ملفات وتقارير

سر الترحيل السريع.. لماذا سلم لبنان عبد الرحمن القرضاوي إلى الإمارات؟

لبنان رحّل القرضاوي بعد طلب رسمي إماراتي بتهمة التحريض على الدولة الخليجية- فيسبوك
لبنان رحّل القرضاوي بعد طلب رسمي إماراتي بتهمة التحريض على الدولة الخليجية- فيسبوك
أثار قرار تسليم لبنان الشاعر المصري التركي عبد الرحمن القرضاوي للإمارات وسرعة تنفيذه جدلا واسعا حول أسباب هذا القرار وما إذا كان تم لأسباب سياسية أم وفقا لأسس قانونية سليمة.

وكان مجلس الوزراء اللبناني وافق على ترحيل القرضاوي لدولة الإمارات العربية المتحدة، وقام بذلك الأربعاء، وذلك بعد طلب رسمي إماراتي بتهمة التحريض عليها.

وعلى الرغم من المطالبات الحقوقية بعدم ترحيله وتسليمه للإمارات، إلا أن الحكومة اللبنانية تجاهلت هذه المطالبات، علما أن حقوقيين قدموا أدلة على أنه قد يتعرض للتعذيب هناك.

اظهار أخبار متعلقة



"ابتزاز اقتصادي"
وأثار التسليم السريع للقرضاوي الجدل والاستغراب، كونه تم سريعا دون منح محاميه الوقت الكافي للطعن ضد قرار الترحيل، والذي كان قد قدم طلبا لوقف تنفيذ قرار مجلس الوزراء بترحيل القرضاوي إلى الإمارات أمام قاضي الأمور المستعجلة، كما أنه بدأ بتقديم طعن بمجلس شورى الدولة، إلا أن الحكومة نفذت قرار الترحيل بشكل مستعجل.

الباحث في العلاقات الدولية بكر البدور يرى أن "الترحيل بهذه السرعة تم لعدة أسباب، أولا، رغبة ميقاتي بالتصرف قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، ونستدل على ذلك بقفز الحكومة اللبنانية على كثير من الإجراءات القانونية وتجاوزها".

وتابع البدور في حديث خاص لـ"عربي21"، "وأما السبب الثاني، فهو عدم رغبة ميقاتي بإتاحة فرصة أمام المتعاطفين مع القرضاوي في لبنان وغيرها للقيام بفعاليات واحتجاجات وضغوطات قد تحول دون تسليمه وهذا ينسجم مع الاستنتاج الأول".

ويعتقد أن "الظروف العامة في لبنان وخاصة الاقتصادية تجعل رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي عرضة للابتزاز والترغيب والترهيب، خاصة إذا كان الطرف المقابل دولة خليجية والكل يتذكر أزمة وزير الإعلام  اللبناني السابق".

وأما السبب الأخير، وفقا للبدور، "فهو الرغبة المصرية أو على الأقل عدم الممانعة المصرية من التسليم خاصة وأن القرضاوي مصري الجنسية، وربما كانت مصر ستطلب تسليمه لها إذا لم يُسلم للإمارات".

وحول ما إذا كان التسليم تم لاعتبارات سياسية، قال البدور، "في عالم السياسة كل شيء متوقع، وبالتالي في العلاقات الدولية يتم الموازنة بين الدول الضاغطة حسب نفوذها والمصلحة معها، ودول الخليج لها نفوذ كبير في لبنان".

اظهار أخبار متعلقة



"مأزق سياسي وقانوني"
من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني، إبراهيم حيدر، إن "عبد الرحمن القرضاوي كان  يدخل إلى لبنان في فترات سابقة ولم يتم توقيفه، فجاء توقيفه مؤخرا بطريقة مفاجئة، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وبالتالي وضع لبنان نفسه أمام مأزق، نظرا لمطالبة دول عدة بتسليم القرضاوي لها، وأخرى طالبت بإطلاق سراحه".

وفي حديثه لـ"عربي21"، يرى حيدر أنه "ليس بالضرورة أن تكون هناك خلفيات سياسية للموضوع، ولكن بالتأكيد توقيف عبد الرحمن القرضاوي جاء في لحظة تقاطع معينة مرتبطة بالتطورات التي حدثت في المنطقة ومنها سوريا، وبالتالي وجد لبنان بعملية الاعتقال هذه نفسه في مأزق".

ولفت إلى أن "عملية الخروج من هذا المأزق كانت عملية صعبة، وبالتالي السلطة في النهاية قررت تسليمه للإمارات، بالطبع لا أدري ما هي الاعتبارات والخلفيات لقرار التسليم، حيث لم تقدم الحكومة تفاصيل حول هذا القرار، ولكن يبدو أن القرار اتخذ كنوع من تسوية معينة بعدم تسليمه لمصر وفي ذات الوقت عدم إطلاق سراحه".

وحول ما هي التسوية التي يعتقد أنها تمت، قال حيدر: "أعني أنها تسوية تجاه العلاقات مع الدول سوءا التي طالبت بتسليمه أو التي طالبت بإطلاق سراحه".

وأضاف، "النقطة الأساسية التي يجب الإشارة إليها بصرف النظر عن الموقف السياسي من عبد الرحمن القرضاوي، مجرد اعتقاله كانت لحظة تقاطع معين أدى إلى إرباك داخل السلطة اللبنانية ذاتها".

