قضايا وآراء

إلى الإخوة في حركة فتح.. تعالوا إلى وطن سواء بيننا وبينكم..

وليد الهودلي
مسيرة غاضبة في جنين ضد اعتدءات قوات السلطة الفلسطينية- إكس
مسيرة غاضبة في جنين ضد اعتدءات قوات السلطة الفلسطينية- إكس
لستم من أهل الكتاب ونحن لسنا حكرا لأهل الإيمان، فكلانا من أهل الإيمان، كلانا أهل هذا الوطن العزيز الغالي، كلانا نريد هذا الوطن، وكلانا في ذات الوقت نفقد هذا الوطن ونقف أمام ذات التحدّي لعدوّ واحد يُجمع أن لا يكون هناك "حماسستان" ولا "فتحستان" ولا أية كينونة سياسيّة لفلسطيني مهما كان؛ لا من إنس ولا جانّ.

نحن وإيّاكم مثلنا مثل الأم التي واجهت الأم المدّعية رضيعها أمام القاضي، هذه الأم المزيّفة وافقت على قسمة الرضيع نصفين لتأخذ نصفها وتتنازل عن النصف الثاني رغم يقينها بموت الرضيع.. نحن وإياكم نمثّل الأم الحقيقيّة التي ترفض قسمة فكرة الوطن وروح الوطن ودماء الوطن وإنسان الوطن، هذه لا تقبل القسمة، ولا مناص لنا إلّا أن نتشارك الوطن، لا مفرّ ولا حلّ ولا مخرج لنا إلّا أن نكون شركاء، مهما ادلهمّت الخطوب ومهما احلولك الليل ومهما تكالب علينا الطغاة، ومهما جمع علينا شيطان الاحتلال بخيله ورجله وعديده وعتاده، ومهما اسودّت الدنيا في عيوننا وضاقت علينا الأرض بما رحبت، سنبقى شركاء وما لنا إلا أن نتقبل هذه الشراكة ونسعى لتطويرها وتصويبها وتحويطها بالحكمة والرشاد وسموّ الروح ونبل العزائم وطول النّفَس. مهما طال القبض على الجمر ومهما عجز الصبر عن صبرنا، ما لنا إلا أن يحمل بعضنا بعضا وأن يرحم بعضنا بعضا وأن يشدّ أزر بعضا بعضا، ما لنا إلّا أن نأمر أهلنا بالوطن ونصطبر عليه مهما بلغت الجروح والآلام والتضحيات.

سنبقى شركاء وما لنا إلا أن نتقبل هذه الشراكة ونسعى لتطويرها وتصويبها وتحويطها بالحكمة والرشاد وسموّ الروح ونبل العزائم وطول النّفَس. مهما طال القبض على الجمر ومهما عجز الصبر عن صبرنا، ما لنا إلا أن يحمل بعضنا بعضا وأن يرحم بعضنا بعضا وأن يشدّ أزر بعضا بعضا، ما لنا إلّا أن نأمر أهلنا بالوطن ونصطبر عليه مهما بلغت الجروح والآلام والتضحيات
تعالوا إلى وطن سواء بيننا وبينكم..

هذا ليس شعارا ولا بيتا من قصيدة عصماء، هذه ليست فكرة عابرة ولا أنشودة ساحرة، هذا ليس خيال كاتب أو جموح شاعر، هذه ليست تجارة ولا مغامرة ولا رحلة عابرة، إنها قصة واقعة لحياة أو موت، وما بين خيارات لا تبتعد كثيرا عن الموت يريدها كلّ المتربصين بنا لا بدّ لنا من طلب حياتنا، وقد نحقّقها بصعوبات جمّة وطرق وعرة شاقّة إذا لبّينا هذا النداء، أمّا إذا أدرنا ظهورنا وعصبنا عيوننا فإنّ حتميّة المسار هو حتفنا الذي اخترناه بأيدينا، هو موتنا جميعا والذي سيكون بما كسبت أيدينا وبما وقعنا به من عماوة في قلوبنا.

تعالوا إلى وطن سواء بيننا وبينكم..

