كتاب عربي 21

تصريحات المبعوث الأمريكي عن النظام المصري.. محاولة للفهم!

سليم عزوز
"القلق وحده هو الذي يدفع بعدم قيام السلطة بفتح صفحة جديدة"- الرئاسة المصرية
"القلق وحده هو الذي يدفع بعدم قيام السلطة بفتح صفحة جديدة"- الرئاسة المصرية
ربما اتضحت الرؤية الآن..

فقبلا كتبت هنا عن مظاهر القلق، الذي ينتاب السلطة في مصر، وهو قلق من قبل التغيير الكبير الذي جرى في سوريا، وأبديت حيرتي لأن هذا القلق يأتي في وقت يبدو فيه الشعب في حالة استسلام تام لمصيره، فمن يقدر على المواجهة، ولو بشطر كلمة؟ بيد أن الأيام القليلة الماضية حملت تبديدا لهذه الحيرة، من خلال تصريحات مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف!

لقد عاد الجنرال وزاد في أن يده ليست ملوثة بالدماء، كما لو كانت الثورة تدق أبواب القصر الجمهوري، وهو ما قاله أكثر من مرة، فإذا كانت المرة الأولى من تجليات حديث مع النفس نطق به لسانه، فبعد الاستقبال الساخر لذلك كان ينبغي الانتباه، فعفو الخاطر ليس جائزا مع وجود المتربصين بكثافة، لكن المفاجأة أنه كرر الأمر فيده ليست "متعاصة في الدماء"، أو كما قال!

وهذا فضلا عن أننا نرى الانهماك في تشكيل الدولة الموازية على قدم وساق، استلهاما لتجربة الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ومن بعده الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ومع الفشل لهذه التجربة إلا أنها لا تزال تمثل إلهاما في شمال الوادي، مع الخلاف بين طبيعة تكوين قوات الدعم السريع واتحاد القبائل العربية، حتى وإن كان الأخير يملك ذراعا عسكريا ممثلا في قوة قوامها ثلاثين ألف شخص، تعمل في مجال تأمين المؤسسات العامة!

نرى الانهماك في تشكيل الدولة الموازية على قدم وساق، استلهاما لتجربة الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ومن بعده الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ومع الفشل لهذه التجربة إلا أنها لا تزال تمثل إلهاما في شمال الوادي، مع الخلاف بين طبيعة تكوين قوات الدعم السريع واتحاد القبائل العربية، حتى وإن كان الأخير يملك ذراعا عسكريا

وفي هذا الصدد لا ينبغي أن ننسى أن واحدة من الخيبات الثقيلة التي ارتكبها البرهان، الذي كان ينظر تحت قدميه، هو أنه مكّن حميدتي وقواته من حماية المؤسسات العامة، فلما حانت ساعة المواجهة سقطت هذه المؤسسات في قبضته، لتكون المفاجأة لنا أنه مع تقدم الجيش (للدقة ليس هو الجيش تماما) يتم الإعلان عن تحرير مؤسسات كبرى، مثل القصر الرئاسي، ومبنى المخابرات العامة، والبنك المركزي، ليوحي المشهد أن السودان كله كان في قبضة قوات الدعم السريع على مدى عام من بدء المواجهات، فأين كان يرابط الجيش؟ بل أين كان يرابط البرهان، الذي غلبت عليه شقوته وظن أن حميدتي يمكن أن يكون "حمايته" فيمكنه من حكم السودان، غير مستوعب لدرس حميدتي نفسه مع البشير الذي اجتباه واصطفاه وصنعه على عينه، فخذله عند أول منعطف، وصار يتحدث عن الحكم العلماني والمدني وعن رفضه لحكم الإسلاميين؟ لقد تثقف الرجل!

لأحد يتعلم، ليس فقط من دروس التاريخ ولكن من دروس الحاضر، وبعيدا عن ذلك، فلا يجوز القياس بين الحالتين؛ المصرية والسودانية، حتى وإن تفاخر رمز الحالة المصرية بأعداد عناصره المدربة على العمل في أمن الشركات والمؤسسات ونحو ذلك!