ويكمل، "بالتالي قرار تسليمه للإمارات وبما يحيط حوله ربما يكون نتج عن نوع من الاتصالات قد تحدث بين الإمارات من جهة وقطر وتركيا من جهة أخرى، وبالتالي ربما على هذا الأساس صدر قرار التسليم".

وحول ما إذا كان قرار الاعتقال لاعتبارات سياسية أم لا، قال حيدر، "يعني بالتأكيد أي عملية اعتقال لها اعتبارات سياسية، بصرف النظر عن الشق القضائي في الموضوع أو الاتهامات الموجهة للقرضاوي".

وتابع، "لكن أعتقد أن مجرد القول بأن عبد الرحمن القرضاوي كان يدخل إلى بيروت ولم يتم اعتقاله سابقا، يعني ذلك أنه بمجرد اعتقاله تدخل هنا الاعتبارات السياسية، أيضا تدخل هنا تقاطعات معينة في لحظة التغيير الذي حدث في سوريا وبالمنطقة ككل".

وخلص بالقول، "أعتقد أن لبنان بمجرد اعتقاله للقرضاوي أدخل نفسه في مأزق معين أمام مجموعة من الدول، بعضها يطالب بتسليمه لها، وبعضها الآخر يطالب بإطلاق سراحه، وبالمحصلة هناك اعتبارات سياسية للاعتقال ولقرار التسليم، وبالتالي هنا يبرز تساؤل حول ما إذا كان لدى لبنان معلومات حول أن تسليمه يُشكل تسوية ما لاتصالات لاحقة قد تحصل بين دول معينة وبالتالي تحل ملف القرضاوي".

اظهار أخبار متعلقة




"ترحيل غير قانوني"
وفور حدوث الترحيل والتسليم للإمارات طالب حقوقيون وكتاب ونشطاء بمقاضاة الحكومة اللبنانية، بسبب القرار الذي اعتبروه أنه غير قانوني وجائر.

ودعا الحقوقيون لمحاكمة رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، خاصة أنهم يتوقعون أن الحكومة الإماراتية ستقوم بتعذيب الشاعر عبد الرحمن القرضاوي.

كذلك، أثارت سرعة إنجاز قرار الترحيل تساؤلات حول قانونيته، خاصة أن القرضاوي لا يحمل الجنسية الإماراتية وأن الترحيل تم على عجل، أيضا تثير مطالبات النشطاء بمقاضاة لبنان تساؤلات حول إمكانية ذلك قانونيا.

الخبير في القانون الدولي إسماعيل خلف الله، أكد أن "تسليم الشاعر عبد الرحمن القرضاوي للإمارات هو تسليم باطل، لأسباب عديدة، أولا، هو لا يحمل الجنسية الإماراتية، ثانيا هو غير ملاحق سابقا وليس عليه أحكام قضائية في الإمارات، ولهذا كان تسليمه لها أمرا مُستغربا خاصة أن الأسس القانونية لهذا القرار غير متوفرة".

وتابع خلف الله في حديث خاص لـ"عربي21"، "أيضا القضية تمت بشكل سريع، فمن الناحية الإجرائية ما هي الإجراءات التي تتم بهذه السرعة؟ ولهذا برأيي التسليم كان سياسيا، وهذه القضية سياسية بامتياز، كذلك القرار يفتقد للأسس القانونية، فهو لم يكن ملاحقا قضائيا أو تمت محاكمته في الإمارات منذ فترة طويلة، وإنما التهمة التي وُجهت له كانت حديثة جدا".

وحول الحديث بأن قرار التسليم تم وفقا لاتفاقية الرياض قال خلف الله، "أعتقد أن العمل وفق هذه الاتفاقية يجب أن يستند إلى أسس قانونية، بمعنى أين هو دور القانون هنا في هذه القضية؟".

اظهار أخبار متعلقة


وتابع، "هم حاولوا تبرير تسليمه بأنه تم على أساس هذه الاتفاقية، ولكن قرار التسليم يناقض المواثيق القانونية الدولية الموقع عليها لبنان، حيث الأولوية للاتفاقيات الدولية الخاصة بتجريم التعذيب وليس لاتفاقية الرياض".

وأوضح خلف الله أن "إجراءات الترحيل تمت بسرعة ولم تقم على أسس قانونية صحيحة، حيث لم يتم منح الوقت للطعن والاستئناف القانوني على قرار التسليم، كذلك الدولة المُرحل لها هي غير مختصة في الجانب القضائي، لأن الرجل ليس إماراتيا، وهو أصلا دخل لبنان بجواز سفره التركي".

وتابع: "حتى في حال كان قرار الترحيل قانونيا يجب أن يكون إلى تركيا، أو أن يتم محاكمته أمام القضاء اللبناني أو القضاء السوري لأن التهمة الموجهة له كانت بسبب أمر فعله بسوريا أو يحاكم أمام القضاء التركي بحكم أنه يحمل الجنسية التركية".

وعن إمكانية أو قانونية مقاضاة الحكومة اللبنانية، قال خلف الله، "أعتقد أنه يمكن للحقوقيين مقاضاة الحكومة اللبنانية، وأيضا أعتقد أنه يمكن أن تشمل المقاضاة شركة الطيران التي نقلته للإمارات، وهناك محاكم نظرت في العديد من القضايا المشابهة لقضية القرضاوي".
التعليقات (0)