قضايا وآراء

سقط بشار ولم تسقط سوريا.. محطات للتاريخ ونقاش هادئ مع القوميين العرب

تاريخ آل الأسد الإجرامي لا يمكن حصره، وما زالت أدلته تتكشف يومياً..
تاريخ آل الأسد الإجرامي لا يمكن حصره، وما زالت أدلته تتكشف يومياً..
ما زال بعض أنصار القومية ممن عفى عليهم الزمان يتباكون على نظام الإجرام الذي حكم سوريا منذ عقود، بحجة أن سقوط النظام يعني سقوط سوريا وبالتالي سقوط عواصم أخرى، هكذا يسمونه: سقوط، وهكذا يروجون أن نظام آل الأسد الإجرامي كان حامي الحمى في سوريا والسد العروبي القومي المتين في وجه كل المؤمرات..

لكن هؤلاء ومنهم مصطفى بكري، وحمدين صباحي، وعبد الباري عطوان لا يستطيعون إثبات موقف حقيقي واحد لهذا النظام، اللهم إلا الشعارات الجوفاء..

وهنا أسرد بعضاً من التاريخ المظلم لهذه العائلة المجرمة ليس بحق سوريا فقط، بل بحق العروبة التي يتباكى عليها بقايا القومجيين، وأركز على "بعض" لأن تاريخ آل الأسد الإجرامي لا يمكن حصره، وما زالت أدلته تتكشف يومياً..

سورياً

بعدما احتلّت فرنسا الأراضي السورية عام 1919م بقيادة "غورو"، عمدت إلى تقسيم سوريا إلى ست دويلات لتفتيت شعبها: حلب، ودمشق، ولبنان، وجبال النصيريين (العلويين)، وجبال الدروز، والأسكندرون والتي أعطيت فيما بعد لمصطفى كمال أتاتورك أثناء معاهدة أنقرة وترسيم الحدود.

الأسد الجد والوثيقة الغادرة

كانت أبرز مواقف الخيانة والعمالة التي أظهرها آل الأسد، تلك الوثيقة التي وقع عليها وجهاء العلويين وأرسلت إلى السلطات الفرنسية، يطالبون فيها نيابة عن الطائفة بعدم إلغاء الانتداب الفرنسي على سوريا، وعدم منحها الاستقلال.

وظهر في الوثيقة مدى كرههم للمسلمين، والتعاطف مع الصهاينة إزاء تواجدهم في فلسطين، والنقمة على العرب المسلمين الذين يتصدّون لتوسعاتهم الرّامية إلى إقامة دولة لهم في القدس المباركة.

منذ اليوم الأول للحراك الشعبي السلمي للسوريين للمطالبة بحياة كريمة، وجه بشار أجهزته القمعية لوأد المطالب وارتكاب الجرائم الواحدة تلو الأخرى ايتداءً بحمز الخطيب، مروراً بتدمير المدن، والبراميل المتفجرة، والاستعانة بكل حثالات الأرض من ميليشيات طائفية، إلى القتل الجماعي وهو ما أدى لمقتل واختفاء مئات الآلاف من السوريين، ونزوح ولجوء الملايين، ومصادرة أملاك كل من يعارض النظام المجرم.
كان سليمان الأسد (أو الوحش قبل تغييره) جد بشار، أحد المُوقّعين على هذه الوثيقة المحفوظة في سجلات الخارجية الفرنسية تحت رقم 3547 بتاريخ 15/6/1936م.

في 30 أغسطس عام 2012م، وأثناء مداولات مجلس الأمن بشأن اللاجئين السوريين، واجه (لوران فابيوس) وزير خارجية فرنسا، (بشار الجعفري) مندوب النظام السوري لدى الأمم المتحدة، بتلك الوثيقة التي تعود إلى عهد الانتداب الفرنسي على سوريا، وهو الخبر الذي نشرته (العربية نت) في مطلع سبتمبر 2012م.

وخلال اللقاء، قال (فابيوس) للجعفري: "بما أنك تحدثت عن فترة الاحتلال الفرنسي، فمن واجبي أن أذكّرك بأن جد رئيسكم الأسد طالب فرنسا بعدم الرحيل عن سورية وعدم منحها الاستقلال، وذلك بموجب وثيقة رسمية وقّع عليها ومحفوظة في وزارة الخارجية الفرنسية، وإن أحببت أعطيك نسخة عنها".