عدم الإفراج عن المعتقلين:

ما علينا، فالقلق وحده هو الذي يدفع بعدم قيام السلطة بفتح صفحة جديدة، بإطلاق سراح المعتقلين، وكل الأنظمة عندما يستتب لها الأمر فإنها تبدأ في طي صفحة الماضي، حتى مع الذين اعتقلهم جمال عبد الناصر على خلفية أزمة آذار/ مارس 1954 مع صراعه على الحكم مع الرئيس محمد نجيب، واستفاد الإخوان المسلمون أنفسهم من شعور عبد الناصر بالتمكين، والأمر نفسه تكرر مع الرئيس السادات مع من أطلق عليهم مراكز القوى، فقام باستخدام سلطته في خفض العقوبات، وتجاوز الأمر برمته فبدت 15 مايو، أو ثورة التصحيح، كما لو كانت لا تعني سوى موسى صبري!

وفي التاريخ القريب، فإن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بعد شعوره بالتمكن من الحكم، فقد أطلق مبادرة العفو لمن غادروا البلاد من قيادات وعناصر حركة النهضة، وقال إن العفو لمن يطلبه!

وفي الحالة المصرية الراهنة، فإن الأمر تجاوز الإبقاء على المعتقلين في السجون، إلى إعادة اعتقال من تم اعتقالهم ومن لم يعتقلوا في بداية الأحداث، إلى الاستمرار في سياسة حرمان من في الخارج من تجديد وثائق سفرهم وبطاقات الرقم القومي، مع ما يترتب على ذلك من آثار، ولك أن تندهش إذا علمت أن مواليد جددا قد يحرمون من ذلك، فلا شهادات ميلاد، ولا جوازات سفر، مع منع العوائل من السفر، وهو أمر عندما يؤرخ له سيمثل واحدة من مساخر الاستبداد في طبعته الأكثر رداءة، فقد تجاوز الديكتاتوريات القديمة وصار يمارس المكايدة السياسية، وفق قواعد "والنبي لنكيد العزال" (ولمن يريد المزيد من الإيضاح فليستمع إلى الأغنية التي تحمل هذا الاسم لمحرم فؤاد 1971)!

لقد أرهقنا أنفسنا في إرسال الرسائل للجنرال والتذكير بمقولة عباس العقاد أن جيلا واحدا لن يقوم بثورتين، وأنه لا معنى للإبقاء على السجون ممتلئة بسجناء الرأي، والمؤكد أن أحدا من الذين قضوا كل هذه السنوات خلف القضبان لن يدعو لثورة أو يشارك فيها!

ولم ننتبه إلى أن الجنرال ربما يدرك ذلك، لكنه يريد الظهور بمظهر من إذا قدر لن يعفو، فلا تسول لأحد نفسه أن يسير في طريق معارضته، على أمل أنه إذا اعتقل فمن المحتمل الإفراج عنه!

الوضع القلق:
يبدو أن الأمر ليس كما نراه، وأن هناك ما لا نعلمه، ويعلمه غيرنا، هو السبب في عدم استقرار الأحوال، وأن القلق له ما يبرره، على النحو الذي ذكره مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط، الذي قال باحتمال سقوط النظام المصري

وبجانب هذا، فيبدو أن الأمر ليس كما نراه، وأن هناك ما لا نعلمه، ويعلمه غيرنا، هو السبب في عدم استقرار الأحوال، وأن القلق له ما يبرره، على النحو الذي ذكره مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط، الذي قال باحتمال سقوط النظام المصري، "فمصر وضعها مقلق، حيث إن معدلات البطالة مرتفعة وتصل بين الشباب لنسبة 45 في المئة"، مشيرا إلى أنه "لا يمكن لبلد أن يبقى بهذا الوضع"!

وأضاف: "هم مفلسون إلى حد كبير، ويحتاجون لكثير من العون"، لأنه "إذا حدث شيء في مصر فسيأخذنا ذلك إلى الوراء".

هناك من ذهبوا للقول: ولماذا لم ترد عليه السلطة المصرية؟ وقلت: ولماذا ترد عليه؟ صحيح أن التصريح نقل حالة القلق الخفي للناس، لكن من الواضح أن المبعوث الأمريكي يعرف ما يعرف النظام المصري أنه صحيح، هذا بجانب أن الرجل يتحدث عن ضرورة تقديم "الكثير من العون"، وهذه دعوة لا تُرفض لدى القوم، فهم يريدون الكثير من العون، ودائمو الجهر بذلك، فحسنا أن هناك من يتولى هذا نيابة عنهم وقد يكون صوته مسموعا بحكم موقعه!

