تقارير

التقارب السعودي الخليجي مع الإدارة السورية الجديدة.. ما دوافعه ومساراته المتوقعة؟

القيادة الجديدة ستكون أكثر حذرا في الانفتاح على الإمارات، وأنها ستحاول الموازنة في انفتاحها على السعودية وقطر للاستفادة من الفرص الاستثمارية والمساعدة في التطوير الإداري.. الأناضول
القيادة الجديدة ستكون أكثر حذرا في الانفتاح على الإمارات، وأنها ستحاول الموازنة في انفتاحها على السعودية وقطر للاستفادة من الفرص الاستثمارية والمساعدة في التطوير الإداري.. الأناضول
بدا واضحا من السياسة التي تنتهجها الإدارة السورية الجديدة مدى انفتاحها على السعودية ودول الخليج، والتي تمثلت في سلسلة من الزيارات المتبادلة بين دمشق والعديد من العواصم الخليجية، كان من أبرزها زيارة الشيخ تميم أمير قطر لدمشق، وزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع للعاصمة السعودية الرياض، واجتماعه بولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان.

وثمة زيارات أخرى كزيارة رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد عبد الرحمن لدمشق، وزيارة وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان لدمشق، وزيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لكل من السعودية وقطر والإمارات.

تعكس تلك السلسلة من الزيارات المتبادلة سياسة الإدارة السورية الجديدة بالانفتاح على السعودية ودول الخليج، والرغبة الأكيدة بإقامة علاقات ودية وتعاون مشترك معها، وتُبرز في الوقت نفسه توجهات السعودية ودول الخليج لاحتضان سوريا الجديدة ودعمها، وإعادتها إلى الحضن العربي.

يأتي ذلك كله بعد تهاوي سطوة المحور الإيراني، وتراجع نفوذه إثر الضربات الموجعة التي تلقاها حزب الله في أعقاب معركة "أولي البأس"، وسقوط نظام الأسد الذي يعد خسارة كبيرة لإيران، الأمر الذي ساهم بشكل لافت في تفكيك المشروع الإيراني، وأفضى إلى انكفاء إيران وانحسار نفوذها في المنطقة.

ووفقا لمراقبين فإن غالب ما بنته إيران ونجحت في إنجازه خلال العقود السابقة، بكلفة بلغت مليارات الدولارات خصصتها لبناء ودعم كافة أذرعها في المنطقة، تهاوى دفعة واحدة بعد خسارة حزب الله لمعركته الأخيرة، والتي تبعتها خسارة فادحة لإيران بعد سقوط نظام الأسد في سوريا، والذي تجاوزت تكاليف دعمه 50 مليار دولار، قدمتها إيران خلال السنوات العشرة الماضية كقروض ودعم مالي ومنح نفطية.. وما إلى ذلك وهو ما مكنها من السيطرة على نظام بشار الأسد وتوجيه مساراته خلال السنوات الماضية.

تراجع نفوذ إيران في المنطقة بعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها، وتمكن هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها في إطار عملية "ردع العدوان" من الوصول إلى السلطة، وتعيين أحمد الشرع رئيسا لسوريا في المرحلة الانتقالية، دشن مرحلة جديدة من العلاقات بين سوريا الجديدة ودول الخليج والسعودية، رأت فيه الأخيرة فرصة ذهبية سانحة لإعادة سوريا إلى المحيط العربي، بعد تحررها من هيمنة النفوذ الإيراني، وانعتاقها من أغلاله وقيوده.

في قراءته للدوافع الكامنة وراء التقارب الخليجي مع سوريا تحدث أستاذ العلوم السياسية، المتخصص في السياسة الإيرانية الدكتور نبيل العتوم عن عدة دوافع تقف وراء ذلك، من أبرزها الاعتبارات الجيوسياسية، فدول الخليج، خاصة السعودية تسعى إلى تعزيز دورها الإقليمي من خلال إعادة سوريا إلى محيطها العربي، ومنع المزيد من النفوذ الإيراني والتركي هناك".