ومن بين المقاطع التي وردت في الوثيقة: "إن الشعب العلوي يرفض أن يلحق بسوريا المسلمة، لأن الدين الإسلامي يعتبر دين الدولة الرسمي".

"إن منح سوريا استقلالها وإلغاء الانتداب يؤلفان مثلا طيبا للمبادئ الاشتراكية في سوريا، إلا أن الاستقلال المطلق يعني سيطرة بعض العائلات المسلمة على الشعب العلوي في كيليكيا وإسكندرون".

"إن روح الحقد والتعصب التي غرزت جذورها في صدر المسلمين العرب نحو كل ما هو غير مسلم هي روح يغذيها الدين الإسلامي على الدوام".

"حالة اليهود في فلسطين هي أقوى الأدلة الواضحة الملموسة على أهمية القضية الدينية التي عند العرب المسلمين لكل من لا ينتمي إلى الإسلام".

"إن أولئك اليهود الطيبين الذين جاؤوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام، ونثروا فوق أرض فلسطين الذهب والرفاه ولم يوقعوا الأذى بأحد ولم يأخذوا شيئا بالقوة، ومع ذلك أعلن المسلمون ضدهم الحرب المقدسة".

"سوريا لا تزال في الوقت الحاضر بعيدة عن الهدف الشريف الذي تسعون إليه، لأنها لا تزال خاضعة لروح الاقطاعية الدينية. ولا نظن أن الحكومة الفرنسية والحزب الاشتراكي الفرنسي يقبلان بأن يمنح السوريون استقلالا يكون معناه عند تطبيقه استعباد الشعب العلوي".

"أما طلب السوريين بضم الشعب العلوي إلى سوريا فمن المستحيل أن تقبلوا به، أو توافقوا عليه".

بيع الجولان

كان حافظ الأسد وزيراً للدفاع في سوريا إبان حرب عام 1967، وهو المسؤول الأول والأخير عن ضياع الجولان السوري وقد كتبت دراسات وكتب حول كيفية تسليمه للجولان، وهو ما سُمي بيعاً!

يقول موشى ديان في مذكراته التي عنون لها بـ "الفاشية" عن الجبهة السورية في حرب 67: "الضربة الحاسمة كانت إعلان إذاعة دمشق سقوط القنيطرة قبل سقوطها، فإن الحكومة السورية أعلنت في الثامنة والنصف من صبيحة اليوم التالي سقوط القنيطرة، لتدفع مجلس الأمن إلى اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار فورا، وفي الواقع لم يكن أي جندي إسرائيلي قد ظهر ساعتئذ في المدينة، والقوات السورية في الجبهة ما كادت تسمع النبأ حتى انطلقت مدبرة، ولما وصلت قواتنا حوالي الظهر إلى القنيطرة والبطيحة ومسعدة، وهي أهدافنا الأخيرة في الجولان، وجدتها خالية".

وزير الدفاع حافظ الأسد هو من أذاع البيان رقم 66 بتاريخ 10-6-1967م، ومن المفارقات العجيبة أن وفاته كانت في نفس اليوم والشهر من عام 2000م.

تواجد وزير الصحة عبد الرحمن أكتع، وبعد إذاعة البيان، اتصل الأكتع بوزير الدفاع حافظ الأسد، يخبره بأنه يتحدث مباشرة من القنيطرة، وأنها لم يقربها جندي إسرائيلي واحد، فما كان من الأسد إلا أن كالَ له الشتائم القذرة، فعلم وزير الصحة أنها مؤامرة، فقدم استقالته في اليوم التالي.

حرب عام 1973

وهي ما يسميها النظام وبقايا القوميين "حرب تشرين المجيدة" وهي في حقيقة الأمر هزيمة نكراء فقدت فيها سوريا أراضٍ إضافية لصالح الاحتلال.

هذه حقيقة لا تقبل الجدال حتى ولو تقافز القوميون على رؤوسهم، وما يلي بعض التفاصيل لمن يحب!

في حرب عام 1973، هاجمت القوات السورية هضبة الجولان، واستطاعت التقدم في بعض المناطق، خاصة في الأجزاء الجنوبية من الهضبة، لكن القوات الإسرائيلية شنت هجوماً مضاداً واستعادت السيطرة على الهضبة.

