تنفذ قوات الأمن السورية انتشارا وعمليات
تمشيط في المنطقة الساحلية، لإنهاء ما وصفه كتاب ونشطاء وسياسيون سوريون وعرب بأنه
محاولة انقلاب على الثورة.
وأعلنت السلطات السورية اليوم الجمعة تمديد
حظر التجول في مدينتي طرطوس واللاذقية في ظل اشتباكات اندلعت أمس الخميس وتعدّ
"الأعنف" منذ الإطاحة بنظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وقال مصدر أمني في وزارة الداخلية السورية،
وفق ما نقلت عنه وكالة الأنباء الرسمية "سانا"، إنه "بعد قيام فلول
النظام البائد باغتيال العديد من عناصر الشرطة والأمن توجهت حشود شعبية كبيرة غير
منظمة للساحل مما أدى لبعض الانتهاكات الفردية".
وتابع: "نعمل على إيقاف هذه التجاوزات
التي لا تمثل عموم الشعب السوري"، من دون شرح ماهية الانتهاكات.
وفي منشور على منصة "إكس"، قال
رئيس جهاز الاستخبارات العامة أنس خطاب إن إدارة العمليات العسكرية لطالما وجهت
وحداتها إلى "ضرورة ضبط النفس وحسن التعامل مع الآخرين" مضيفا: "ما
زلنا حتى اللحظة ندعو إلى ذلك، فالمصالح العليا مقدمة على كل شيء".
وأوضح: "استغل بعض ضعاف النفوس
والمجرمون الأوضاع السابقة والظروف الصعبة التي مرت بها البلاد، حيث ورثنا نظاماً
فاسداً مجرمًا بكل المقاييس، فراحوا يخططون ويجهزون لمحاولة ضرب الوجه الجديد
لسوريا المستقبل الذي آلمهم زهوه وازدهاره.".
وعن الجهات التي تقف خلف هذه الأحداث قال
خطاب: "حسب التحقيقات الأولية، فإن قيادات عسكرية وأمنية سابقة تتبع للنظام
البائد تقف وراء التخطيط والتدبير لهذه الجرائم، عبر توجيهها من قبل بعض الشخصيات
الفارة خارج البلاد والمطلوبة للعدالة والقضاء".
ودعا خطاب المتورطين في استهداف الدورية
الأمنية إلى تقديم أنفسهم للعدالة، وقال: "إلى الذين لم يقرؤوا تحذيراتنا لهم
في وقت سابق بشكل صحيح أقول: لقد ورطتكم أيادٍ خبيثة بما تفعلونه اليوم، ولن نسامح
من تلطخت أيديهم بدماء رجالنا الطاهرة. وليس أمامكم سبيل إلا أن تسلموا أنفسكم
وأسلحتكم لأقرب جهة أمنية"، وفق تعبيره.
ووصلت تباعا تعزيزات عسكرية إلى المنطقة
الساحلية، وبدأت "عمليات تمشيط واسعة في مراكز المدن والقرى والبلدات
والجبال المحيطة" في محافظتي طرطوس واللاذقية، تستهدف "فلول ميليشيات
الأسد ومن قام بمساندتهم ودعمهم"، وفق ما نقلت سانا عن مصدر قيادي في إدارة
الأمن العام.
وشمل التمشيط مدينة جبلة ومحيطها، حيث هاجم
مسلحون موالون للأسد ليل الخميس رتلا لقوات الأمن، موقعين قتلى، قبل أن تندلع
اشتباكات عنيفة، تم على إثرها فرض حظر تجول.
وفي تعليق له على مجريات الأحداث في سورية،
قال أحمد رمضان رئيس حركة العمل الوطني من أجل سورية: "ليس من فعلِ
"فلول" ولا "خارجين عن القانون"، بل هو "انقلاب"
مدبَّر ومخطط له، شاركت فيه دول راهنت على بشار، وأنظمة تحتضن رؤوس النظام وتدرِّب
ضباطه، وساعة الصفر أُعلنت من طهران!.".