وأضاف "فإعادة العلاقات تعد خطوة لتقليل تدخل الفاعلين الدوليين غير العرب في سوريا، وهو ما يعزز الاستقرار الإقليمي، وثاني تلك الدوافع الرغبة في الاستقرار الإقليمي بعد سقوط نظام الأسد، فالإدارة السورية الجديدة تسعى إلى بناء علاقات متينة مع دول الخليج لتعزيز استقرارها، فيما ترى السعودية ودول الخليج أن دعم سوريا قد يقلل من احتمالية الفوضى الأمنية التي قد تؤثر على المنطقة ككل".

وواصل العتوم حديثه لـ"عربي21" بالقول "كما أن إعادة الإعمار والاستثمار تعد من دوافع ذلك التقارب، فدول الخليج، خصوصا السعودية والإمارات، ترى في سوريا فرصة اقتصادية، حيث تسعى إلى الاستثمار في إعادة الإعمار، وهو ما قد يكون مدخلا لتعزيز النفوذ الاقتصادي والسياسي على المدى الطويل".


             د. نبيل العتوم.. أستاذ العلوم السياسية المتخصص في السياسة الإيرانية

أما المسارات المحتملة للسياسات الخليجية تجاه سوريا، فتتمثل وفق العتوم بـ"تعزيز التعاون السياسي والدبلوماسي، فمعظم دول الخليج فتحت سفاراتها مجددا في دمشق، وهناك توجه لدعم انتقال سياسي مستقر في سوريا من خلال الحوار الوطني الشامل، ما يعزز العلاقات المستقبلية بين الطرفين".

وأردف: "ومن المتوقع في هذا السياق أن تلعب السعودية والإمارات دورا رئيسيا في دعم مشاريع إعادة الإعمار، سواء عبر استثمارات مباشرة أو من خلال دعم منظمات دولية، وكذلك ثمة توجهات لتحجيم النفوذ الإيراني في سوريا إذ تسعى دول الخليج إلى تقليص تأثير إيران عبر تعزيز الحضور العربي في سوريا، وذلك عبر دعم المؤسسات الحكومية السورية ومنع الفراغ الذي قد تستغله طهران".

من جهته قال الأكاديمي والباحث السوري، الدكتور محمد ماهر قدسي "التقارب بين السعودية ودول الخليج والسلطة الجديدة في سوريا يرجع إلى السياسات الانفتاحية التي تتبناها الأخيرة، ومن أبرز الدوافع الكامنة وراء ذلك الرغبة في إنهاء عزلة سوريا وإعادة اندماجها عربيا، كما أن السعودية ودول الخليج تسعى لإعادة سوريا إلى الحضن العربي بعد سنوات من العزلة الدولية".

وأضاف: "وإذا ما كانت الإدارة الجديدة تتبنى نهجا أكثر توافقا مع المصالح العربية، فسيكون هناك دعم خليجي لتعزيز الاستقرار والتعاون، وكذلك تقليص النفوذ الإيراني في سوريا فإذا ما كانت حكومة أحمد الشرع الجديدة تتبنى سياسة أكثر استقلالية عن إيران على عكس النظام السابق، فهذا ما سيدفع دول الخليج إلى دعمها، وهو ما يحقق توازنا استراتيجيا يقلل من النفوذ الإيراني في سوريا، ما يخدم المصالح السعودية والخليجية".


                                     د. محمد ماهر القدسي.. أكاديمي وباحث سوري

ووفقا للأكاديمي السوري القدسي في تصريحاته لـ"عربي21" فإن "التعاون في مكافحة الإرهاب والمخدرات يعد أحد أسباب التقارب بين دول الخليج والإدارة السورية الجديدة، فدول الخليج، وخاصة السعودية تعتبر مكافحة الإرهاب، ومكافحة تهريب المخدرات من الأولويات، فإذا ما أبدت الإدارة السورية الجديدة تعاونا أمنيا فعالا، فسيكون ذلك دافعا رئيسيا لتعزير العلاقات بين الطرفين".

