشهر ليرتفع إلى 13.6 بالمئة، فيما حلت مصر بالمرتبة الـ135 بين 140 دولة رصدها تقرير السعادة العالمي لعام 2025.
اظهار أخبار متعلقة
"تبرير غير مقنع"
في الوقت الذي صبّ فيه مصريون جام غضبهم على الحكومة، أثارت تبريرات وزارة البترول، لقرار رفع أسعار الوقود انتقادات خبراء ومحللين، واعتبروها صادمة للمصريين، وتؤكد استمرار توجه الدولة لرفع أسعار الوقود مجددا خلال العام.
وقالت الوزارة، الجمعة: "على الرغم من الزيادات السعرية الأخيرة في المنتجات البترولية، لا تزال الفجوة السعرية قائمة بين التكلفة وسعر البيع نتيجة الزيادة الكبيرة في التكاليف والتي لم تستوعبها تلك الزيادات بعد".
البيان أكّد أنّ: "الدولة تستورد 40 بالمئة من كمية استهلاك السولار، و50 بالمئة من كمية استهلاك البوتاغاز، و25 بالمئة من كميات استهلاك البنزين"، موضحا أنّ: "الدعم اليومي وفقا للأسعار المعلنة التي تتحملها الدولة نتيجة الفجوة بين الأسعار والتكلفة الفعلية التي تتحملها الدولة لمنتجات البنزين والسولار والبوتاجاز حوالي 366 مليون جنيه يوميا بما يعادل 11 مليار جنيه شهريا".
تناقض حكومي
أشار البعض إلى تناقض التصريحات الحكومية بهذا الملف، ففي 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، قال مدبولي، المنحدر من محافظة المنيا بصعيد مصر، إنّه: "إذا استقر سعر النفط بين 73 و74 دولارا للبرميل، سيكون لدينا فرصة لعدم زيادة أسعار المواد البترولية بالصورة المخطط لها في 2025".
وتراجع خام "برنت" دون مستوى 63 دولارا للبرميل، بانخفاض نسبته 4 بالمئة خلال الأسبوع، بعدما بلغ أدنى مستوى له منذ 4 سنوات، أما خام "غرب تكساس" الوسيط فتداول قرب 59 دولارا، وفق لموقع "بلومبيرغ" الاقتصادي الأمريكي.
لكن مدبولي، وخلال مؤتمر صحفي، حول تراجع سعر النفط عالميا، قال الأربعاء الماضي، إنّ: "انخفاض أسعار النفط عالميا لا يؤثر مباشرة على السعر المحلي للبترول"، ورغم تقديمه بعض المبررات بأن القصة لها حسابات معقدة إلا أن البعض اعتبر أنّ تصريحه هو تراجع عن تصريحه السابق، مشيرين إلى أنّ: "حجم التراجع أكبر مما ذكره مسبقا بأكثر من 10 دولارات".
وفي الأثناء تجري بالقاهرة الاستعدادات على قدم وساق، لافتتاح المتحف المصري الكبير، في الذكرى الـ12 لانقلاب السيسي 3 تموز/ يوليو 2013، بحضور قادة وزعماء دول العام، وسط تكلفة مالية كبيرة توقعها مراقبون.
اظهار أخبار متعلقة
"خطة معدة"
الباحث المصري في الملف الاقتصادي والعمالي، حسن بربري، وفي تفسيره لأسباب رفع مصر أسعار المحروقات رغم الانخفاض القياسي بأسعار البترول عالميا، قال إنها "خطة موضوعة بشروط صندوق النقد لتخفيض الدعم عن كل مصادر الطاقة، ما يتبعه موجة ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات المرتبطة بالوقود".
القيادي بحزب "التحالف الشعبي" أضاف لـ"عربي21": "منذ إعلان خطة رفع الدعم توقعنا حدوث عدم استقرار بالسوق، وهذه المرة قد يستمر مدة عام"، مؤكدا أن "المفروض أن تتجنب الحكومة هذا الموقف والبحث عن بدائل أخرى".
وأوضح أنّ: "مستوى معيشة المصريين لا يمكنه تحمل التكلفة الكبيرة من خفض الدعم الفترة السابقة والمقبلة، وأن كل ما فعلته الحكومة هو رفع الحد الأدنى للأجور بزيادة ضئيلة بقيمة 1000 جنيه العام الماضي، وهو ما لا تطبقه كل الشركات، وحال تنفيذه لا يحصل العامل على المبلغ كاملا، ويتقلى بأفضل الحالات 5500 جنيه فقط شهريا (نحو 100 دولار)".
