مدونات

ترامب نقطة نظام محتملة للسياسة التقليدية الأمريكي

محمد صالح البدراني
"أمعن في تجسيد وجهة النظر الإسرائيلية نحو العرب والمسلمين في الكراهية والتقليل من شأنهم" - جيتي
"أمعن في تجسيد وجهة النظر الإسرائيلية نحو العرب والمسلمين في الكراهية والتقليل من شأنهم" - جيتي
ترامب كانطباع عام:

بدقة الوصف، اختصر الانطباع العام الدكتور مصطفى الفقي عن ترامب؛ "إننا أمام القذافي بكلماته الغريبة وأمام صدام في العنف"، الذي أراه أنه يمثل بكل شفافية المنهج الأسبرطي الذي تعتمده أمريكا في اليد الضاربة، وهو إخضاع وإذلال العدو ولا رحمة وإن خضع، وتحترم العدو القوي المنتصر دون تأمينه من الانتقام، وهو يتعامل مع الأمور كما تعامل في تلفزيون الحياة، ومن منطلق الأنا الرأسمالية وطغيان ونشوة العصامية بلا حدود الأخلاق، عدا قيم النفعية التي لا تفرض على القوي أي نوع من البراغماتية.

الاستراتيجية الأمريكية:

كل الرؤساء الأمريكيين موالين لإسرائيل بحكم سلطة المال والأعمال والإعلام وتأثيرها على المستقبل السياسي للسياسيين، ومع قيمة النفعية، تصبح العين التي يرى بها الساسة هي عين صهيونية، وليس من قيم أخلاقية أصلا في منظومة الدولة الحديثة، لكن المبالغة في وصف السيطرة يأتي من استسلام الشخصيات المؤثرة، وليس من شروط التأثير للكيان. وترامب ليس بالشخصية التي تقاد بالتهديد والخطورة؛ لأنه وفق مسار حياته لا يعرف الخسارة، وإن عودته إلى الرياسة لإثبات أنه لم يك خاسرا لشعبيته واحتفاله في الكونغرس ليس لأسباب أمنية فقط، وإنما ليبدأ حيث انتهى مستأنفا بعد فترة يعتبرها وقتا ضائعا.

ترامب ليس بالشخصية التي تقاد بالتهديد والخطورة؛ لأنه وفق مسار حياته لا يعرف الخسارة، وإن عودته إلى الرياسة لإثبات أنه لم يك خاسرا لشعبيته واحتفاله في الكونغرس ليس لأسباب أمنية فقط، وإنما ليبدأ حيث انتهى مستأنفا بعد فترة يعتبرها وقتا ضائعا.

فرصة تاريخية لأمريكا ترامب:

لم يأت الرؤساء الأمريكيون بجديد وهم يتعاملون مع المنطقة العربية والإسلامية، وإنما تعاملوا معها في التكتيك، ومن خلال استراتيجية دعم إسرائيل التي هي في الحقيقة ليست إلا منصة، ثبت أنها ليست قابلة للحياة المستقرة وجلب المنافع للولايات المتحدة، وهو ما زاد بلله لطبيعة ترامب في دورته الرئاسية الأولى؛ لأنه أمعن في تجسيد وجهة النظر الإسرائيلية نحو العرب والمسلمين في الكراهية، والتقليل من شأنهم وتوريط الولايات المتحدة في حرب غزة الأخيرة بجرائم الحرب التي قتلت الأبرياء وهدمت العمران، ولم تحقق الهدف المستحيل، وهو كسر إرادة شعب مظلوم يحمل قضيته في دمه.

لذا، فبإنشاء استراتيجية موازية لا علاقة لها باستراتيجية أمريكا- إسرائيل، سيخلق نوعا من التوازن السلوكي لأمريكا كدولة كبرى لا بد أن تأخذ القرار اللائق وليس التورط في جرائم حرب، أو تنظر إليها الشعوب كمصدر وسبب للتخلف عندها وتعاظمه، فهذه الشعوب لا تعيش الحياة، وإنما تعاني شظف العيش وهم أغنياء بثرواتهم، بعضها لأمريكا دخل مباشر في إنشاء منظومة القهر والفقر والتخلف فباتت كفرنكشتاين، الذي يتصرف بلا إحساس وعقل، فكان التدمير.

