في خضم الأحداث المتلاحقة في
سوريا، وفي
خطوة لافتة أقدم فرع
تنظيم القاعدة في سوريا، والمعروف بتنظيم "حراس
الدين" على حل نفسه، مرجعا أسباب ذلك إلى "التطورات على الساحة
الشامية" ولافتا إلى أن قرار الحل جاء "بقرار أميري من القيادة العامة
لتنظيم قاعدة الجهاد".
جاء ذلك في بيان صادر عن مجلس قيادة التنظيم
يوم الثلاثاء الفائت، وقد ذكر البيان أن “أبناء تنظيم قاعدة الجهاد هبوا إلى نصرة
أهل الشام ومساندتهم في إزاحة الظلم عنهم، حتى أذن الله أن ينتصر هذا الشعب المسلم
السني على طاغية من أظلم طواغيت العصر الحديث مما يعلن عن اكتمال مرحلة من مراحل
الصراع بين الحق والباطل".
وأضاف: "ونظرا لهذه التطورات على الساحة
الشامية وبقرار أميري من القيادة العامة لتنظيم قاعدة الجهاد نعلن لأمتنا المسلمة
ولأهل السنة في الشام حل تنظيم حراس الدين (فرع تنظيم قاعدة الجهاد في
سوريا)".
ونصح البيان أهل السنة في الشام "بعدم
ترك سلاحهم، وليجهزوا أنفسهم للمراحل القادمة التي أخبرنا بها نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم، فأرض الشام أرض الملاحم الكبرى، ومقبرة للطغاة والمستعمرين، وفسطاط
للمسلمين في قتالهم لليهود ومن يلونهم من أعداء الدين".
وتابع: "ونعد أمتنا أننا سنبقى من
جنودها المستجيبين لأي نداء نصرة واستغاثة في أي بقعة من ديار المسلمين، ولن نكون ـ
بإذن الله ـ إلا حيث يريدنا الله سبحانه وتعالى، ونؤكد أننا سنبقى محافظين على
ثوابتنا الشرعية دون تغيير أو تبديل أو تمييع، فإقامة الدين ونصرة المظلومين
والحفاظ على دماء المسلمين هي من أولى ثوابتنا التي ندين الله بها".
ودعا البيان "وجهاء الشام ومن يتصدرون
المشهد اليوم لإقامة الدين وتحكيم شريعة رب العالمين فهذا هو النصر المبين،
وننصحهم بإبقاء السلاح بيد أهل السنة في الشام، من أجل أن نبقى أمة تحمل السلاح
فلا يستعبدها طاغية، ولا يطمع فيها محتل".
قرار حل تنظيم حراس الدين نفسه جاء قبل
يومين من إعلان المتحدث باسم الإدارة العسكرية في سوريا يوم الأربعاء الفائت عن
جملة من القرارات، تقضي بحل الجيش والبرلمان وحزب البعث، وتعيين أحمد الشرع رئيسا
لسوريا في المرحلة الانتقالية، وتفويضه بـ"تشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة
الانتقالية، يتولى مهامه إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز
التنفيذ".
يُذكر أن الإعلان عن تأسيس تنظيم حراس الدين
كان في 27 شباط/ فبراير 2018، على خلفية رفضه فكَّ ارتباط جبهة النصرة بقيادة أبو
محمد الجولاني بتنظيم القاعدة، وهي الخطوة التي أقدم عليها الجولاني عام 2016، وقد
تَكوَّن التنظيم من قيادات وأعضاء جهاديين ينتمون إلى تنظيم القاعدة، وتولى قيادة
التنظيم أبو همام الشامي، وأبو القسام الأردني كقائد عسكري.
ووفقا لمراقبين فإن تنظيم حراس الدين كان
منذ تأسيسه على خلاف مع هيئة تحرير الشام، وشهدت علاقتهما توترات شديدة، تحولت في
بعض الأوقات إلى صدامات عسكرية بين الطرفين، كان من أبرزها المعركة التي وقعت
بينهما مطلع سنة 2019، في بلدة "تل حدية" بريف حلب الجنوبي، وتمددت
لاحقا في أرياف حماة وإدلب واللاذقية، وهي تعكس وتبرز خلافات التنظيمات الجهادية
المختلفة في سوريا.
إقدام تنظيم حراس الدين، الذي يمثل تنظيم
القاعدة في سوريا على حل نفسه أثار جملة من التساؤلات حول أسباب ودوافع هذا
القرار، والبحث في دلالاته وتداعياته، إن كان التنظيم سيتخلى عن أصوله ورؤاه
وأفكاره الجهادية، ويسعى للاندماج في مؤسسات الدولة بتشكيلاتها الجديدة أم أنه لا
يعدو أن يكون خطوة تكتيكية ألجأته إليها معطيات الواقع الجديد بعد سقوط نظام آل
الأسد؟
في هذا الإطار قال الخبير في الحركات
الجهادية، حسن أبو هنية: "من المعروف أن جبهة النصرة التي تمثل تنظيم القاعدة
في سوريا مرّتَ بعدة تكيفات وتحولات منذ تأسيسها 2012، فبعد أن رفض الجولاني
الاندماج مع تنظيم الدولة سنة 2013 إثر خلافات شديدة بينهما، وإعلان بيعته لزعيم
تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، أعلن الجولاني فك ارتباطه بتنظيم القاعدة عام 2016
وغير اسم جماعته إلى جبهة فتح الشام، مؤكدا أنها لا تنتمي لأي جهة أو هيئة
خارجية".
