هل لنا أن ندرك معنى أن
يتحرّر معتقل لدى هذا
الاحتلال الغاشم وقد حكم عليه بالمؤبد مدى الحياة؟ أي إنهم
يريدون له أن يموت في
السجن ثم بعد موته تنقل جثته إلى ثلاجة الموتى أو مقبرة
الأرقام، حتى إن أهله وشعبه لا يحظون باستلام جثته ودفنها بما يليق بها من مكانة
وتكريم لشخص دفع حياته كلها ثمنا لحرية شعبه.
هل جرّبت مشاعر معتقل
لا يوجد حدود لنهاية حبسته؟ وهو بالمناسبة لا يقارن بين من هو محكوم عشرين أو خمسا وعشرين سنة؛ لأن هذا لحكمه نهاية، بينما المؤبد لا نهاية لحبسته، إلا أن يلفظ أنفاسه
الأخيرة هناك، فينتقل إلى الرفيق الأعلى ويبقى حسرة في قلوب أهله وذويه.
هؤلاء قد قضوا في السجن بغالبيتهم ما يزيد عن عشرين سنة واشتعلت رؤوسهم شيبا، لقد رأيتموهم شيبا ولم تروهم أيام شبابهم، هذا الشيب المنتشر في الرأس كان لعذابات السجن ولبؤس حياة تجعل الولدان شيبا، ثم عوامل التعرية فيه كان لها الأثر البالغ على هذا الانتشار الأبيض.
ثم إن هؤلاء قد قضوا في
السجن بغالبيتهم ما يزيد عن عشرين سنة واشتعلت رؤوسهم شيبا، لقد رأيتموهم شيبا ولم
تروهم أيام شبابهم، هذا الشيب المنتشر في الرأس كان لعذابات السجن ولبؤس حياة تجعل
الولدان شيبا، ثم عوامل التعرية فيه كان لها الأثر البالغ على هذا الانتشار الأبيض.
هل ندرك أن أملهم
الوحيد هو فقط
صفقة تبادل يفتح الله بها عليهم أبواب السجن؟ وهل ندرك أن الوفاء
الذي جسّده من أفرج عنهم في صفقة وفاء الأحرار كان بطريقة عظيمة لا مثيل لها في
واقع أدار العالم كله ظهره لهم القريب قبل البعيد؟ لقد وعدوهم وانطلقوا من السجن
ليعملوا المستحيل، لقد صنعوا طوفانا عظيما من أجل هذه اللحظات العظيمة.
هل ندرك حجم الخيبة والمرارة التي تملأ الصدر والقلب لمعتقل تركه تنظيمه عشرات السنين دون أن يعمل على تحريره، أو أن يحاول المرّة تلو الأخرى ليبعث الأمل ويبدّد مشاعر الألم من الإهمال وعدم القيام بالواجب التنظيمي المطلوب؟
هل ندرك أن هذا النفر
العزيز من السنوار والضيف والشيخ صالح ووو.. قد نذروا حياتهم للوصول إلى هذه
اللحظة؟ كان بإمكانهم كما فعل الكثيرون، أن يركزوا ربابتهم ويسندوا ظهورهم على
تاريخهم النضالي، ويسيروا مرفوعي الرأس على ما قدّموا وكفى الله المؤمنين القتال،
ولكنهم فعلوا العكس وبذلوا كل وقتهم وجهدهم، وعصروا أدمغتهم وتفانوا بإراداتهم وعزائمهم.
هؤلاء الذين أدركوا معنى الحريّة ومعنى أن تحرّر أسيرا محكوما بالمؤبد وتنقذه من
فم الموت عنوة، هؤلاء قلوبهم من ذهب، وقد صنعوا منها مفتاحا ذهبيا لفتح هذه السجون
المتوحّش سجّانها.
ليتنا ندرك قيمة هؤلاء
الأحرار، سواء كان المحرر بكسر الراء أو المحرّر بفتحها. فالحرية
لا يعرف قيمتها إلا الأحرار الذين صفت نفوسهم من أية شائبة من شوائب العبودية إلا
لله، ولن يدرك قيمة تحرير المؤبد من يرتع في حسابات دنيوية، لا تعطي وزنا لقيمة
الحريّة التي غابت شمسها عنا طويلا.