ملفات وتقارير

أوروبا على حافة التغيير.. كيف تؤثر عودة اللاجئين السوريين على الدول المضيفة؟

اللاجئون السوريون قدموا إسهامات كبيرة في الاقتصاد الأوروبي خاصة في أسواق العمل- الأناضول
اللاجئون السوريون قدموا إسهامات كبيرة في الاقتصاد الأوروبي خاصة في أسواق العمل- الأناضول
في مشهد يغير ملامح المنطقة بأكملها، انهار نظام بشار الأسد بعد سنوات طويلة من الصراع الدموي الذي أرهق سوريا وأثقل كاهل العالم بأزمات اللاجئين والهجرة.

الانهيار لم يكن مجرد حدث سياسي داخلي بل خلف وراءه تغييرات جذرية في المشهد الإقليمي والدولي، حيث أثر بشكل مباشر في الدول التي استضافت ملايين اللاجئين السوريين، خصوصًا في أوروبا خلال سنوات الحرب الماضية.

ومع هذا التغيير الكبير، ظهرت بوادر تغيرات على اللاجئين السوريين في أوروبا خاصة مع دعوات الحكومة السورية الجديدة، برئاسة محمد البشير، لعودتهم إلى وطنهم، مما أثار تساؤلات عدة حول تأثير هذه العودة المحتملة على المجتمعات الأوروبية.

 دعوات حكومية وعودة محتملة
وعقب انهيار نظام الأسد، وبداية مرحلة جديدة تحت قيادة الحكومة السورية الجديدة، أطلقت الحكومة دعوات حثيثة للاجئين السوريين في الخارج للعودة إلى سوريا.

وصرح رئيس الحكومة الانتقالية محمد البشير، أن سوريا باتت في مرحلة جديدة من الاستقرار بعد سقوط نظام بشار الأسد وهروبه إلى روسيا وأن العودة إلى الوطن تمثل خطوة أساسية في عملية إعادة الإعمار، وأن سوريا الجديدة أصبح لكل السوريين بكل أطيافهم.

وقال البشير إنه يسعى حماية جميع المواطنين وتقديم الخدمات الأساسية لكنه أقر بصعوبة تحقيق ذلك مع افتقار البلاد للعملة الأجنبية، وأن "حقوق كل الناس وكل الطوائف في سوريا" ستكون مضمونة.

على الصعيد الإقليمي، تفاعل بعض الدول المجاورة بحذر مع هذه الدعوات. إذ اعتبرت بعض الدول مثل لبنان والأردن أن هذه العودة قد تساهم في استقرار المنطقة بشكل تدريجي، ما قد يقلل من الضغط على اللاجئين في تلك البلدان، وبينما كانت هناك مخاوف لدى دول أخرى من أن عمليات العودة قد تخلق تحديات جديدة على الحدود، وتزيد من تعقيد عملية التعامل مع النزوح السكاني في المنطقة.


اظهار أخبار متعلقة


تعليق طلبات اللجوء
على مستوى الدول الأوروبية، التي استقبلت ملايين اللاجئين السوريين على مدار السنوات العشر الماضية، تصاعدت ردود الفعل إزاء دعوات الحكومة السورية لعودة اللاجئين.

وقرر عدة دول مثل السويد والدنمارك والنمسا وألمانيا وفرنسا تعليق طلبات اللجوء الجديدة للسوريين، متعللة بتحسن الوضع الأمني في سوريا، وقد أشارت السويد، على سبيل المثال، إلى أن الوضع في سوريا أصبح مستقرًا بدرجة كافية بحيث يمكن للاجئين العودة بشكل آمن إلى مناطقهم، كما قررت وزارة الداخلية الفرنسية بإعادة تقييم الملفات.

وأثارت القرارات جدلاً واسعًا في المجتمعات الأوروبية وفي صفوف منظمات حقوق الإنسان، التي اعتبرت أن هذا القرار قد يتسبب في معاناة جديدة للاجئين الذين لا يزالون يواجهون ظروفًا معيشية صعبة في سوريا، إضافة إلى ذلك، فقد رأى البعض أن هذه القرارات تفتح الباب لتسريع عملية "الترحيل" القسري لبعض اللاجئين، خصوصًا الذين لا يمتلكون وضعًا قانونيًا مستقرًا في الدول الأوروبية.


وضع جديد للمناقشة
وفي سياق الوضع الجديد في سوريا، أكد عضو البرلمان الأوروبي تييري مارياني ضرورة وضع قضية الأزمة السورية على جدول أعمال الجلسة العامة المقبلة للبرلمان الأوروبي.

وفي تصريحات نقلتها صحيفة "إزفيستيا"، عبر مارياني عن قلقه من احتمال حدوث موجة جديدة من اللاجئين السوريين نتيجة للتغيرات السياسية في سوريا، وأوضح أن العديد من الدول الأوروبية تراقب عن كثب تطورات الوضع السوري.

وأشار مارياني إلى أن فرنسا والنمسا قد تتبعان نفس النهج في المستقبل القريب. ومع ذلك، أبدى عدد من الخبراء شكوكهم في أن السوريين في الدول الأوروبية سيكونون راغبين في العودة إلى وطنهم بعد أن استقروا في المرافق الأوروبية. في حين تراقب المفوضية الأوروبية الوضع عن كثب دون اتخاذ إجراءات حاسمة حتى الآن.