وأضاف: "وفي عام 2017 تم تشكيل هيئة
تحرير الشام بقيادة الجولاني، بعد اندماج كل من جبهة فتح الشام (جبهة النصرة
سابقا)، وعدة فصائل مسلحة أخرى من أبرزها جبهة أنصار الدين، ولواء الحق، وحركة نور
الدين الزنكي.. وكردة فعل على إعلان الجولاني فك ارتباط جبهة النصرة بتنظيم
القاعدة قامت مجموعة من قيادات وشخصيات جهادية تنتمي للقاعدة سنة 2018 بتأسيس
تنظيم جديد لها في سوريا أطلقوا عليه اسم حراس الدين".
وتابع: "ومن المعروف أن أيديولوجية
تنظيم القاعدة الجهادية المتمثلة بعولمة الجهاد، تختلف عن أيديولوجية هيئة تحرير
الشام بزعامة الجولاني الجهادية والمتمثلة بالجهاد الوطني، والمنحصر بالقتال في
سوريا ضد النظام السوري البائد" لافتا إلى أن "حل تنظيم حراس الدين نفسه
لا يعني التخلي عن أيديولوجيته تلك وتبني منهجية هيئة تحرير الشام".
حسن أبو هنية خبير في الحركات الجهادية
وردا على سؤال
"عربي21" حول أسباب
حل تنظيم حراس الدين نفسه، لفت أبو هنية إلى أن "إقدام التنظيم على حل نفسه
لا يفهم منه بحال تخلي التنظيم عن أيديولوجيته المعروفة، لا سيما أيديولوجيته
الجهادية في مواجهة أمريكا وإسرائيل، بل يمكن قراءته في سياق محاولته التكيف مع
الواقع الجديد، وإعطاء الفرصة للإدارة السورية الجديدة لتطبيق ما كانت تدعو إليه
من قبل، في حالة من الحذر والترقب وانتظار ما ستسفر عنه المرحلة الجديدة".
وأردف: "وتُظهر أدبيات تنظيم القاعدة أن
جوهر مشروع التنظيم يتجلى بالاستعداد والعمل للمراحل القادمة في بلاد الشام،
بوصفها أرض الملاحم الكبرى، لهذا دعوا أهل السنة في الشام، في بيانهم الأخير الذي
أعلنوا فيه حل التنظيم، إلى عدم التخلي عن سلاحهم، وتجهيز أنفسهم للوقائع والملاحم
التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث نبوية وفق قراءة التنظيم
لها".
ولفت الخبير في الحركات الجهادية أبو هنية
إلى أن "الإدارة الجديدة في سوريا ملزمة بمحاربة الإرهاب لتحسين علاقتها مع
العالم الغربي، وهو ما يعني أنها لن تسمح بوجود أي تنظيمات تتبنى الفكر المتطرف إذ
لا مكان لها في سوريا، ولن تجد فيها ملاذا آمنا".
من جانبه وصف الناشط السياسي السوري، محمد
صبرة قرار تنظيم حراس الدين حل نفسه بأنه "شكلي وتكتيكي فيما يبدو ويظهر، ومن
الوارد أن يقوم بإعادة تنظيم نفسه إذا ما دعت الظروف إلى ذلك، إذ تضمن البيان الذي
أعلن التنظيم فيه حل نفسه، دعوة أهل السنة وحثهم على عدم التخلي عن السلاح، كما
تحدث البيان عن أن أتباع التنظيم يعدون الأمة بأنهم سيبقون من جنودها المستجيبين
لأي نداء نصرة واستغاثة في أي بقعة من ديار المسلمين..".
وتساءل في حواره مع
"عربي21":
"كيف لتنظيم يعلن عن حل نفسه، يدعو في الوقت ذاته أهل السنة ويحثهم على عدم
التخلي عن أسلحتهم، مع أن الإدارة السورية الجديدة دعت كافة الفصائل المسلحة إلى
حل نفسها، وتسليم سلاحها، والانضمام إلى الجيش الوطني السوري الجديد التابع لوزارة
الدفاع"؟
محمد صبرة ناشط سياسي سوري
وواصل الناشط السياسي السوري صبرة حديثه
بالقول: "أما إذا كان التنظيم ينوي بعد حل نفسه الاندماج بمؤسسات الدولة
والعمل من خلالها، فثمة إشكال يظهر في طريقة الدعوة إلى إقامة الدين وتحكيم شرع
الله التي وجهها البيان إلى وجهاء الشام ومن يتصدرون المشهد، لا سيما في المرحلة
الانتقالية الحالية التي تتطلب مزيدا من الحكمة والتروي والتدرج في تطبيق الأحكام
الشرعية".
وختم كلامه بالإشارة إلى أن "سوريا تعيش
اليوم مرحلة انتقالية، تسعى فيها الإدارة الجديدة لبناء نظام حكم جديد، وإعادة
صياغة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية صياغة جديدة، وهي مهمة شاقة وصعبة،
تستدعي تضافر جهود كل السوريين، وتراعي مقتضيات الانتقال والتحول السياسي
والاجتماعي، بصبر وحكمة ومرونة بعيدا عن كل مظاهر وسلوكيات التشدد، لتسود قيم
الحرية والعدالة والمساواة في سوريا الجديدة".