كتاب عربي 21

هل تضع الثورة السورية حدا لمذابح الإخوان المسلمين؟

نور الدين العلوي
"هل يثبت التيار قوة فعلية وينجز وقد أنهت الثورة السورية المذابح المنهجية؟"- الأناضول
"هل يثبت التيار قوة فعلية وينجز وقد أنهت الثورة السورية المذابح المنهجية؟"- الأناضول
نشأنا وعشنا ثلثي قرن على أخبار مذابح الإخوان المسلمين وفروعهم القُطرية، وشاركت كل الأنظمة العربية القومية منها والليبرالية (الثورية منها والرجعية)، في هذه المذابح على طول الرقعة العربية. كانت مذابح منظمة متشابهة في ترتيبها وتبريراتها، وتقوم على سردية متطابقة (الإخوان تنظيم خياني وإجرامي زرعه الاستعمار لتخريب الأوطان). وكانت سردية قابلة للبلع لو حققت الأنظمة، الرجعية منها والتقدمية، ما أعلنته من تنمية اقتصادية واجتماعية وحررت الأرض المحتلة طبقا للشعارات، لكن انكشاف الوضع السوري بعد نظام البعث أعاد تجلية الصورة.

هذه الأنظمة ومن كل مشاريعها المعلنة، لم تتقن ولم تتفق إلا في مهمة مركزية واحدة؛ تصفية تيار الإخوان بمختلف مسمياته القُطرية. لقد فشلت كل الأنظمة في كل مهامها، إلا مهمة تصفية التيار الإسلامي، لكنها الآن تسقط تباعا ويظهر وجه الإخوان من جديد. لقد عاش التيار رغم المذابح أكثر من قاتليه، وهو يبدو حيّا ومتماسكا، وربما يتأهل للقيادة من جديد، وتقع عليه الآن مهمة إنجاز التنمية والتحرير وبناء الديمقراطية من الصفر، فهل يثبت التيار قوة فعلية وينجز وقد أنهت الثورة السورية المذابح المنهجية؟

لا يدخل في اهتمامي الآن وهنا، تقييم مشروع الإخوان المسلمين الفكري والسياسي، كما لا ننسب لهم كل الثورة السورية التي نجحت، بل هو مكون منها قد لا يكون مؤثرا، ولكن لا يمكن نفي مشاركتهم في الثورة،

الإخوان أحياء بعد

لا يدخل في اهتمامي الآن وهنا، تقييم مشروع الإخوان المسلمين الفكري والسياسي، كما لا ننسب لهم كل الثورة السورية التي نجحت، بل هو مكون منها قد لا يكون مؤثرا، ولكن لا يمكن نفي مشاركتهم في الثورة؛ لذلك نُخرج المقال من منطقة الدعاية السياسية للتيار ومن منطقة الاستهانة بدوره، ونقف أمام سؤالين مهمين، موجهين لمن حارب الإخوان بلا هوادة:

الأول: لماذا لم يندثر التيار رغم المذابح التي تعرض لها في كل قُطر، وظل يعود باسمه أو بمسميات مختلفة طيلة حياة الدولة العربية الحديثة؟ (للتذكير ولد التيار منذ قرن؛ أي قبل ولادة الدويلات العربية كلها).
والثاني: لماذا كانت تصفية التيار تحظى بالدعم الغربي المطلق لكل نظام عربي مارس مذابح في حقهم، سواء كان قوميّا تقدميّا/صمود وتصدي/ أو رجعيّا، ملكيّا أو جمهوريّا)؟

هذا اللقاء المريب بين الأنظمة والغرب الاستعماري وربيبته الصهيونية، ظل باستمرار شهادة براءة من العمالة والخيانة التي وصمت بها الأنظمة التيار الإسلامي من المغرب إلى العراق، وظل يجمع لهم أنصارا ومتعاطفين. (غني عن القول بأن هناك تيارات وشخصيات وطنية حرة وديمقراطية من خارج التيار، لم تشارك في المذابح لصالح الغرب والكيان الصهيوني، وقد وصمت بالإخوانية لمجرد أنها لم تشارك في المذابح).

فشل الأنظمة في إنجاز التنمية والديمقراطية وتحرير الأرض المحتلة، أنتج تعاطفا أكبر مع التيار، خاصة بعد حرب الطوفان التي قادها فصيل لا يخفي أصله الإخواني، وإن اختلف معهم في الوسيلة النضالية.

الصورة تتضح أكثر؛ ثلثا قرن من التكاذب باسم التحرير والتنمية، انتهت في سوريا بفضيحة نظام يمكن وصفه بالأكثر كذبا من كل الأنظمة. وخرج الإخوان من تحت ركام البراميل أحياء ولهم صوت ورجال، ويمكن أن يكونوا شركاء حكم في أكثر المواقع استراتيجية لناحية معركة التحرير والتنمية.