تأثير العودة على الدول الأوروبية

عودة اللاجئين السوريين المحتملة إلى وطنهم ستكون لها تداعيات عميقة على الدول الأوروبية التي استقبلتهم، وتتسبب في فجوة كبيرة في عديد من القطاعات الاقتصادية قد تتأثر بشكل كبير نتيجة لعودتهم، في مجالات سوق العمل، العقارات، والخدمات الاجتماعية، خاصة أن اللاجئ السوري أصبح متجذر في المجتمعات الأوروبية وله دور كبير في تنشيط الاقتصاد من خلال الاستهلاك أو اليد العاملة وغيرها.

اظهار أخبار متعلقة


 نقص في المهارات والكفاءات
قدم اللاجئون السوريون إسهامات كبيرة في الاقتصاد الأوروبي، خاصة في أسواق العمل التي كانت تعاني من نقص في الكوادر البشرية المدربة، واليد العاملة الماهرة، في ألمانيا على سبيل المثال، يعمل أكثر من 5000 طبيب سوري في المستشفيات والمراكز الصحية، وهو ما ساعد بشكل كبير في التغلب على النقص المزمن في الكوادر الطبية في البلد. ومع عودة هؤلاء الأطباء إلى سوريا، قد تظهر فجوة كبيرة في هذا القطاع، خاصة في المناطق الريفية التي تعتمد على الأطباء الأجانب بشكل أساسي.

علاوة على ذلك، العديد من اللاجئين السوريين عملوا في مجالات الهندسة، التعليم، والصناعات التحويلية، مما ساهم في دفع عجلة الإنتاج والنمو وكذلك الاستهلاك في العديد من الدول الأوروبية.

ومع عودة اللاجئين إلى سوريا، ستكون الشركات الأوروبية في حاجة ماسة إلى إعادة تأهيل كوادر جديدة أو استقدام مهنيين من دول أخرى لتعويض هذا النقص، وهو ما قد يؤثر سلبًا على الإنتاجية في هذه القطاعات.


سوق العقارات

تأثير عودة اللاجئين السوريين لن يقتصر على سوق العمل فقط، بل سيمتد أيضًا إلى قطاع الإسكان. فوجود ملايين اللاجئين في المدن الأوروبية الكبرى مثل برلين وستوكهولم أدى إلى زيادة كبيرة في الطلب على الوحدات السكنية، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار في هذه المدن، مع عودة عدد كبير من اللاجئين إلى سوريا، ستقل الحاجة إلى هذه الوحدات السكنية، وبالتالي سيحدث تراجع في الطلب على المساكن في بعض المناطق.

هذا التراجع في الطلب على الإسكان قد يؤدي إلى انخفاض أسعار الإيجارات في بعض الأماكن، ويُتوقع أن يؤدي أيضًا إلى ركود في قطاع البناء والتطوير العقاري في المناطق التي شهدت طفرة سكنية بسبب تدفق اللاجئين.

تخفيف العبء المالي
على الجانب الآخر، ستساهم عودة اللاجئين في تخفيف العبء المالي الذي تتحمله بعض المؤسسات في الاتحاد الأوروبي لتمويل برامج الرعاية الاجتماعية، فالدول الأوروبية التي تحملت نفقات كبيرة لدعم اللاجئين، مثل الإعانات المالية، الرعاية الصحية، والتعليم، ستتمكن من تقليل هذه النفقات بشكل ملحوظ، ما يعد توفير في الموارد قد يُستخدم لتوجيه الأموال إلى مشاريع أخرى تسهم في تحسين البنية التحتية أو تعزيز الاستثمار في القطاعات المحلية.


لوائح وقانونين  
عودة اللاجئين السوريين في ظل المشاعر المعادية للهجرة التي تزايد خلال الفترة الماضية في بعض الدول، خاصة مع صعود اليمين المتطرف، تمثل فرصة لإعادة تقييم سياسات الهجرة في أوروبا بشكل يوازن بين احتياجات سوق العمل ومتطلبات الأمن والاستقرار.

ويمكن أن تكون هناك فرصة لتطوير نظام هجرة أكثر مرونة يبتعد عن الازدواجية في المعايير كما يتضمن حلولا طويلة الأمد للاجئين الذين يرغبون في العودة أو أولئك الذين يختارون البقاء في أوروبا، والاعتراف بدور المهاجرين واللاجئين.

اظهار أخبار متعلقة


المستشفيات الألمانية.. قلق مشروع
عبر رئيس جمعية المستشفيات الألمانية، جيرالد غاس، وفي تصريحات عن قلقه العميق من تداعيات عودة الأطباء السوريين إلى سوريا، وأكد أن النظام الصحي الألماني يعتمد بشكل كبير على الكوادر السورية، وأن رحيل هؤلاء الأطباء سيؤدي إلى تفاقم أزمة نقص الأطباء، خصوصًا في التخصصات الحرجة مثل الجراحة وطب الطوارئ. هذا النقص قد يؤثر على قدرة النظام الصحي الألماني في تقديم الرعاية الصحية بشكل فعال.

وطالب غاس الحكومة الألمانية بوضع استراتيجيات عاجلة لتدريب كوادر محلية في المجالات الطبية أو استقدام أطباء من دول أخرى لتعويض هذا النقص. وقد أشار إلى أن ألمانيا قد تواجه صعوبة في تعويض هذا الفاقد في الخبرات الطبية، وهو ما يستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان استدامة النظام الصحي.

التعليقات (0)