وتوغلت القوات الإسرائيلية شرق الخط البنفسجي في الجزء الشمالي من هضبة الجولان، واحتلت مناطق إضافية في العمق السوري لم تكن تحتلها قبل العام 1973، بما في ذلك مناطق على طول الطريق بين هضبة الجولان والعاصمة دمشق، وقمة جبل الشيخ.

ليأتي العام 1974، حين توصلت سوريا وإسرائيل إلى اتفاقية هدنة عُرفت باسم "اتفاقية فض الاشتباك"، انسحبت إسرائيل بموجبها من كافة المناطق التي احتلتها في حرب 1973، إضافة إلى مناطق محدودة احتلتها في عام 1967 تشمل مدينة القنيطرة.

في المقابل، اتفق الطرفان على إنشاء منطقة عازلة "منطقة فصل" بين الجزء الذي تحتله إسرائيل من هضبة الجولان وبين سوريا، وتكون هذه المنطقة داخل الأراضي التي تخضع لسيطرة سوريا شرق الخط البنفسجي، وعلى طول امتداد الخط من جبل الشيخ شمالاً وصولاً إلى الحدود بين سوريا والأردن جنوباً.

وتولت سوريا الإدارة المدنية داخل منطقة الفصل، مع بقاء الجيش السوري خارج حدودها. بلدات ازرع وانخل وجاسم على سبيل المثال مناطق سوريا يمنع أي تواجد عسكري سوري فيها!

هذه هي نتيجة "حرب تشرين المجيدة": فقدان المزيد من الأراضي السورية ضمن المنطقة العازلة، وفقدان السيادة تماماً مناطق أخرى.

مجازر لا تتوقف بحق الشعب السوري

تولى حافظ الأسد السلطة بانقلاب على الحكومة عام 1970، ووضع أفراد عائلته وأبناء طائفته في المناصب الحكومية العالية والمؤثرة، في الأمن والجيش والمالية وغيرها، لتصبح عائلة الأسد وحدها هي من تحكم، ما يلي هو عيّنة من المجازر التي لمم تتوقف في عهد عائلة الأسد المجرمة.

مجزرة سجن تدمر 1980

نفذتها قوات الأسد بقيادة رفعت الأسد في معتقلي سجن تدمر، بعد تعرض رئيس النظام لمحاولة اغتيال، وراح ضحية هذه المذبحة 1850 من خيرة شباب البلاد.

مذبحة حماة فبراير 1982

والتي راح ضحيتها ما يقارب 40 ألفا في بعض التقديرات، حيث حشد النظام الأسدي سرايا الدفاع، واللواء 47 دبابات، واللواء 21 مكيانيك، والفوج 21 إنزال جوي قوات خاصة، إضافة إلى مجموعات مخابراتية وفصائل حزبية مسلحة.

وتم حصار المدينة وقصفها بقيادة رفعت الأسد شقيق حافظ، واجتاحت القوات النظامية حماة، وارتكبت فيها جرائم إبادة جماعية، ودمرت ثلثي أحياء المدينة، وهدمت أحياء بكاملها على رؤوس أهلها، وهدم 88 مسجدا، وفرعشرات الآلاف من السكان.

كما تم شطب أسماء عوائل بأسرها من سجلات المدينة الرسمية، أغلبهم قتلوا رميا بالرصاص وبشكل جماعي، ودفنوا في مقابر جماعية.

سجن صيدنايا العسكري

وهو السجن الذي يعتبر بمثابة مسلخ بشري لعشرات الآلاف من السوريين، فالداخل مفقود والخارج مولود، وأهواله التي تحدث عنها من نجا لا يمكن تخيلها.

لتقريب الأعداد من ذهن القارئ يكفي أن تقرأ تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في عام 2016 بعنوان "مسلخ بشري: شنق جماعي وإبادة في سجن صيدنايا" ـ الحكومة السورية بانتهاج "سياسة الإبادة"، وهو تقرير يتحدث عن إعدام 13 ألف مدني سوري شنقاً داخل السجن.

https://www.amnesty.org/ar/latest/campaigns/2016/08/syria-torture-prisons/

ولكم في الصور والتسجيلات التي انتشرت بعد اقتحام السجن وتحرير المتقلين فيه عقب سقوط السفاح بشار، أمثلة تشيب لهولها الولدان.