وعن مجالات التعاون والتقارب في ما يتعلق بمشاريع إعادة إعمار سوريا، قال القدسي: "من المؤكد أن السعودية والإمارات ودول الخليج مهتمة بالمشاركة في تنمية الاقتصاد السوري، وتطوير البنية التحتية في سوريا، في إطار نفوذ اقتصادي عربي واسع، وهي ترى أن الإدارة السورية الجديدة تتيح لها فرصة لدخول مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، ومنفتحة على الاستثمارات الخليجية".

بدوره قال الأكاديمي السعودي، الدكتور أحمد بن راشد بن سعيّد: "لم تكن السعودية مرتاحة لعملية (ردع العدوان) التي شنّها الثوار السوريون أواخر عام 2024، وظلّت دعايتها تصفهم، وهم يحررون المدن، بالفصائل المسلحة، بينما تشير إلى عصابات سفاح الشام بالجيش السوري، امتدادا للتحول السلبي الحاد الذي طرأ على السياسة السعودية تجاه الثورة السورية عام 2017، والذي ختمته باستقبال السفاح في الرياض، وإعادته إلى الجامعة العربية".

وتابع: "تجلّى ذلك، مثلا، في التناول الإخباري لقناة العربية التي دأبت إبّان زحف الثوّار إلى حلب وحمص وحماة، على استضافة أبواق السفّاح، ليصِمَ فريق منهم الثوار وهيئة تحرير الشام بالإرهاب، ويدعو فريق آخر إلى تدخل دولي لإيقافهم، ولا ننسى أنه قبل أسابيع من تحرير دمشق بثت قناة mbc تقريرا وصفت فيه الشرع بأنه "وجه عالمي للإرهاب قاد الخراب في سوريا"، حتى بعد التحرير استمرَّ كتّاب "رسميون" في التحذير من الشرع بوصفه إرهابيا، أو سليل تاريخ إرهابي، كما أنّ جبهة النصرة التي أصبحت هيئة تحرير، ما زالت مُدرجة على قوائم الإرهاب السعودية".



وعن موقف السعودية من فكرة تغيير الأنظمة بالقوة الشعبية، قال ابن سعيّد في حديثه لـ"عربي21": "لطالما نفرت السعودية من ذلك، بما في ذلك حكم سفاح الشام، ومنذ الأيام الأولى للثورة السورية، لم تكن لديها رؤية استراتيجية محدّدة للتعامل مع الثورة، لأنها وهي تتوجّس ريبة من الدور الإيراني، كانت تَعدُّ الثورة جزءا من الربيع العربي، فدخلت المشهد السوري ولم تخرج بشيء".

ولفت إلى أن "التقدّم المتسارع للثوّار فاجأ العالم، بما فيه السعودية التي شعرت أن عليها أن تتبنى ديناميكية جديدة فرضتها الحقائق على الأرض، ودروس التاريخ القريب"، مضيفا أن "صانع القرار في الرياض قدّر أن ثمن عدم التقارب مع الإدارة السورية الجديدة سيكون أفدح من التقارب، فانخراطه بنشاط في الوضع السوري سيمنحه قدرة على التأثير فيها، وابتعاده عنه سيفسح المجال لدول منافسة مثل تركيا وقطر".

وتابع قائلا: "لقد كان أمام صانع القرار السعودي كفّتا ميزان، في إحداها هيئة تحرير الشام التي لا يحبها ويعتقد أنها إرهابية، و"الإسلام السياسي" الذي يعلن الحرب عليه، ويخشى انتقال عدواه، وفي الكفة الأخرى رغبته ألا تصبح سوريا منطلقا لاضطرابات إقليمية، ومنصّة لأنموذج إسلامي يشكل مصدر إلهام".

وأردف الأكاديمي ابن سعيّد: "ولهذا بادرت السعودية إلى التصالح مع التغيير في سوريا، الذي وجّه ضربة قوية إلى نفوذ إيران الإقليمي، مستفيدة من دروس الماضي حين أهملت التطورات في العراق واليمن، وقدّرت أنها يمكن لها من خلال مدّ الجسور مع الإدارة السورية تأمين مصالحها، وتوجيه التطورات داخل سوريا لصالحها".

