ملفات وتقارير

مصريون يشكون الفقر ويعربون عن مخاوفهم من انتشار البلطجة والمدمنين بالشوارع

تشير المؤشرات الاقتصادية لأوضاع حياتية ومالية واجتماعية صعبة في مصر- جيتي
تشير المؤشرات الاقتصادية لأوضاع حياتية ومالية واجتماعية صعبة في مصر- جيتي
ظهرت في مصر مؤخرا عدة أزمات ومواقف كاشفة عن تردي الأوضاع، وقلق المصريين الدائم منها، نقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، وأحدث بعضها ضجة كبيرة.

وتداول نشطاء، مقطع فيديو من منطقة "شبرا الخيمة" الشعبية (القاهرة الكبرى)، يظهر فيه 5 ملثمين مسلحين يحملون أنواعا مختلفة من الأسلحة النارية، ويطلقون النيران على مسكن من عدة طوابق وبشكل عشوائي بحارة ضيقة مع غياب تام لقوات الأمن، بمشهد أثار المخاوف من افتقاد الأمن وتسلط البلطجية.

اظهار أخبار متعلقة


وبينما غادر المصلون الجامع الأزهر بعد أداء صلاة الجمعة، كشفت لقطات مصورة لمحاولة أحد المصريين، الانتحار، من سطح الجامع، بواقعة صنفها مراقبون بأنها الأولى في تاريخ الأزهر، وأرجعوها إلى مشكلات اجتماعية منها الغلاء والفقر والجوع وفقدان الأمل والخوف من المستقبل.



وظهر العديد من المصريين من مستويات اجتماعية متفاوتة بين الطبقة الفقيرة والطبقة المتوسطة، يشكون الغلاء والفقر والحاجة وسوء الأوضاع، فيما قامت شابة بلطم خديها، وعبر بث مباشر خاطبت النظام بقولها: "مش عارفين نعيش".

الفتاة التي تبدو بمظهر جيد، عرضت تناقضا كبيرا بأسعار السلع والطعام والشراب، وأكدت أن المصريين لا يستطيعون توفير الطعام، ولم يعودوا يتحدثون عن الملابس، والعلاج، والدواء، والتعليم، والإيجارات، وأسعار المساكن، والكهرباء، والغاز، والمياه، لتلطم خديها قائلة: "الشعب يعمل إيه؟".

 
 


وفي السياق، ظهر عدد من الأطباء حديثي التخرج، يشكون سوء أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، وعدم قدرتهم على الزواج، مع تعدي أغلبهم سن الـ30 عاما.

وكشفت مقاطع مصورة عن تفاقم أعداد المشردين بشوارع القاهرة وتجمعات مختلطة من الرجال والنساء والأطفال، من الباعة الجائلين، والمتسولين، ومتعاطي المخدرات، والمسجلين خطر، ومعتادي السرقة بالإكراه، ما يمثل ظاهرة خطيرة على حياة السكان، وفق البعض.

 

ومن آن إلى آخر، يظهر شباب في الشارع بحالة هستيرية تحت تأثير المواد المخدرة المنتشرة بين فئات شعبية، فيما التقطت كاميرات المارة، شابة مصرية بإحدى الشوارع فاقدة الوعي ويصدر منها حركات غير طبيعية لوقوعها تحت تأثير المخدرات.
 
وفي المقابل، جرى القبض في 21 نيسان/ أبريل الجاري، على الإعلامية سارة خليفة، بتهم تزعم تشكيل عصابي من 10 أفراد إلى جانب شركاء أجانب يُزودونها بالمواد الخام من الخارج، لعدة سنوات، وإدارة عملية تصنيع وتوزيع مخدر "الحشيش الاصطناعي".

وعثر بحوزتها على 200 كيلوغرام منه ومن مخدر "الشابو"، ومادة تشتبه بأنها "هيروين"، ومواد عشبية يُعتقد أنها "استروكس"؛ لكن قرار النيابة العامة بمنع النشر في القضية، أثار غضب وشكوك مصريين.