استباحة إسرائيلية كاملة

شهدت السنوات الأخيرة من عهد المخلوع بشار استباتحة تامة لكل الأجواء والأراضي والمياه السورية، دون اي رد من جانب العصابة الحاكمة، وتكرار عبارة "الاحتفاظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين".

لقد شمل القصف الجوي والبحري كل المناطق السورية، ووصل حد الاستباحة إلى إنزال بري في سبتمبر الماضي على مركز بحوث علمية في منطقة مصياف، ليُقتل 18 سورياً، ويجرح العشرات، مع اختطاف علماء وسرقة معدات.

ولمن يقولون أن الاحتلال احتل المنطقة العازلة بعد سقوط عصابة بشار الحاكمة، وأن هذا ضياع لأراض سورية كان يُحافظ عليها بشار ومن قبله أبيه، نقول أن هذه الأسرة المجرمة أضاعت كل شيء في سوريا، ونحيلهم للتقارير التي ةثقت احتلال "اسرائيل" لـ 14 منطقة داخل سوريا هذا العام فقط وقبل سقوط العصابة الحاكمة.

عربياً

ولأن سجل الإجرام طويل ويصعب حصره سأكتفي بسرد نقاط لمواقف النظام البائد ضد العرب وقضاياهم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي تاجرت بها عصابة السد ومن يتباكون عليها اليوم.

الحرب الأهلية اللبنانية (1975- 1976)

ما أن مالت الكفة لصالح القوى الوطنية اللبنانية ضد الأطراف الانعزالية، خاصة بعد أن انشق جناح عن الجيش اللبناني بقيادة الملازم أول أحمد الخطيب الذي كان مُلتحقًا بثكنة مرجعيون، وأسس جيش لبنان العربي ، حتى تدخل حافظ الأسد تحت مسمى "قوات الردع العربية" لصالح الانعزاليين لإبقاء الحرب الأهلية مستعرة ومتواصلة.

كان من أهم نتائج دخول قوات الأسد للبنان مجزرة مخيم تل الزعتر شرق بيروت، والذي فشلت الميليشيات الانعزالية في اقتحامه بعد حصار إجرامي استمر لـ 52، تدخلت القوات الأسدية وساعدت في اقتحامه وتسويته بالأرض ومقتل الآلآف من اللاجئين الفلسطينيين فيه.

سقط مخيم تل الزعتر في 14-8-1976، بعد أن كان قلعةً حصينة أنهكها الحصار، فدخلته الكتائب اللبنانية، تحت غطاء حليفها الجيش السوري. وارتكبت فيه أفظع الجرائم من هتكٍ للأعراض، وبقرٍ لبطون الحوامل، وذبحٍ للأطفال والنساء والشيوخ وكذلك ارتكبوا المجازر والجرائم، من اغتصابٍ وهدم البيوت وإبادة الأطفال وسلب الأموال، في مخيمي “جسر الباشا” و“الكارنتينا” الذين سقطا بيد الكتائب قبل تل الزعتر.

اجتياح العام 1982

مع اجتياح قوات الاحتلال للبنان في العام 1982، وبعد معركة جوية خسر فيها نظام الأسد عشرات الطائرات فوق البقاع، وقفت قوات الأسد موقف المتفرج على اجتياح لبنان وحصار بيروت، بل تؤكد التقارير أن قوات الاحتلال مرت من أمامهم وتحت سمعهم وبصرهم ولم يحركوا ساكناً، ليحدث ما حدث ولتحصل مجزرة جديدة في صبرا وشاتيلا، دون أي تدخل من الأسد الأب.

حرب المخيمات

في 24 يونيو/ حزيران 1983 طرد حافظ الأسد حليفه المفترض ياسر عرفات من دمشق، ومن ثم دعم وساند من انشقوا عنه من حركة فتح وكذلك الفصائل الموالية له، وصولاً لطرد عرفات من مدينة طرابلس اللبنانية بعد حصار ومعارك شارك فيها 10 آلاف جندي سوري إضافة لمقاتلين فلسطينيين موالين للأسد، تسببت في دمار هائل في مدينة طرالبلس اللبنانية ومخيمي البداوي ونهر البارد.