وختم ابن سعيّد حديثه بالقول: "غير أنّ اهتمام السعودية بالتغيير في سوريا، وسعيَها إلى احتوائه، لم يدفعها إلى دعمها ماليا، إذ إنها فضّلت التريّث حتى تتضح لها سياسات قادتها، وربما حتى ترفع الولايات المتحدة العقوبات المالية المفروضة عليها، لا سيما تلك التي تتعلق بالتجارة والتحويلات المالية، وستسعى السعودية في المدى المنظور إلى تطوير حذِر في العلاقات مع سوريا، واضعة نُصب عينيها الميول الإسلامية والتاريخ الجهادي لقادة ذلك البلد".

وفي ذات الإطار لفت الكاتب والباحث السوري، أحمد دعدوش إلى أن "القيادة السورية الانتقالية، لا تتمتع حتى الآن بالشفافية التي تسمح لنا بالتعرف على خلفية قراراتها، لذا نحاول الاستشفاف والتنبؤ من خلال السياق"، مضيفا أنه "لا يخفى أن دول الخليج ليست كتلة واحدة، فحتى الإمارات والسعودية لا تتفقان في سياساتهما الخارجية مع أنهما تُحسبان على محور واحد في مواجهة قطر".

وتابع: "ويبدو أن القيادة السورية تحاول الاستفادة من كل هذه الدول الثرية من غير أن تُحسب على أي منها. الإمارات كانت منحازة للنظام المخلوع منذ بداية الثورة، وقطر ظلت ثابتة على مواقفها المؤيد للثورة، ولم تتراجع عن مقاطعتها للنظام حتى سقوطه، أما السعودية فدعمت الثورة في بدايتها، وموّلت بعض فصائلها قبل أن تنسحب مع تلكؤ واشنطن، وتسليم الملف السوري لروسيا".


                                                         أحمد دعدوش.. كاتب وباحث سوري

وأردف في تصريحاته لـ"عربي21”: “وظل الإعلام السعودي يتهم الفصائل الثورية بالإرهاب إلى أن رجحت كفتها في معركة ردع العدوان، وسقطت خطوط دفاع النظام في حماة وحمص فسارع الإعلام السعودي للانقلاب على موقفه والانحياز للثورة، ومن الطبيعي أن تنتهز قيادة الفصائل - عندما أصبحت في موقع السلطة الجديدة - هذه الفرصة للتقارب مع الرياض والاستفادة من دعمها مع تجاهل المواقف السابقة".

وأشار الباحث دعدوش إلى أن "بعض التقارير الصحفية الأجنبية تحدثت صراحة عن سعي الرياض لاقتسام الكعكة في سورية كي لا تتركها للمحور الآخر المتمثل في تركيا وقطر، لا سيما أن لها مصلحة في ملء الفراغ الذي تركه الانسحاب الإيراني، ولا شك في أن بلدا يحتل موقعا استراتيجيا مثل سورية سيكون مطمعا لكل القوى الإقليمية، فهو يمثل بيئة واعدة للاستثمار، ويتيح فرصة لمدّ أنابيب النفط والغاز الخليجية إلى الأسواق الأوروبية، وقد تحرر أخيرا من أسر الهلال الشيعي".

وختم حديثه بالقول: "أعتقد أن القيادة الجديدة ستكون أكثر حذرا في الانفتاح على الإمارات، وأنها ستحاول الموازنة في انفتاحها على السعودية وقطر للاستفادة من الفرص الاستثمارية والمساعدة في التطوير الإداري، ولكن قد تحدّ العقوبات الدولية من تحقيق هذه الطموحات، كما أني لا أستبعد أن تسعى بعض هذه الدول لتشكيل قوى ضغط (لوبيات) داخل سورية لتحقيق مصالحها، سواء بالضغط لتعيين مسؤولين موالين لها، أو بتمويل منظمات مجتمع مدني ووسائل إعلام تدور في فلكها، وقد بدأنا مؤخرا بسماع أصوات بعض مشايخ التيار الجامي المدخلي وهم يحاولون التسلل إلى الوسط الديني في سورية لتكرار التجربة الليبية".
التعليقات (0)