في تحول دراماتيكي
غير مسبوق على مدى تاريخ الصراع
الإسرائيلي العربي، تنجح قوى
المقاومة في
غزة ولبنان
واليمن في تغيير قواعد اللعبة وفرض معادلات جديدة، كاسرة بذلك أسطورة التفوق العسكري
الإسرائيلي المطلق التي سادت لعقود طويلة.
بين شواطئ غزة وجبال
لبنان ومياه البحر الأحمر، برزت قدرات عسكرية متطورة أذهلت المراقبين وأربكت حسابات
المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. في غزة، استطاعت المقاومة الفلسطينية تطوير ترسانة صاروخية
محلية الصنع بقدرات غير مسبوقة، متحدية بذلك كل إجراءات الحصار المفروض منذ سنوات.
وفي مشهد لم يكن متوقعا، أظهرت المقاومة قدرات قتالية عالية في مواجهة واحد من أقوى
جيوش المنطقة وأظهرت قدرة في حرب العصابات أصابت الاحتلال بسعار الإبادة الجماعية
لشعب فلسطين وغزة خاصة.
في شمال فلسطين
المحتلة، حيث تمتد جبال لبنان الشامخة، نجح حزب الله في بناء قوة ردع حقيقية، مستندا
إلى ترسانة صاروخية ضخمة وقدرات عسكرية متطورة. وأثبتت المواجهات الأخيرة أن المقاومة
اللبنانية باتت تمتلك قدرة على التصدي للطائرات المسيرة الإسرائيلية وتنفيذ عمليات
نوعية دقيقة.
للمرة الأولى منذ عقود، بدأت الرواية الفلسطينية تجد آذانا صاغية في الإعلام الغربي وتراجعت الرواية أو سردية الاحتلال
أما في البحر الأحمر،
فقد فاجأ الحوثيون العالم بقدراتهم البحرية المتطورة، مستهدفين السفن المتجهة إلى الموانئ
الإسرائيلية، في عملية أثرت بشكل كبير على حركة الملاحة البحرية وأربكت الحسابات الاقتصادية
العالمية، واستطاعوا، رغم سنوات الحرب والحصار، تطوير منظومة صاروخية وطائرات مسيرة
ذات قدرات متقدمة.
وفي الجانب الاقتصادي، تكبد
الاقتصاد الإسرائيلي خسائر فادحة. فوفقا لتقارير اقتصادية حديثة، تراجع قطاع السياحة
بشكل حاد، كما تأثر قطاع الطيران تأثرا كبير حيث انخفض عدد الرحلات القادمة
للأراضي المحتلة عبر مطار بن غوريون، وانخفضت الاستثمارات الأجنبية، وارتفعت تكاليف
التأمين البحري بشكل غير مسبوق. كما تضاعف الإنفاق العسكري الإسرائيلي بشكل كبير، مما
شكل ضغطا إضافيا على الموازنة العامة.
وعلى الصعيد السياسي، شهد
العالم تحولا ملحوظا في المواقف الدولية. فقد خرجت مظاهرات حاشدة في عواصم العالم تضامنا
مع الشعب الفلسطيني، وتصاعدت الأصوات المنتقدة للممارسات الإسرائيلية. وللمرة الأولى
منذ عقود، بدأت الرواية الفلسطينية تجد آذانا صاغية في الإعلام الغربي وتراجعت
الرواية أو سردية الاحتلال.
وعلى صعيد
المجتمع الإسرائيلي وفي تطور لافت، بدأت تظهر انقسامات داخل المجتمع
الإسرائيلي نفسه، حيث تصاعدت الأصوات المطالبة بمراجعة السياسات المتبعة. وأظهرت استطلاعات
الرأي تراجعا في ثقة الإسرائيليين بقدرة مؤسستهم العسكرية على توفير الأمن المطلق.
أثبتت الأحداث الأخيرة أن إرادة الشعوب وقدرتها على الابتكار والتطور يمكن أن تغير موازين القوى
وعلى الاتجاه الإقليمي، أدت
هذه التطورات إلى تجميد مسارات التطبيع بعد نجاح عراب التطبيع الإمارات في جذب
البحرين والمغرب إلى وحل التطبيع، وأفشل الطوفان في جذب السعودية ودول أخرى إلى
مستنقع التطبيع، وأدى هذا إلى تعزيز التنسيق بين قوى المقاومة. وبات واضحا أن موازين
القوى في المنطقة تشهد تحولا جذريا، مما يؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ الصراع.
وفي ظل هذه المعطيات،
يمكن القول إن نظرية الأمن الإسرائيلي التقليدية تواجه تحديا غير مسبوق. فقد أثبتت
المقاومة قدرتها على تطوير أساليب قتالية مبتكرة وتكتيكات عسكرية متقدمة، متجاوزة بذلك
كل الحواجز التكنولوجية والعسكرية ويدل على هذا العمليات النوعية على جبهة غزة التي
أوجعت الاحتلال بالعمليات النوعية، وهذا يظهر أيضا على جبهة لبنان التي أوجعت
العدو بضربات في العمق المحتل حتى وصلت إلى بيت نتنياهو في قيسارية، وكذلك حرب
المسيّرات ذات التصنيع المحلي مثل الزواري وأخواتها في سلاح الجو المقاوم على
جبهاته.
وفي الختام، يبدو
جليا أن المنطقة تشهد تحولا استراتيجيا عميقا، حيث نجحت المقاومة في فرض معادلات جديدة
وتوازنات مختلفة. ورغم التفوق التكنولوجي والعسكري الإسرائيلي، أثبتت الأحداث الأخيرة
أن إرادة الشعوب وقدرتها على الابتكار والتطور يمكن أن تغير موازين القوى وتؤسس لواقع
جديد.