إذا أردنا ذلك لا بدّ من أن نتخلّى عن سرديّاتنا التي تضرب الواحدة الأخرى من جذورها، لا بدّ من التمسّك والعودة إلى سرديّة هذا الوطن الذي عشقنا روحه وشربنا ماءه وتنفّسنا هواءه ورضعنا كبرياءه، وكان لنا دثارا وكنّا له حماة، ونبضنا نبضه ونشدنا قصيده وكان لنا كلّ شيء وكنا دونه لا شيء. كلّ خطاب يضرب هذه الروح وينتقص منها أو يمسّ بها يجب أن نتخلّى عنه، كلّ فلسطينيّ يحمل همّ هذا الوطن هو مقدّس من قداسة هذا الوطن، له حرمة ومكانة وجمال لا يجوز لأحد أن يخدش هذا الجمال، فالحرمة ليست للدماء فقط وإنما لكلّ ما في هذا الفلسطينيّ من "ساسه لراسه"، لا ينبغي إلا أن تحفظ كرامته وتصان كلّ مكوّناته المعنوية والماديّة مهما صغرت أو كبرت، لماذا؟ لأنّه حمل هذه الروح الجميلة في قلبه وصار بذلك فلسطينيّا موصولا بجذور هذا الوطن.

تعالوا إلى وطن سواء بيننا وبينكم..

فالأمر ليس فقط ضرورة واقعية يفرضها هذا النقيض المحتلّ الطارد لكلّ شيء فينا والنافي لأصول وجودنا، وإنما هي المساحات المشتركة الكبيرة والواسعة التي تجمعنا، فكلّنا إذا أتيحت لنا الفرصة فساحة المسجد الأقصى تجمعنا بإيمان راسخ وقلب واحد مفعم بإيمان بربّ واحد ودين جامع، وكذلك إخوتنا المسيحيون نجتمع بهم بقدس واحدة يعانق فيها الأقصى كنيسة القيامة. وفي رمضان شهر الرحمة والرضوان ماذا عساه يفعل بنا وماذا نفعل به إذا جاءنا ونحن متنكبّين ومعرضين عن كلّ ما يجمعنا؟ ثم إنّ هناك ثقافة واحدة تجمعنا ولغة واحدة وعادات واحدة وتاريخا واحدا ومستقبلا واحدا لا مفرّ منه، أرواح شهداء ودماء عزيزة غالية وأسرى دفعوا زهرة شبابهم حبا وطواعية، ما الذي يفرقنا بعد ذلك؟ رايات مختلفة الألوان وسياسات غير مجدية مع هذا الاحتلال؟
كلّ من يسلك غير هذا الطريق مهما كانت الحجج والمبرّرات فإنّه يدعم حالة الضياع والتيه والمراهقة الحزبيّة أو العبث السياسي وفقدان البوصلة، نحن شركاء وليس لنا إلا أن نكون شركاء
العقلاء منا وما أكثرهم قادرون على أن يلتمسوا الطريق فيخرجونا من هذه الهوامش الضيّقة التي نفترق فيها لنلتمس الطرق العريضة التي تجمعنا ونلتقي فيها.

تعالوا إلى وطن سواء بيننا وبينكم..

باختصار، كلّ من يسلك غير هذا الطريق مهما كانت الحجج والمبرّرات فإنّه يدعم حالة الضياع والتيه والمراهقة الحزبيّة أو العبث السياسي وفقدان البوصلة، نحن شركاء وليس لنا إلا أن نكون شركاء. الوطن هو الأمّ التي لا تقبل قسمة ابنها مهما كانت المبرّرات والأسباب، وما يحدث في مخيم جنين لا يمكن أن يقبل به من يحمل هذا الهمّ العظيم، لا يمكن لهذا النزيف أن يستمرّ، لا يمكن أن تستمرّ هذه المأساة وجمهور من دفعوا غالي أعمارهم يقفون متفرجين بلا حول منهم ولا قوّة أو يكتفون بالقول ويحجمون عن الفعل.. حركة فتح بكلّ كفاءاتها وكوادرها تستطيع أن توقف هذا الأمر الخارج عن ثقافتنا وروح وحدتنا، تستطيع أن تتحرّك بروحها العالية وبكلّ جدارة لتوقف ما يجري هناك خارجا عن سياق نضالاتها العزيزة الغالية، وستجد معها كلّ أحرار هذا الوطن، وقبل كل ذلك وبعده ستجد يد الله، فيد الله مع الجماعة.
التعليقات (0)