بقية عناصر الصورة تكملها الحالة التركية التي لم ينشأ فيها تيار إخواني صرف، لكن التيار الإسلامي فيها ظهر وقاوم الانقلابات منذ الأتاتوركية وانتصر، وحقق نجاحات في التنمية وبناء الديمقراطية، وحوّل تركيا إلى قوة إقليمية تحدث الغرب بندية، وتشارك في تخطيط مصير المنطقة، وربما العالم أيضا. وتبدو الآن في موقع الراعي الحامي لتيار الإخوان و(الإسلام السياسي عامة) في المنطقة العربية، وقد تقوم بمهمة قيادة كل التيار في اتجاه التجربة الأردوغانية.

الإخوان أمام محنة السلطة

الثورة السورية أعلنت نهاية عذابات الإخوان المسلمين في سوريا، حيث تعرض التيار أكثر من كل فصيل إلى التصفية، فلا نظير لما فعل نظام البعث بتيار الإخوان في سوريا. إنهم ليسوا وحدهم الآن في سوريا، ولكنهم مكون رئيسي سنعرف وزنه في أول صندوق انتخابي تعد به الثورة السورية. ونظن أن بقية الفروع الإخوانية في بقية الأقطار، تنظر بغبطة لما حصل في سوريا ونراها تفكر في توسيع الحالة السورية، ونعتقد أن الأنظمة التي عاشت من قمع الإخوان وقبضت من الغرب ثمن تصفيتهم على مدى ثلثي قرن، تفكر الآن في التوقف عن مواصلة المذابح وتعيد حساباتها مع التيار الإسلامي. هنا، نتوقع إنهاء المذابح المنهجية في حق التيار بالمصالحات أو بالمناورات أو بالاستيعاب التدريجي.

إسلاميو سوريا في موقع يتجاذبه تياران: الأردوغانية (العدالة والتنمية)، أو تيار العمل السياسي تحت سقف الديمقراطية، وقبول التعايش مع المختلف دون فرض الإسلام عليه (في عقلية أسلمة وإعادة الفتح)، وهي تجربة قدمت نتائج جعلت حتى المسيحي التركي يصوت لأردوغان في ردهات كثيرة، كما قدمت نتائج تنموية لا يمكن الاستهانة بها. وتيار إسلام سعودي نصمه بالتيار الشريعي.

نهاية محن العذاب فتح باب محن السلطة انطلاقا من سوريا. هنا يبدأ الاختبار الحقيقي للإخوان المسلمين ومن ناصرهم، أو لمن يشارك في ذبحهم؛ هل يتجهون إلى استنساخ التجربة التركية فينجزون التنمية والديمقراطية، أم تستوعبهم التجربة السعودية بخطابها الشريعي الذي يحمل الناس إلى تدين مظاهر غير مشغول؟

إسلاميو سوريا في موقع يتجاذبه تياران: الأردوغانية (العدالة والتنمية)، أو تيار العمل السياسي تحت سقف الديمقراطي،ة وقبول التعايش مع المختلف دون فرض الإسلام عليه (في عقلية أسلمة وإعادة الفتح)، وهي تجربة قدمت نتائج جعلت حتى المسيحي التركي يصوت لأردوغان في ردهات كثيرة، كما قدمت نتائج تنموية لا يمكن الاستهانة بها. وتيار إسلام سعودي نصمه بالتيار الشريعي، ينشغل بإسلام شعائري يقيس طول اللحية بالقبضة والإصبع، ويبني على تكفير القول بالديمقراطية، ومن ذلك فقه طاعة أولي الأمر قبل طاعة الله ورسوله، ولا يضع التنمية وتحرير فلسطين ضمن أجندته، بل يراود التطبيع ويساوم به.

في ردهات كثيرة من عمر تيار الإخوان، وخاصة بعد هروبهم الكبير من مذابح الناصرية، تسلل إسلام الشعائر إلى تفكير الإخوان، وساقتهم السعودية إلى تحالفاتها الخاصة (الأمريكية أساسا)، فحاربوا بشبابهم في كل حروب السعودية، ونظن أن هذه المرحلة تركت آثارها في الفكر والسلوك.

نتوقع في كواليس الثورة وجود هذا التجاذب العميق بين التيارين، وليس لدينا علم بالاتجاه الغالب، لذلك سنبقى في منطقة التوقعات حتى يحين أوان الصندوق الانتخابي، ولكن هنالك ما يشبه اليقين أن عصر المذابح قد توقف في سوريا، وقد يشمل بقية الأقطار التي يوجد فيها تطبيقية إخوانية.
التعليقات (0)

خبر عاجل