لست مع الذين تحركت في أحشائهم أجنة الوطنية، فأعلنوا رفضهم لهذه التصريحات بحسبانها ابتزازا للنظام المصري وربما تهديدا له للقبول بسياسة التهجير التي دعا لها الرئيس الأمريكي، والأمر على خلاف ذلك، فالتهديد له قنواته الرسمية التي تكون أشد تأثيرا، من رسائل مبطنة في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب!

أعلم أن الموقف المصري من أزمة غزة تغير كثيرا في الآونة الأخيرة، عما كان الحال عليه من قبل، وهو لا يدخل في حساب المناورات، وقد جمعتني المصادفة مع مسؤول بحركة حماس، ثمّن هذا التحول، في تقدير مسكون بالدهشة؛ فهناك رفض حقيقي لموضوع التهجير!

وهذا التحول برأيي لأن داخل مؤسسات الدولة المصرية رفض للتهجير، وعندما نتذكر استعداد السيسي لتنفيذ صفقة القرن في السابق، ورفض التهجير الآن، فإن هذا أحد المظاهر الدالة على أن الوضع الداخلي لم يعد قائما على قاعد من يأمر فيطاع في كل الملفات، ولأن هناك خوفا حقيقيا من تدهور الأوضاع الداخلية في حال القبول بالتهجير!

بماذا يهدد المبعوث الأمريكي في حال عدم القبول بالتهجير؟ إسقاط النظام؟ وهل يضمن أن النظام الجديد يمكنه القبول بذلك، وهو الأمر الذي رفضته الحكومات المصرية المتعاقبة حتى والبلاد تقع تحت الاحتلال الإنجليزي؟!

لست متأكدا من أن يؤدي الإقرار بالإفلاس وزيادة معدلات البطالة إلى انفلات الأوضاع، لكني في المقابل لست متأكدا من أن دعوة ستيف ويتكوف ستجد آذانا صاغية، فقد اتسع الرتق على الراقع، فكم يكفي مصر لتنهض اقتصاديا في الحدود المقبولة؟!

استحالة تقديم العون:
القلق الذي رأينا مظاهره، ولم ندرك أسبابه، قائم على تقارير خارجية اطلع عليها مبعوث ترامب للشرق الأوسط فقال باحتمالية سقوط النظام المصري، لكن هل لا تزال تقديراتنا للتوقعات الأمريكية عند مرحلة البراءة السياسية، لمجرد أنها أمريكية؟

إن مصر تحتاج إلى مليارات كثيرة، ليست أقل من المساعدات والديون التي تحصلت عليها على مدى السنوات العشر الماضية، على أن تدفع مرة واحدة، فمن يملك هذه الملاءة المالية على تعويم مصر؟ ومن يضمن ألا تذهب التدفقات المالية إلى بحر الرمال المتحركة، حيث أكبر كنيسة، وأطول مئذنة، وأعرض مسجد، ولاستكمال بناء العاصمة الإدارية الجديدة؟!

ومع استحالة تقديم "الكثير من العون"، والتأكيد على أنه "لو حدث شيء في مصر فسيأخذنا ذلك للوراء"، فلا بد من التأكيد على أن النظام القائم في مصر هو النظام النموذج بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، لكن استمراره ليس مضمونا، ولو ضمن الاستمرار بقوة السلاح، فماذا لو خرج السر الإلهي؟ فالتركيز على التحول الديمقراطي السلمي للسلطة هو الحل، فأزمة مصر سياسية قبل أن تكون اقتصادية!

ومهما يكن الأمر، فمن الواضح أن القلق الذي رأينا مظاهره، ولم ندرك أسبابه، قائم على تقارير خارجية اطلع عليها مبعوث ترامب للشرق الأوسط فقال باحتمالية سقوط النظام المصري، لكن هل لا تزال تقديراتنا للتوقعات الأمريكية عند مرحلة البراءة السياسية، لمجرد أنها أمريكية؟ ألم يدخلوا في روعنا من قبل أنهم يعرفون لون الملابس الداخلية لصدام حسين؟!

أمريكا لم تتوقع سقوط نظام مبارك، ومع ذلك سقط، فهل صاروا أكثر حساسية من المفاجآت للفشل السابق، ويتحسسون الظروف القاسية التي يعيشها المصريون فتأتي التنبؤات بأن مصر وضعها مقلق، وأن من لسعته الشوربة ينفخ في الزبادي وأن الفشل السابق دفعهم لإعمال قرون الاستشعار فأصبحوا يعلمون ما لا نعلم عن الداخل المصري؟!

الله أعلم!

x.com/selimazouz1
التعليقات (0)