ولج جراح الصدمات الأمريكي،
فيروز سيدواها، قطاع
غزة المحاصر، والذي يعيش أهوال عدوان الاحتلال الإسرائيلي، بقلبٍ يخفق بالإنسانية، حيث شهد بأم عينيه كيف تتحوّل المستشفيات إلى ساحات حرب، وكيف يتحطم كل مبدأ من مبادئ القانون الدولي الإنساني تحت دوي قصف متواصل من جيش الاحتلال.
وشهد سيدواها، من قلب مستشفى ناصر في
خان يونس، المتواجد بجنوبي القطاع، وجهًا آخر للدمار؛ فيما روى لمجلة "+972" العبرية، تفاصيل انعدام أي مكان للأمان في غزة، حتّى الأسرة البيضاء لم تعد لها حرمة.
وبينما كان الطبيب المتطوع فيروز، في طريقه إلى قسم الجراحة بمستشفى ناصر في خان يونس، في مساء 23 آذار/ مارس، سمع دويّ انفجار قريب ناتج عن غارة جوية للاحتلال الإسرائيلي استهدفت القيادي في حركة "حماس"، إسماعيل برهوم، الذي كان يتلقى العلاج داخل المستشفى.
ويقول الطبيب، إنّ: "القصف لم يقتصر على الهدف المعلن، بل امتدّ إلى مريض آخر، وهو فتى يبلغ من العمر 16 عامًا يُدعى إبراهيم، استُشهِد وهو على سريره".
وتابع فيروز بحزن عميق: "كان من المفترض أن يغادر المستشفى في ذلك اليوم، أجرينا له جراحة في القولون وأعدناه إلى الجناح؛ كان يتحسن، لم أتصور قط أن يُقتل مريض تحت رعايتي، في سريره".
"لو لم أكن في وحدة العناية المركزة حينها، لكنت الآن في عداد القتلى" استرسل الطبيب نفسه في الكشف عمّا عايشه من مأساة إنسانية، مستنكرا في الوقت نفسه التبرير الذي ساقه جيش الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا: "أحد أقدس مبادئ القانون الإنساني هو أن الجرحى غير المشاركين في القتال يُعتبرون محميين".
وبحسب فيروز، فإنّ علاقته بغزة، قد بدأت برسالة، ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شارك مع أكثر من مئة طبيب أمريكي في توقيع رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأمريكي ونائبته، دعوا فيها إلى وقف الحرب وإنهاء شحنات السلاح الأمريكي إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، بناء على ما عاينوه خلال تطوعهم في غزة، وبعد أسابيع وقّع أكثر من مئة طبيب إسرائيلي رسالة تضامن مماثلة.
إلى ذلك، عاد جراح الصدمات الأمريكي إلى غزة، في آذار/ مارس 2024، في مهمة تطوعية جديدة مع فريق من منظمة "ميدجلوبال"، ليستقر هذه المرة في مستشفى ناصر، وبالرغم من تاريخه الطويل في العمل في مناطق الكوارث مثل أوكرانيا وهايتي، إلّا أنه أكّد أنّ: "غزة تمثل حالة استثنائية من الدمار"، مبرزا: "حتى في أوكرانيا، حيث زرتها ثلاث مرات منذ الحرب الروسية، لم أتعرض قط لخطر القصف المباشر كما يحدث في غزة".
تمّت المهمة الثانية لفيروز في ظروف أشدّ قسوة، خاصة عقب ما وصفه بـ"مجزرة رمضان" التي شنها الاحتلال الإسرائيلي في 18 آذار/ مارس، عندما قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي ما يناهز 100 موقع، في وقت واحد خلال وجبة السحور، ما أدّى إلى استشهاد أكثر من 400 فلسطيني، بينهم 174 طفلًا.
اظهار أخبار متعلقة
وفي سياق متصل، روى الطبيب: "في غضون ست ساعات فقط، عالجنا ما يقارب 130 مصابا، وأجريت تسع عمليات جراحية، ست منها بشكل فوري، ونصفها كان لأطفال"، مسترسلا: "في الولايات المتحدة، لا أجري هذا العدد من جراحات الأطفال في عام كامل".
يرى فيروز أنّ: "المخاطرة بولوج غزة هي واجب أخلاقي" على الرغم من إدراكه أن الأمر قد يكلفه حياته، وقال: "هذا أكثر الأماكن عنفا التي زرتها في حياتي، وربما الأكثر عنفا في العالم خلال الستين عامًا الماضية؛ إذا أرادت إسرائيل قتلك، فستفعل ولن يُحاسبها أحد، حتى حكومتك".
وأكّد أن موظفة من السفارة الأمريكية، قد اتصلت به مباشرة بعد القصف، للاطمئنان، فقال لها: "هل يمكنكِ أن تطلبي من الإسرائيليين التوقف عن قصف مستشفى ناصر؟"، فردّت: "هذا ليس من اختصاصنا".