وتنتشر مصانع "بير السلم" بالمناطق الشعبية والنائية لتصنيع مخدر "الشابو" و"الاستروكس"، مع استمرار ظاهرة "دواليب المخدرات" تحت الطريق الدائري المار بالقاهرة الكبرى حيث يتجمع الموزعون من الشباب الصغير نهارا للحصول على حصتهم بتوزيع المخدرات يوميا، وفق ما رصدته "عربي21".

وفي سياق، انتشار الجريمة تتواصل جرائم خطف الأطفال الصغار بغرض التسول، أو لأغراض أخرى، فيما تتراوح أعداد المتسولين بين 45 و50 ألف متسول، بينهم نحو 15 ألفا بالعاصمة وحدها، وفق موقع "أخبار اليوم" الحكومي.

تلك الأوضاع دفعت المفكر المصري الدكتور خالد فهمي، للتساؤل عبر صفحته بـ"فيسبوك": "متى تسربت أخلاق الرعاع إلى المصريين؟"، مؤكدا أن "الخسارة رهيبة، وأن الوقت اللازم لمحو آثار هذا التردي الأخلاقي سيكون طويلا والكلفة عسيرة".

 

"نهج خاطئ وأوضاع صعبة"
على الجانب الآخر، تشير المؤشرات الاقتصادية لأوضاع حياتية ومالية واجتماعية صعبة، وإلى تفاقم أكثر لتلك الأوضاع مع سياسات الدولة بالاعتماد على الاقتراض الداخلي والخارجي، وتبني مشروعات غير إنتاجية، وسياسة التفريط بأصول وممتلكات الدولة، والتي يقابلها دين خارجي تعدى 160 مليار دولار، دفعت خدمته لنهج سياسات حكومية تقشفية وتخفيض دعم الفقراء.

ويقول الشاب الثلاثيني سائق النقل عبد الرحمن: "أعمل يوميا لأكثر من 14 ساعة، ولا أتمكن من توفير المستلزمات الأساسية لوالدتي المريضة وزوجتي وابني الصغير، بجانب أخت لم تتوفق بحياتها الزوجية".

ويضيف لـ"عربي21": "حاولت كثيرا السفر لليونان وإيطاليا بالبحر عبر ليبيا وفشلت جميع محاولاتي وضاعت مدخراتي، وأحاول الآن السفر للعمل بالعراق، ولكن الأمر يتطلب نحو 250 ألف جنيه لا أملك منها سوى مصوغات زوجتي الذهبية، كما أن المغامرة غير مضمونة".

ويوضح أنه "ليس أمامي إلا السفر، لكي أعيش أنا وأسرتي التي تعيش بمنزل لا يزيد عن 55 مترا، ومعاش شهري لوالدتي لا يصل 1500 جنيه".

وفي رصد لحالة الشارع المصري بعد رفع أسعار الوقود في البلاد 11 نيسان/ أبريل الجاري بنسبة تصل 40 بالمئة، شهدت "عربي21" عدة مشاجرات بين مصريين حول قيمة أجرة الركوب المرتفعة بمواقف "ميكروباص" تربط القاهرة ببعض المحافظات، وداخل سيارات "السرفيس" بالعاصمة، بجانب شجار على سعر أنبوبة الغاز بحي شبرا الخيمة الشعبي، بالقاهرة الكبرى.

الأسرة المصرية المكونة من (4-5) أفراد تحتاج يوميا إلى حوالي 250 جنيها كحد أدنى لتغطية تكاليف وجبات الطعام فقط، أي ما يعادل 7500 جنيه شهريا غير شاملة مصاريف الأدوية والنقل والمواصلات والتعليم والملابس والإيجار والكهرباء والغاز والمياه والظروف الاستثنائية كالأعياد والمناسبات، وفق تأكيد الباحث الاقتصادي حسن بربري، عبر "فيسبوك".