وأكد رمضان في تدوينة نشرها على صفحته على
منصة "إكس"، أن إدارة المعركة سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً لا تقلُّ
خطورة عن إدارتها ميدانياً.
وقال: "ثمَّة تردد في ذلك، والمطلوب هو
الآتي: وصفُ المعركة على حقيقتها،
وهي مواجهة خلايا إرهابية، تم تمويلها وتنسيق عملها من الخارج، ولا علاقة لأي شأن
داخلي بالتطورات، وإعلان حالة
التعبئة الوطنية، وإلغاء الإجازات، واستنفار كافة الطاقات، كي يجد كل سوري مكانه
في هذه المعركة الفاصلة، وبدء حملة واسعة مع المنظمات الدولية (مجلس الأمن، الأمم
المتحدة، الاتحاد الأوروبي، المؤتمر الإسلامي، الاتحاد الأفريقي) لشرح الوضع
والمطالبة بإدانة التدخل الخارجي، وخاصة التدخل الإيراني الرسمي، وما صدر عن كبار
المسؤولين في طهران بالتهديد بقرب اندلاع حرب أهلية في سورية، والتواصل مع الدول
العربية ودول الخليج، والدعوة لموقف رسمي عربي يدين التدخل الإيراني، والدعوة
لاجتماع رسمي للجامعة على مستوى السفراء".
ودعا رمضان إلى وضع محددات
للخطاب الإعلامي الرسمي، يستخدم مصطلح "الحرب على الإرهاب" في مواجهة
المجرمين والإرهابيين الذين أصدروا بيانات خطية ومصورة يتعهدون فيها بشنِّ حرب ضد
الشعب والدولة في سورية، ويحظون بدعم خارجي.
كما دعا إلى توجيه مذكرات خاصة للمنظمات
الحقوقية الدولية تؤكد التزام الدولة السورية بحقوق الإنسان، ورفضها للعنف
والطائفية، ومسؤوليتها عن حماية جميع السوريين، وبيان خطورة الإرهاب المدعوم من
الخارج، وخاصة إيران، على مسار التغيير السلمي في سورية.
وأشار رمضان إلى "ملايين السوريين الذين
هبوا ليلة أمس إلى الشوارع، والتطوع للدفاع عن ثورتهم ودولتهم الوليدة".
وقال: "كانت مفاجأة كبيرة للانقلابيين
الذين اعتقدوا أنه يمكنهم إخماد الإرادة الحرة للشعب السوري، ولكن بوصلة الحرية لا
تخيب، وشعلة الكرامة لا تخبو، وميزان العدالة لا ينكسر".
وأضاف: "ما زلنا في قلب المعركة للحفاظ
على الإنجاز، وهي مسؤولية كل سوري وسورية، ودورنا كبير في التصدي لمخطط إرهابي
وإجرامي كبير، والحفاظ على بلدنا ووحدته واستقراره، وحماية شعبنا وإنجازاته مهمتنا
جميعا، فشمروا عن سواعدكم ولا تتركوا الميدان أبداً"، وفق تعبيره.
أما الكاتب والمفكر السوري محيي الدين
اللاذقاني فقال معلقا على
التطورات الجارية في الساحل السوري: "الفلول سيظلون يحاولون ما دام هناك قاعدة روسية تلمهم بعد كل فشل، وما دام هناك خطوط إمداد من إيران، وإشارات تحريض يومية من إسرائيل، ونتمنى أن يكون التفاف الشعب أمس حول
قيادة
سوريا الحرة الموحدة قد أوصل الرسالة الواضحة "للعرابين
والبيادق": الثوار هم الأعلون، ومهما تآمرتم ستفشلون"، وفق تعبيره.