مع اجتياح قوات الاحتلال للبنان في العام 1982، وبعد معركة جوية خسر فيها نظام الأسد عشرات الطائرات فوق البقاع، وقفت قوات الأسد موقف المتفرج على اجتياح لبنان وحصار بيروت، بل تؤكد التقارير أن قوات الاحتلال مرت من أمامهم وتحت سمعهم وبصرهم ولم يحركوا ساكناً، ليحدث ما حدث ولتحصل مجزرة جديدة في صبرا وشاتيلا، دون أي تدخل من الأسد الأب.
لم يكتف حافظ الأسد بذلك بل حرك حلفاءه في حركة أمل الشيعية للقضاء على كل الفصائل السنية في لبنان، بدءًا بحركة المرابطون وانتهاء بحصار المخيمات الذي استمر لسنوات (1985- 1988).

قاتل مع حركة أمل لواء المشاة السادس في الجيش اللبناني بقيادة الجنرال عبد الحليم كنج، بالإضافة إلى كتيبة المشاة السابعة والثمانين التابعة للواء الثامن ذو الأغلبية المارونية والموالي للعماد ميشال عون، كما حظيت بدعم كبير من سوريا ودعم غير مباشر من إسرائيل. قدّر عدد المقاتلين الشيعة بخمس أضعاف المقاتلين الفلسطينيين. الذين تزودوا بمعدّات عسكرية متطورة خصوصًا المدافع والمدرّعات، على عكس منظمة التحرير التي حاربت منفردة في الاشتباكات بعدّة متدنية الجودة.

النتيجة كانت أنت دمّرت كل المنازل في المخيمات وتحولّت إلى أنقاض، بعد أن أكل سكان المخيمات لحوم الكلاب والقطط للبقاء على قيد الحياة.

الوقوف مع إيران

وقف نظام حافظ الأسد مع إيران في الحرب العراقية الإيرانية (1980- 1988)، وساندها بكل قوة سياسياً وعسكرياً واستخباراتياً، رغم الشراكة النتظرية بين "جناحي" حزب البعث في سوريا والعراق.

كان من مظاهر حقد حافظ السد على كل ما هو عربي رفضه حضور القمة العربية في بغداد عام 1990 وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية بسنتين، فكان الغائب الوحيد رغم كل المحاولات التي جرت لثنيه عن قراره، ومنها زيارة القذافي له في دمشق قبل توجهه إلى بغداد (وهو الذي كان أيضاً داعماً لإيران ضد العراق) في محاولة أخيرة لإقناعه بالعدول عن رأيه.

للتذكير فإن العروبي القومي حافظ الأسد شارك في قوات التحالف الدولية ضد العراق عام 1991 بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت القوة السورية تتألف من الفرقة المدرعة السورية التاسعة وفوج قوات خاصة من ذلك البلد وتضم 21000 جندي من الجيش السوري في الموقع مجهزين بـ 300 دبابة T-62.

وديعة رابين

حافظ الأسد العروبي القومي الذي لا يشق له غبار وافق مع بيل كلينتون على ما سمي بوديعة رابين، وهو تعهد شفهي من اسحق رابين للانسحاب من الجولان مع تعديلات حدودية وضمانات أمنية واستئجار أراض سورية مقابل تطبيع كامل وعلاقات دبلوماسية كاملة، صاغ كلينتون الرسالة وبعث بها الــى الأســد في 6 حزيران 1995 مع بدء المفاوضات المباشرة بين ســوريــا الــتــي تمثلت برئيس اركان الجيش آنذاك حكمت الشهابي، واسرائيل التي مثلها رئيس الأركان حينها آمنون شاحاك، اللذين لم يعرفا بمضمون الرسالة بطلب من رابين.

اغتيل رابين وبقيت الوديعة كما هي على الرف استعداداً لبشار أن يكملها...

جاء في كتاب بيل كلينتون "حياتي" ـ بيل كلنتون: كتاب يفرض نفسه" في الصفحة 911: "لم يكن الأسد بصحة جيدة، وأراد استعادة الجولان قبل وفاته، ولكنّه كان مضطراً لتوخي الحذر في خطواته. لقد أراد لابنه بشار أن يخلفه، وبغض النظر عن قناعته الخاصة بضرورة استعادة سوريا لكامل أراضيها التي كانت تمتلكها قبل الرابع من حزيران (يونيو) 1967، كان عليه أن يعقد اتفاقاً لا يكون عرضة لهجوم من القوى الداخلية في سوريا التي سيحتاج ابنه لتأييدها"

كان حافظ باختصار مستعد لبيع كل شيء لتأمين بشار!