ويشكو أصحاب المعاشات، وهم حوالي 11.5 مليون مواطن، من ظروف اقتصادية صعبة بعد رفع الحكومة أسعار الوقود الشهر الجاري، حيث يبلغ الحد الأدنى للمعاشات 1495 جنيها، ويصعد حتى 3 آلاف جنيه لبعض الفئات، وبينما يصل المتوسط 5 آلاف جنيه، يسجل الحد الأقصى 11600 جنيه، بحسب موقع "الشرق مع بلومبيرغ".

وانخفضت قيمة مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية من إجمالي الناتج المحلي المصري من 9.7 بالمئة في العام المالي (2014/ 2015) إلى 3.7 بالمئة في الموازنة العامة للعام الجاري (2024/ 2025).

وفي المقابل، زاد معدل الفقر من 26.3 بالمئة عام (2012/ 2013)، إلى 32.5 بالمئة في (2017/ 2018)، ثم تراجع لـ29.7 بالمئة عام (2019/ 2020)، فيما توقف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن إصدار تلك النشرات منذ ذلك الحين.

اظهار أخبار متعلقة


ووفقا لحسابات البنك الدولي لمعدلات خط الفقر العالمي، التي رفع معدله من 2.15 إلى 6.85 دولار يوميا، ما يضع أي مصري يقل دخله عن 10.275 جنيه شهريا تحت خط الفقر.

وتحدث كتاب وباحثون مصريون لـ"عربي21"، عن رؤيتهم لما قد يسير إليه المجتمع المصري في ظل مخاوف الفقر والغلاء والجوع، وفقدان الأمان وانتشار البلطجة والمشردين وتجار المخدرات ومصنعيها، مشيرين إلى أسباب غياب الأمن عن الشارع وعن مطاردة الجريمة، وتراجع أدوار المجتمع المدني بإنقاذ المشردين ومتعاطي المخدرات.

"غلاء فاحش.. ولقمة عيش"
الباحث والكاتب الصحفي محمد فخري، قال: "منذ أيام أُعلن عن سعر تذكرة حفلة المغني الأمريكي إنريكي إغلاسيس بمدينة شرم الشيخ، وهي تزيد عن ربع مليون جنيه مصري، المبلغ الذي قد يجمعه الشاب المصري في الغربة بعد سنوات".

"هذا الأمر؛ يعكس حجم تدهور وانهيار قيمة العملة المحلية، كما يعكس حجم الفقر والتضخم الذي يعاني من ويلاته معظم المصريين"، وفق تأكيد فخري لـ"عربي21".

وأضاف: "لك أن تتخيل مثلا الغلاء الفاحش الذي يعاني منه المصريون ليس في أسعار السيارات والعقارات فقط، ولكن في لقمة عيشهم اليومية، وفي أسعار الخضروات والفاكهة وباقي المنتجات الغذائية، ولا يقتصر الأمر على ذلك، ولكنه امتد إلى أسعار المرافق والمواصلات وغيرها من تكاليف المعيشة".

وأكد أنه "لا نتحدث هنا عن تكلفة الزواج نفسه الذي تراجعت نسبته، ولا عن معدل المواليد الذي انخفض لأول مرة منذ عقود طويلة، تحت ضغط تكاليف الحياة".

ولفت إلى أن ذلك الواقع "يوازيه تقاعس سلطات الدولة التنفيذية عن العمل في الشارع المصري وأداء دورها بالشكل الأمثل".

وذهب فخري، للتأكيد على أن "دور الأمن الجنائي اقتصر على الأداء المكتبي داخل الأقسام، وحتى هذا أضحى يستلزم وجود واسطة لإنهائه، وانعكس هذا على الشارع الذي انتشرت فيه الفوضى والبلطجة والمخدرات، بعد أن انحصرت اهتمامات الشرطة على الرد على قضايا (الترندات)".

