حلبة
المليارات وأنقاض غزة
حوّل
دونالد
ترامب في ثلاثة أيام فقط، من 13 إلى 16 أيار/ مايو 2025، الساحر الأمريكي،
دول
الخليج إلى حَلَبة ذهبية. بدأها بزيارة السعودية تلاها قطر واختتم بزيارة
الإمارات، كلهم فتحوا خزائنهم وكأنهم في مزاد علني: تريليون دولار هنا، تريليون
ونص هناك! صفقات طائرات، أسلحة، ذكاء اصطناعي، استثمارات وعد بها ترامب أنها ستجعل
أمريكا "عظيمة مرة أخرى".
وفي وسط
هذا الكرنفال المالي والحَلْب الممنهج في كل فترة رئاسية لترامب، هناك غزة الأبية التي
دافعت عن شرف أمة بكاملها، تلك البقعة الصغيرة التي تُسحق تحت أنقاضها وتُجوع
بسياسة ممنهجة. تكلفة إعادتها للحياة؟ 57 مليار دولار، مجرد 1.5 في المئة من تلال
الدولارات التي جمعها ترامب في جولة واحدة تمت في 72 ساعة.
يتباهى
ترامب بـ"حَلْب العرب"، كما يحب أن يصفها، يبحث أطفال غزة عن لقمة تحت
الركام، في ظل سياسة التنكيل والتجويع التي تُمارسها إسرائيل بدعم أمريكي؛ تجعل
إعمار غزة حلما بعيدا.
وفي
الخلفية، دول عربية: مصر والأردن يرفضان تهجير الفلسطينيين ظاهريا، لكنهما تحت ضغط
المساعدات الأمريكية. والبعض يرمي حجة "نزع سلاح المقاومة" كشرط
للإعمار، وكأن سلاح المقاومة هو الذي هدم غزة، وليس قنابل الفسفور وأطنان الصواريخ
التي أسقطت على القطاع مثلا من أجل اغتيال محمد السنوار والناطق العسكري الملثم أبو
عبيدة! هل هي صفقة القرن الجديدة، أم مجرد مسرحية ترامبية أخرى؟
ترامب في
الخليج: مهرجان الصفقات
لك أن
تتخيل المشهد: ترامب يهبط في الرياض، بدلته الزرقاء تلمع تحت شمس الصحراء،
وابتسامته العريضة تصرخ: "هل النقود جاهزة؟" في 72 ساعة، حلب الرجل دول
الخليج كما لم يُحلبوا من قبل. السعودية، التي لا تزال تُعالج جروح صفقة 2017،
تعهدت بتريليون دولار، منها طلبات لشراء طائرات F-15 وأنظمة دفاع "Patriot".
المحطة
الثانية قطر، الحريصة على تحسين العلاقات مع ترامب بعد سنوات من التوتر، وقّعت على
شراء 210 طائرات بوينغ بـ200 مليار دولار، مع استثمارات إضافية بـ1.2 تريليون.
أما
المحطة الأخيرة فكانت الإمارات، فقد رمت بـ1.4 تريليون دولار على مدى 10 سنوات،
وكأنها تقول: "خذ يا عم، بس خلّي أمريكا راضية!".
وصف
ترامب، بكل وقاحته المعهودة، المنطقة العربية بـ"البقرة الحلوب" فغرد البعض على موقع إكس
بحزن وأثار سخرية الآخر فكتب أحدهم:
"في
3 أيام 3 تريليون في 3 أيام! وغزة عايزة 57 مليار بس، فين العرب؟".
رد آخر:
"ترامب بيحلب والعرب بيصفّقوا، وغزة بتموت".
الصفقات
لم تكن مجرد أرقام، بل رسالة: الخليج يراهن على أمريكا، بينما غزة تُترك للنسيان.
وتصل
السخرية لذروتها عندما تسمع تصريحات ترامب. قال الرجل إن غزة يمكن أن تكون
"ريفييرا الشرق الأوسط"، لكنه اشترط تهجير مليوني فلسطيني أولا! كأن
الحل لأنقاض غزة هو إفراغها من أهلها. وفي الخلفية، دول الخليج تُصفق، وكأنها
تقول: "خذ الفلوس، بس اترك فلسطين لإسرائيل".
غزة:
تنكيل وتجويع تحت الأنقاض
ليست غزة
مجرد أرض، إنها جرح نازف في ضمير العالم. 50 مليون طن من الركام، ومستشفيات مدمرة،
ومياه ملوثة، وأطفال يموتون جوعا بسبب حصار إسرائيلي مدعوم أمريكيا. ليست سياسة
التنكيل هنا مجرد قصف، بل تجويع ممنهج. تقرير للأمم المتحدة في نيسان/ أبريل 2025
يقول إن 70 في المئة من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي. أمهات يبحثن عن
حليب لأطفالهن وسط القمامة، ومستشفيات بلا كهرباء تعالج الجرحى على ضوء الهواتف.