اغتيال رفيق الحريري

اغتيل رفيق الحريري يوم 14 فبراير 2005 بمتفجرة تزن أكثر من 1000 كلغ من التي أن تي، وسبَّبَ اغتياله قيام ثورة الأرز التي أخرجت الجيش السوري من لبنان، وأدت إلى قيام محكمة دولية من أجل الكشف عن القتلة ومحاكمتهم، والتي أدانت في حكمها الصادر في 18 أغسطس 2020، المتهم سليم عياش في الضلوع في عملية الاغتيال، وآخرين مرتيطين بحزب الله وسوريا.

قام نظام الأسد بعدها بتصفية قيادات كبيرة من الصف الأول في سوريا، لقطع الطريق على أي عملية استجواب أو تحقيق قد تورط بشار شخصياً في جريمة الاغتيال.

ثورة الشعب السوري (2011- 2024)

منذ اليوم الأول للحراك الشعبي السلمي للسوريين للمطالبة بحياة كريمة، وجه بشار أجهزته القمعية لوأد المطالب وارتكاب الجرائم الواحدة تلو الأخرى ايتداءً بحمز الخطيب، مروراً بتدمير المدن، والبراميل المتفجرة، والاستعانة بكل حثالات الأرض من ميليشيات طائفية، إلى القتل الجماعي وهو ما أدى لمقتل واختفاء مئات الآلاف من السوريين، ونزوح ولجوء الملايين، ومصادرة أملاك كل من يعارض النظام المجرم.

لا يتسع المجال هنا لسرد الجرائم والمجازر الوحشية التي قام بها سفاح الشام بشار.

في عهده المظلم وبسبب سياساته وتسليمه مقدرات البلاد للقوى الأجنبية بدلاً من الاستجابة لمطالب الشعب المشروعة، قُسمت سوريا إلى مناطف سيطرة ونفوذ واحتلال، وانتشرت القواعد الأجنبية من أمريكية وروسية وتركية وإيرانية، واحتلت "إسرائيل 14 منطقة جديدة، واستباحت سوريا بالكامل.

سأكتفي بهذا القدر، ولأتوجه لأنصار القومية من المتباكين على نظام الإجرام:

1 ـ هل يمكنكم ذكر موقف مشرّف واحد، وأعني هنا واحد لا أكثر لهذا النظام البائد، سورياً أو عربياً؟

2 ـ ما الذي قدمته عائلة الأسد المجرم للقومية والعروبة غير الشعارات والمعارك الحنجورية؟

3 ـ ألم تعلن "إسرائيل" أن بقاء الأسد مصلحة إسرائيلية، ليجن جنونهم بعد سقوطه وليدمروا كل شيء خوفاً لوقوعه بأيادٍ غير آمنة؟

4 ـ هل هناك أكثر أماناً لهم من عصابة الأسد التي حمت الحدود وحافظت عليها دون حادثة واحدة تعكر صفو "الأمن والأمان الاسرائيلي"؟

5 ـ تقولون أن سوريا هي التي سقطت، كيف؟ هل لكم أن تشرحوا كيف أن سوريا التي استرجعها أبناؤها من النازحين والمهجرين من براثن عصابة الإجرام، وفتحوا السجون وحرروا الناس، كيف سقطت؟ وما هو معنى السقوط بنظركم؟

6 ـ إن كان من دعم هذه العائلة المجرمة قد تخلى عنها، فلماذا تصرون على التمسك بها؟

7 ـ هل بنظركم الوطن هو عائلة مجرمة؟ أن أنكم صدقتم أنها "سوريا الأسد" فإن سقط وفر جباناً مذعوراً سقطت البلاد وضاعت؟

8 ـ تتحدثون أن بغداد ستسقط بعد دمشق، ليتكم تشرحون لنا وضع بغداد اليوم!!

9 ـ حتى لو افترضنا أن هذه العائلة النجسة هي أبو العروبة والقومية وأمها، هل يعطيها ذلك بنظركم الحق في تدمير البلاد وقتل العباد وتشريدهم؟

10 ـ والسؤال الأخير والأهم: هل لديكم ذرة من شعور إنساني بشري، أو ذرة من أخلاق لتقفوا هذا الموقف الذي لا يقل إجراماً عن عصابة الأسد؟ هذا هو السؤال الوحيد الذي سأجيب عليه: أشك بذلك!

*كاتب وباحث فلسطيني
التعليقات (0)