لكي نصل إلى ماهية
الزمن، علينا فهم معاني ومدلولات الوقت
كمسار زمني ونفهم أن الزمن مخلوق، ثم ننطلق لفهم ماهيته ونكون بذلك قد حققنا فلسفة
الحياة والزمن
المسار الزمني:
الزمن نحن طرقه وأرصفته يمر علينا لحظة بلحظة لا تعود، ولا تتكرر، فيه كفاءتنا
وفاعليتنا، لا نستطيع أن نعيده لنتوقف عن فعل أو لنفعل الفعل، فقد ترك الزمن أثره
علينا بنا، وفينا، لذا فاجترار الماضي خدعة، كالملهية للطفل، لن يأتي بإصلاح أثر،
ولا بإحداث جديد إلا بالعبر من التي استقرت في الذاكرة البشرية.
من أجل هذا، علينا إدراك أن ما فاق طاقتنا هو قضاء، وما يمكننا توليفه
والسيطرة عليه بفعله أو الامتناع عن الفعل، فهو في إدارتنا لسنن
الكون في حياتنا
ومواجهتنا لهذا، وذلك هو الاختبار للمنظومة العقلية وسلوكها وردود فعل المنظومة
على القضاء، وعلى تصريف الحياة كفعل منها. إننا عندما نتحدث عن أمور بيد الله قطعا
كالأرزاق والحياة والموت، علينا أن نفهم هذا المعنى بدقة، فهنالك ما هو مقضي قضاء،
وهنالك ما هو في علم الله. أما القضاء، فهو ما لا سلطة لك عليه من
أحداث، وأما ما
في علم الله، فهو عملك الذي يعلمه عالم الغيب، فعندما يتحدث عن الرزق يفصل هذا
المعنى بإيجاز وإعجاز، "مَا أَصَابَ مِن مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ، وَلَا فِي
أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِن قَبْلِ أَن نَبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرٌ، لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا
بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (الحديد: 22-23).
هنا حديث عن علم الله، وعن قضائه وأن ما يحصل لهم ولنا يعلمه الله، فبعلم الله
أننا سنأخذ هذه القرارات فما حصل قد حصل، لا أسى، ولا فرح بأنك أنجزت عندما يأتيك
رزقك، وتنسب الرزق الذي هو قضاء موضوع بالقدر، ويأتي جراء الفعل والحركة؛ فالحركة
من سنن الكون لا بدَّ منها لبقاء الوجود.
خلاصة الفكرة، أن ما مضى قد مضى لن تعيشه، وإنما عشته، فإن أخطأت فبإمكانك
الاعتبار والبداية من جديد، والتفكير بالغد هو مهمتك، وأما الأسى والانهزام كنتيجة
لفشل، فهذا لن يفيد الإنسان، والإصلاح هو بإصلاح مسارك مستفيدا من الخلل الذي أحدثته
عامدا متعمدا أو ساهيا عاجزا.
الزمن مخلوق:
هو من أمر الله وقضائه، ماهيته الحركة والتنوع، الزمن عند الله مراحل، وعند
الإنسان مرتبط بحركة كوكبه، وحياة الإنسان مرحلة متكونة من محطات، لكنها عند
الإنسان ساعات وأيام ليمر ما بين محطة الطفولة فالشباب فالنضج فالكهولة فالشيخوخة
فالهرم، لكن أنت لست مقيدا بهذه الدورة بالضرورة، وإنما قد تنتهي مهمتك بالتكون في
الرحم أو عند الولادة أو في محطة من محطات الحياة، فهذا أمر بقضاء الله ومخصص لك
رزقك فيه، متى انتهى انتهت حياتك. هذه المراحل من ماهية خلقك، إن عشت في المريخ
فستكون سنين حياتك أكثر كسنين مريخية، لكن كمحطات هي ذاتها، سرعة الحركة معيار
الزمن في تناسب بين الزمن والمسافات والزمن، في حساب معروف وما دامت السرعة مخلوقة
في تصميم الكون، وكذلك المسافة الدورانية، فالزمن مخلوق وكذلك الأزمان.
لذا فمن العبث أن يربط الإنسان نفسه بأحداث هي صناعة غيره أو أفكار
يستوردها من تجارب الآخرين عبر المسافة والزمن، لكن ما يطبع من أثر عمران أو علم
فهو من مخرجات مكتشفات القضاء الإلهي وعلمه الذي يعلمه للإنسان فهذا ما نسميه
المدنية، وهي تراكم جهد بشري عبر الزمكان، وهذا ما يُؤْخَذُ به من تجارب الآخرين،
ويطور ليعطي للآخرين، لكن الفكر هو ابن العصر. ولعل القرآن وهو مشيئة الله التي لا
يمر عليها الزمن هو من يُستنبط منه لقيادة الزمكان عبر العصور المتعددة لكن لا
ينبغي تقديس ما أنتج في الماضي أو من أنتج فكرا في الماضي؛ لأنك كإنسان من يختبر
فردا في الأرض وحسابك بنجاح منظومتك العقلية ونجاحك في مهمة عمارة الأرض وصيانة
وديمومة السلالة، سواء في العمارة للأرض وتطوير حياة البشر أو بالإنتاج الفكري
لإرشاد الناس إلى الصالح ومساعدتهم في فهم الحياة وإدارتها. وسنتحدث في مقال لاحق
عن الفهم الصحيح للفكر.
ماهية الزمن:
ما ذكرناه يتماشى مع الانطباع في ذهن القارئ، ولكن ما هو الزمن فعلا؟ لكي
ندرك معنى الزمن علينا فهم ماهيته، فهو بكل بساطة الوجود من فتق الرتق أو الانفجار
العظيم، وهو يتوسع ويتحرك لحين طي السماوات والأرض كطي الصحف، ومعايير قياسه
متعددة ولماهية واحدة، فالزمن دليله في الأرض وغيرها الشمس ودوران الأرض حول
نفسها، لذا هو مختلف القيمة في الكواكب الأخرى، فاليوم في الأرض مختلف عن اليوم في
أي كوكب آخر.
تعود الناس أن ينسبوا الزمن إلى الأحداث والحقيقة أن الأحداث هي من ينبغي
أن تنسب إلى الزمن لأن الزمن نتقدم نحن فيه، ومراحل تقدمنا تقضي بتغيرات وإصلاحات
مطلوبة للمسار، فلكل منا أزمان في وقت واحد، فزمن تنسب إليه خصوصيتك، وذاتك لكن
بمعيار آخر، في الوقت نفسه هنالك أحداث للعائلة ثم للبلد ثم للأرض ثم للكون. فالحدث
إذن ليس هو الزمن، وإنما وجودنا والوقت هو مرحلة من الزمان أو الوجود ككل، فنحن نحسب
الوقت مثلا بحساب دوران الأرض حول نفسها، لكن الأرض تتحرك إهليجيا مثل مكونات
المجرة، حركتان إلى الأمام وحول الشمس، نحس تغيير الفصول، لكننا لم نعلم لحد الآن تأثير
الحركة لمكونات المجرة إلى مستقر لها، وهذه الفوضى التي نلاحظها في المناخ واضطراب
الطقس غير المعياري أو القابل للقياس، وربما مرت سابقا في مرحلة ما لم ننتبه لها
بحكم اختلاف درجة المعرفة، ويبقى تجانس الكون بنظام دورانه عكس عقرب الساعة
المعروف لدينا.