من جهته رأى الكاتب والباحث الفلسطيني ياسر
الزعاترة في تعليق له على التطورات الجارية في سورية أن الأيادي الإيرانية واضحة
للعيان، وقال: "لا نحتاج إلى كثير تحليل أو ذكاء كي ندرك أن الأحداث الجارية
الآن في سوريا بتوقيع بعض العلويين في منطقة الساحل، هي لون من العبث الإيراني
مردّه رفض الاعتراف بالخسارة من جهة، وكردّ على تصريحات هاكان فيدان
لـ"الجزيرة" قبل أيام، والتي استفزّت طهران ودفعتها لردود غاضبة".
وأضاف الزعاترة في تدوينة على منصة
"إكس": "عبث بلا طائل، وتكريس لحالة عداء لا تخدم سوى المشروع
الصهيوني الذي أخذ يجاهر بتجاوز فلسطين ومسعى تصفية قضيتها، إلى العبث في سوريا
ولبنان، وتبنّي مشاريع تهدّد الأمن القومي لمصر والأردن، في ذات الوقت الذي يلوّح
بضربة للمشروع النووي الإيراني، إذا لم يحصل على تسوية تُخضعه أو تفكّكه على هذا
النحو أو ذاك".
وأكد الزعاترة، أن "الفئة العلوية التي
تنسجم مع إرادة العبث الإيراني ستجني على نفسها، وستطيل معاناة الشعب الذي تنتمي
إليه، في وقت كان خطاب الوحدة هو الغالب على الإدارة الجديدة، بل حتى على صعيد
الممارسة، باستثناءات بسيطة متوقّعة في ظل أجواء احتقان معروفة".
ودعا الزعاترة الإيرانيين إلى مراجعة
سياساتهم تجاه سورية، وقال: "نتمنّى أن تعيد القيادة الإيرانية النظر في هذا
الأمر، وفي مجمل تعاطيها مع جوارها العربي والإسلامي، كي لا تضع الحبّ صافيا في
طاحونة المشروع الصهيوني وداعميه، أو مُشغّليه أو مُستغلّيه.. قُل ما تشاء"،
وفق تعبيره.
من جهته قال الكاتب والباحث الفلسطيني بشير
نافع معلقا على ما يجري في سورية: "الذين يتصورون أنهم سيعيدون عقارب الساعة
إلى الوراء في سوريا، أو أنهم سيقسمونها، أو يسقطون دولتها الجديدة، واهمون؛ ما
سيفعلونه هو إطالة أمد آلام الشعب، بما في ذلك أهلهم، قبل أن يهزموا وتعود سوريا
إلى وحدتها ودورها والموقع الذي يليق بها في قلب المشرق وطليعته"، كما قال.
ومنذ مساء الخميس، تتداعى قوات أمنية
وعسكرية من مناطق سورية عدة لدعم جهود التصدي للهجوم الواسع الذي تشنه مجموعات من
فلول النظام المخلوع بمنطقة جبلة وريفها في محافظة اللاذقية.
والخميس، قتل وأصيب عدد من عناصر الأمن
العام السوري، إثر هجمات متزامنة هي الأكبر منذ سقوط بشار الأسد نفذتها مجموعات
مسلحة على نقاط وحواجز ودوريات في منطقة جبلة وريفها.
إثر ذلك، فرضت سلطات الأمن حظرا للتجوال
وبدأت عمليات تمشيط بمراكز المدن والقرى والبلدات والجبال المحيطة.
وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بسطت فصائل
سورية سيطرتها على دمشق بعد مدن أخرى، منهية 61 عاما من نظام حزب البعث الدموي،
و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وعقب ذلك، فتحت السلطات السورية مراكز
للتسوية مع عناصر النظام المخلوع لتسليم السلاح، واستجاب آلاف الجنود، فيما رفض
ذلك بعض الخارجين عن القانون لا سيما في منطقة الساحل معقل كبار ضباط الأسد،
واختاروا الهروب والاختباء في المناطق الجبلية ونصب الكمائن للقوات الحكومية.
إقرأ أيضا: "مليشيات" تابعة للأسد تهاجم قوات الأمن.. وحملة في الساحل للقضاء على التمرد (شاهد)