مقالات مختارة

بايدن وترامب وصفقة غزة

هاني عوكل
جيتي
جيتي
قبل رحيله بخمسة أيام عن البيت الأبيض، المقرر الاثنين المقبل، توصلت الإدارة الأمريكية الحالية برئيسها جو بايدن لإتمام صفقة وقف إطلاق النار بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، بعد أكثر من خمسة عشر شهرا من القتل والتدمير الواسع الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة، بغطاء من الولايات المتحدة الأمريكية.

لو لم يرحل بايدن عن السلطة، لكنا أمام فترة أطول من العدوان الإسرائيلي على غزة، بدليل أن الإدارة الأمريكية الحالية لم تقم بالضغط الكافي لإتمام صفقة تنهي هذا العدوان، غير أن انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة خلفا لبايدن، عجّل من إعلان وقف إطلاق النار.

قبل انتخابه بأشهر قليلة كانت قناعة ترامب أن الحرب لا بد أن تتوقف، والأمر لا يتعلق بحبه للفلسطينيين أو بإيمانه بقضيتهم وحقهم في تقرير مصيرهم، فهو أساسا لا يعترف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وإنما قلبه على إسرائيل ولا يريد لها أن تخسر داخليا وعلى الصعيد الدولي.

ترامب من أشد الداعمين لإسرائيل، وفي ولايته الرئاسية الأولى اتخذ قرارات اعتبرت متطرفة وقيمة مضافة بالنسبة لتل أبيب، من بين ذلك اعترافه بالقدس العاصمة الأبدية للشعب اليهودي، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إليها.

إتمام صفقة وقف إطلاق النار لا يعود فضلها للإدارة الأمريكية الحالية كما ادعى بايدن، وإنما للرئيس ترامب الذي استعجل إتمامها مع موعد استلامه السلطة، ويشهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ذلك، حين شكر ترامب على دعمه وإنجاحه للصفقة.

هذا لا يعني أن الرئيس الجديد راض تماما عن الصفقة؛ كونها لا تلبي طموحات إسرائيل السياسية والأمنية، لكن فكرة ترامب أن إخماد حرب تتآكل فيها سمعة إسرائيل يوما بعد يوم، أفضل من بقائها مستعرة إلى أن يأتي وقت لا تتمكن فيه واشنطن من حماية حليفتها تل أبيب.

الصفقة تشمل ثلاث مراحل وتستغرق وقتا حتى تطبق مراحلها جميعا، وثمة نقاش في الدوائر الإسرائيلية عن احتمالية إقامة منطقة عازلة داخل قطاع غزة، تقتطع 60 كيلومترا مربعا من مساحتها الإجمالية البالغة 350 كيلومترا مربعا، هذا إلى جانب الحديث عن تغيير جذري في العقيدة الأمنية لمنطقة غلاف غزة.

كذلك هناك حديث عن نصب حاجز إلكتروني مزود بكاميرات مراقبة في محور نتساريم الذي ستخليه إسرائيل، مع انتشار عسكري في شارع صلاح الدين، والنقطة الأهم التي لم يجر نقاشها حتى هذه اللحظة تتصل بإدارة غزة بعد الحرب.

إدارة ترامب سيكون لها دور في تفسير الاتفاق بما يحقق الأفضلية لإسرائيل أو يُحصّنها أمنيا، وعلى الأغلب أن تشتغل تل أبيب أكثر بالضفة الغربية من حيث تسريع الاستيطان ووأد قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

المعنى أن أي خسارة لإسرائيل بسبب موافقتها على الصفقة، ستعوضها إدارة ترامب بالتركيز على الضفة الغربية وسوريا، وستجعلها الأقوى في منطقة الشرق الأوسط، وهذا بالفعل ما يحدث، خصوصا مع سقوط نظام الأسد وتغير في الخطاب الإيراني تجاه تل أبيب.

الرئيس الأمريكي الجديد ينظر إلى ما هو أبعد من الصفقة، إذ على صعيد منطقة الشرق الأوسط، يرى في اتفاق وقف إطلاق النار مقدمة لقبول إسرائيل عربيا والعودة إلى سياسة التطبيع، وهذا الأمر بالتأكيد يخدم نتنياهو ويجعله فوق الشبهات، ويبيّض صفحته التي تلطخت بدماء الفلسطينيين.

أما على الصعيد الدولي، فهو يريد من العالم أن يعيد قبول إسرائيل كدولة تحترم القانون والاتفاقيات الدولية، ولها حضور في المسرح الدولي، وفي جانب آخر يتطلع ترامب إلى تركيز كل جهده على منع الصين من اقتطاع حصص أمريكا في العالم.

بالمختصر، يتعامل ترامب مع إدارة العالم بمبدأ الربح والخسارة، فهو يرى في إتمام اتفاق وقف إطلاق النار ربحا لأمريكا وإسرائيل، والأهم أنه سينقذ سمعة الأخيرة التي باتت تتآكل عالميا، لكنه سيعوضها سياسيا واقتصاديا، وسيحول خسارتها من قبول الاتفاق إلى أرباح في أماكن وأمور أخرى.

وكذلك في حربه المفتوحة مع الصين، يرى أنها أولوية الأولويات، وأنه ينبغي إنهاء الحروب الحالية كالتي تحدث بين روسيا وأوكرانيا، حتى يتمكن من الانشغال بالتمدد الصيني، ويحرم بكين من النمو الاقتصادي الذي تحققه عاما بعد عام.

لن يترك ترامب صديقه نتنياهو يسبح في المجهول، خصوصا أن الأخير كان ينتظر بفارغ الصبر حضور الأول في المشهد السياسي الأمريكي، ففي النهاية كل ما يهم سيد البيت الأبيض أن تبقى إسرائيل الدولة المتفوقة في منطقة الشرق الأوسط، والمحصنة سياسيّا واقتصاديّا وعسكريّا.

الأيام الفلسطينية
التعليقات (0)

خبر عاجل