وعلى العرب في المقابل أن يعتزوا بأنفسهم ويصالحوا شعوبهم ويسعوا لبناء استراتيجية، وليس لترضية ترامب وتجنب دراكولا أمريكا، ولكن ليكونوا بناء دولة صلدة لها شخصية وكينونة كما تريد، لا كما يريد الآخرون وتكون موحية بالثقة لبناء استراتيجية رصينة الموازية. دون شك إنها فرصة ترامب أن يضع بصمته التاريخية، يسجل له في تغيير السياسة الأمريكية نحو منهج أكثر فاعلية وقبولا وإيجابية، تحدث نقلة لتعريف العلاقات الدولية والتحالفات في المنطقة الحساسة هذه والمهمة للمصالح الأمريكية، كما أمريكا مهمة لمصلحتها بإقامة صناعات وتحالفات آمنة، ولها ديمومة ولا تشكل عبئا، وهي في واقع فوضى مضطرب.

القضية الفلسطينية:
زلزال تشرين الأول/ أكتوبر كشف نقاط الضعف في الواقع والتفكير، وحيث يجب التغيير لا الترقيع، كشف الوحشية والكراهية والرغبة في التدمير، وكشف مواقف إنسانية في أناس يحملون القضية.

إن زلزال تشرين الأول/ أكتوبر كشف نقاط الضعف في الواقع والتفكير، وحيث يجب التغيير لا الترقيع، كشف الوحشية والكراهية والرغبة في التدمير، وكشف مواقف إنسانية في أناس يحملون القضية، ومع هذا، يقال إنهم إرعابيون (الإرهاب خطأ لغوي). عناصر القسام أحدثوا مقارنة لكل عين ترى ما يفعل الصهاينة عند تمكنهم من الأسرى، وأذيتهم وإذلالهم وتفريغ الكراهية فيهم؛ وما يفعل عناصر القسام عند تمكنهم من الأسرى. والأمر واضح جلي كيف بنى تعاطفا إنسانيّا وعلاقات سليمة يحاول الصهاينة جهدهم تسفيهها، لكنها تثبت نفسها في طرح العائدين من الطرفين ولن تستطيع أن تقارن، فالظرف ظرف اعتداء وموت، وربما من يرعى الأسرى فقدَ من أهله وإخوته أو أبويه، لكنه كان إنسانا قائدا، ويمكن أن يكون رجل دولة.

وضع غزة غريب تعريفه ليبدو استقلالا تحت الاحتلال، لكنهم واقعا يعانون التهميش وتلاشي الأمل في سجن بلا جدران. علينا أن نعرف المشكلة لنعرف إن كان لها حل، هل المشكلة هي اليهود أم الصهاينة وقيام كيان معاد للبيئة، ويرغب في ترويضها وتطويعها وامتصاصها والحرص على استمرار تخلفها، إن قتلهم فهو دفاع عن النفس، وإن فشل في إبادتهم فهي هزيمة، وإن دافعوا عن وجودهم وحريتهم هو إرعاب (الإرهاب خطأ لغوي)؟ الأمران مختلفان، لكن استعباد اللوبي اليهودي في أمريكا للمتنفذين يغيّب إنسانيتهم فيرون الجرح جريمة عندما يكون الجريح إسرائيليا، وليس بشيء يستحق الذكر أن تبيد 10 في المئة من شعب، وتخرب بيوتهم وتجوعهم وتعطشهم وتمنعهم من الاستقرار وتعاملهم كالفئران تطردهم من هذه الجهة وتلك، وهنا مات العالم الراضي ليس موت الضمير، بل موت الآدمية وإنسانية الإنسان.

هؤلاء المتعصبون ليس لهم أهلية الحكم، لكن إن كان العيش عيش اليهود، فمن الممكن أن تقام دولة ديمقراطية واحدة تجري فيها انتخابات تبدأ بأن ينتخب اليهود المرشحين الفلسطينيين، وينتخب الفلسطينيون المرشحين اليهود إلى أن تبنى الدولة فينتخب الجميع للجميع، وهنالك مسار لهذا المقترح في مقال سابق عنوانه دولة واحدة لا صفقة.
التعليقات (0)