"من يدفع الثمن؟"
الناشط العمالي قال إنّ: "الفقراء من يدفعون الثمن"، ملمحا إلى أن "الموازنة الجديدة انخفض فيها الدعم من 60 إلى 70 بالمئة، وبالتالي كل الخدمات المطلوبة للفقراء من مستشفيات ومدارس وغيرها لم تعد في متناول الجميع، وبدا هذا واضحا الفترة الأخيرة".
وأضاف: "فما بالك عندما تزيد الأسعار بهذا الشكل المخيف، سنرى اضطرابات بالأسواق تخص المواد الغذائية التي يعتمد عليها الفقراء"، ملمحا إلى "تصريح (شعبة المخابز) بأنهم سيحافظون على سعر الخبز المدعم ولكنهم سيقللون حجمه نحو 20 جراما".
ويرى بربري، أن "هذا أمر مفزع للمستهلكين، والمفروض أن هذا سيتكرر مرتين هذا العام بعد 6 شهور وبنهاية العام، وفقا للتصريحات الحكومية بحيث ينتهي دعم الوقود تماما، لذا فهي سنة صعبة على الفقراء وعلى الخدمات".
إلى ذلك، أشار إلى أنّ: "الفقراء سيدفعون الثمن أيضا، لأن الموازنة موجهة كلها لسداد خدمة الدين الخارجي"، لافتا إلى أنه "في زيارة الرئيس الفرنسي لمصر قبل أيام عُقدت اتفاقيات بقروض جديدة لبنية تحتية".
وأكّد أنّ: "مردود هذه القروض على المواطن ضعيف جدا، ولا تعود على السوق ولا الاستثمارات والصناعة، ولا تقلل الضغوط على الفقراء".
اظهار أخبار متعلقة
"تحرك برلماني"
أعلن النائبان البرلمانيان، رئيس حزب "العدل" عبد المنعم إمام، وضياء الدين داود، عن تقديم بيانين عاجلين بمجلس النواب، الأحد.
وأكد إمام، أنها الزيادة الـ19 في آخر 6 سنوات وأنها جاءت "بنسب كبيرة وغير مسبوقة، وبدون أي إجراءات موازية لحماية الفئات الأكثر تضررا"، منتقدا في الوقت نفسه تجاهل تراجع سعر البترول عالميا.
وأشار داود، إلى أنّ: "التوقيت غير مناسب ويأتي في وقت تتراص فيه قوى الشعب باختلاف توجهاتها السياسية حول الموقف الشامل للدولة المصرية في مواجهة المخاطر والتهديدات الخارجية حفاظا على الأمن القومي المصري".
وفي سياق متصل، رصدت "عربي21"، بعض ردود الفعل الغاضبة من تأثير القرار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبينها لأستاذ الإعلام بجامعة القاهرة الدكتور محمود خليل، الذي تحدث عن المعادلة المختلة بين الأجور والدخول والأسعار، مؤكدا أنها ستؤدي إلى ركود والركود سيؤدي إلى كساد.
من جهتها، قالت الإعلامية، قصواء الخيلالي: "هذا الوضع القاسي على المصريين، ابن شرعي لعشوائية الحكومة لسنوات، وتخبطها، وضعفها، وقراراتها غير المحسوبة، وقلة خبراتها، وعنجهية معظم وزرائها، وانفرادهم بالرأي دون مشورة متخصصة، مع حمايتهم المطلقة من أي محاسبة صورية، أو حقيقية".
وأكدت الخيلالي: "الخبراء الوطنيون، قدموا كل ما يؤكد أننا تحولنا مع حكومات د.مدبولي إلى دولة مأزومة اقتصاديا، ومتخبطة حكوميا، وتمر بعشوائية تنفيذية، وهدم تاريخي، واضطراب للاقتصاد، واستثمار بالبيع، وضرائب ضخمة، وخدمات بمقابل، ورسوم على كل شيء".
وانتقد الأكاديمي المصري، محمد أحمد عزب، استمرار الحكومة في رفع أسعار الوقود، في الوقت الذي تواصل فيه بيع الشركات العامة والحكومية والفنادق التاريخية ومقرات الوزارات بالقاهرة والأراضي الاستراتيجية مثل رأس الحكمة.
ووجّه الباحث خالد الأصور، انتقاداته لرئيس الوزراء واصفا إياه بـ"السكرتير"، ومنتقدا سياسات رئيس النظام، وعدم اعتماده على دراسات الجدوى بالمشروعات، وإصراره على بناء مشروعات مثل القصور الرئاسية وأكبر مسجد وأكبر كنيسة وأطول برج.