وعن دور المجتمع المدني يرى الباحث المصري، أن "دوره غاب في مساندة أجهزة الدولة لأنه قد تم تغييبه عمدا، وقسرا من السلطات التي أغلقت الجمعيات وحصرت نشاطها لأهداف معينة، وسيطرت على بعض الجمعيات لجمع التبرعات، ما انعكس على إقبال المواطن على المشاركة والتبرع لغياب الثقة وانهيار المصداقية".

"مرحلة خطيرة من الفقر واليأس"
وفي حديثه لـ"عربي21"، قال الكاتب والباحث المصري عزت النمر إن "ما يعيشه المصريون من أزمات يشي بأنها كانت تصف الواقع الاقتصادي بلا تجمل، وحياة المصريين بصورة واقعية"، لافتا إلى أن "تقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تؤكد ذلك بعدما أثبتت أن نسبة الفقر عام 2020، كانت من 35 لـ35.5 بالمئة، ثم  توقفت تقارير الجهاز، وبهذا دلالة على انحدار أحوال المصريين".

ولفت النمر إلى "حقيقة أخرى نتجاوزها وهي أن التقارير التي ذهبت إلى أن نسب البطالة منخفضة؛ تجاوزت أنه ليس كل من يعمل يعيش من دخله حياة كريمة".

وأعرب عن أسفه من أن "الواقع المصري يمر بمرحلة خطيرة من الفقر واليأس والجوع وغياب الانتماء وفقد الأمل، ما دفع قطعانا للمخدرات يأسا وهروبا أو اتجارا وتكسبا، وقطعان أخرى امتهنت البلطجة لنفس الأسباب".

ويرى أن "نظام السيسي فشل بإدارة الدولة، ويرى أنه بهذه الانحرافات ومعها الفساد إشغال للشعب وإبعاد له عن التفكير والإرادة، لذلك أعتقد أن ما وصل إليه الحال الاقتصادي والاجتماعي ناتج عن إرادة وقرار النظام كصورة إلهاء بعد الفشل الذي وصل إليه".

ويعتقد الباحث المصري أن "المخدرات والبلطجة والإدمان وغيرها من أمراض الواقع المصري أصبحت أوراق النظام لتسيير وقهر شعب من المغيبين والمكسورين".

اظهار أخبار متعلقة


وعن أجهزة الأمن، أكد أنها "تستخدم هؤلاء للسيطرة على الشارع، وكم شاهدنا قوات الأمن تحتمي بالبلطجية، ومعروف من قبل ثورة يناير 2011، أن هناك 300 ألف بلطجي تستخدمهم الشرطة، ومعرف بمصر وفي طبيعة حكم العسكر أن الأمن السياسي المستهدف، أما الأمن الجنائي فليس أولوية، وربما يكون وسيلة إدارة للجماهير وتخويفها، فضلا عن فساد الداخلية كمنظومة وكأفراد".

وحول غياب المجتمع المدني، قال: "حينما وصلت مصر لدولة فاشلة أو شبه دولة على يد السيسي، وغاب المجتمع المدني لأن العسكر لا يستبقون أدوارا لأحد، والمجتمع المدني الحالي جزء من سبوبة النظام وجزء من فساده".

وأضاف: "غياب جماعة الإخوان المسلمين بمؤسساتهم وجمعياتهم ومساجدهم ورموزهم سبب انهيارا وخللا بالواقع الاجتماعي والاقتصادي؛ حيث كانوا رافعة للأخلاق والقيم وحافظة لقيم المجتمع، ومؤسساتهم الاجتماعية كانت منقذة للمجتمع بكل طبقاته من الانهيار والتفكك، فلما غاب دورهم الاجتماعي والديني وصل المجتمع إلى ما يعانيه الآن".

التعليقات (0)