تكلفة
إعادة الإعمار؟
وفق خطة
عربية طرحت في قمة القاهرة (آذار/ مارس 2025) تحتاج غزة 57 مليار دولار لإعادة
الإعمار، النظام الصحي وحده يحتاج 10 مليارات، والبنية التحتية (مياه، كهرباء، صرف
صحي) تحتاج 20 مليارا. لكن المال ليس المشكلة، المشكلة سياسية. إسرائيل، بدعم من ترامب،
ترفض أي إعمار دون تحقيق شروطها: نزع سلاح المقاومة، وتهجير جزئي للسكان، وكأن غزة
هي التي بدأت الحرب، وليس من قصفها بـ80 ألف طن من المتفجرات!
يشتد
الألم عندما ترى صور الأطفال تحت الركام، أو تسمع عن عائلات تنام في العراء؛ فالخيام
نفدت. كتب أحدهم: "غزة بتموت جوع، والعرب بيشتروا طيارات وعطايا بمئات
الملايين من الدولارات!".
السخرية
المريرة هنا أن 57 مليار دولار، وهي فتات مقارنة بتريليونات الخليج، يمكن أن تعيد
الحياة لغزة، لكنها محاصرة بالسياسة.
مصر
والأردن: بين المقاومة والضغوط
تقف مصر
والأردن، الجارتان الأقرب لغزة، في مأزق. الدولتان رفضتا خطة ترامب لتهجير
الفلسطينيين، معتبرتين إياها "خطا أحمر"، وهذا ما عبرت عنه التصريحات
الإعلامية ولكن لا نعلم ما يحدث في الغرف المغلقة.
تتحمل مصر
عبء معبر رفح، تقاوم ضغوطا أمريكية لقبول تهجير جزئي مقابل مساعدات بـ1.4 مليار
دولار.
قال
السيسي، في خطاب نادر الحدة: "لن نسمح بتصفية القضية الفلسطينية". وفي
تصريح آخر مع المستشار الألماني شولتز قال إنه إذا أرادوا التهجير فلديهم صحراء
النقب حتى تنتهي مهمة جيش الاحتلال، وهي القضاء على المقاومة الفلسطينية. والواقع
يقول: إن مصر تعاني اقتصاديا، والمساعدات الأمريكية مغرية.
يواجه
الأردن، بدوره، ضغوطا مماثلة، مع مليوني فلسطيني على أرضه. الملك عبد الله يرفض أي
تهجير جديد، خوفا من زعزعة استقرار المملكة. لكن ترامب يلعب على الحبلين: مساعدات
بـ1.4 مليار دولار للأردن، مقابل "تعاون" في خطة غزة. السخرية أن
الدولتين، رغم موقفهما الشجاع، عاجزتان عن تمويل إعمار غزة بمفردهما بما لديهما من
مشاكل اقتصادية قاصمة.
كتب أحدهم
على إكس: "مصر والأردن قالوا لا للتهجير، بس مين هيدفع 57 مليار لغزة؟"..
الإجابة مؤلمة: لا أحد. مصر طرحت خطة إعمار في القاهرة، لكنها رُفضت من إسرائيل
وأمريكا.
الألم هنا
أن الدولتين، رغم رفضهما للتهجير، لا تملكان القدرة على مواجهة ترامب أو إسرائيل
دون دعم خليجي. وهنا يأتي دور "الإخوة" في الخليج، الذين يفضلون شراء
الطائرات على إنقاذ غزة.
التطبيع
وحجة نزع السلاح: مسرحية عربية
تصل
السخرية ذروتها عندما تسمع حجة بعض الدول العربية: "لا إعمار لغزة دون نزع
سلاح المقاومة". يا سلام! وكأن صواريخ المقاومة هي التي دمرت غزة، وليس قنابل
الاحتلال!
هذه
الحجة، التي تُروجها دول خليجية وبدعم ضمني من ترامب ودولة الاحتلال، ليست سوى
غطاء للتطبيع مع إسرائيل. السعودية، التي تقترب من توقيع اتفاق تطبيع، تشترط
"هدوءا" في غزة، بمعنى: تخلوا عن المقاومة، وسنفكر في الإعمار. وكذلك تصريحات
ترامب خلال زيارته للسعودية ودعوته إلى زيادة عدد الدول التي وقعت على الاتفاقية
الإبراهيمية 2020.
يلعب
ترامب ببراعته التجارية، على هذا الوتر. في الرياض، ألمح إلى أن صفقات الخليج
ستُمهد لـ"سلام شامل"، يعني تطبيعا كاملا مع إسرائيل. وقطر والإمارات،
رغم دعمهما السابق لغزة، تترددان في تمويل الإعمار خوفا من غضب ترامب أو إسرائيل.
كتبت أحدهم
تغريدة على موقع إكس: "العرب بيقولوا نزع السلاح عن المقاومة، بس إسرائيل هي
اللي بتقصف! مين بيضحك على مين؟".
تجد
المؤلم حقا أن التطبيع يُباع كـ"حل" للقضية الفلسطينية، بينما هو في
الحقيقة تخلٍ عنها.
تجوع غزة
وينكّل بها، وتُستخدم كورقة مساومة: إما أن تتخلى عن سلاحها، أو تبقى تحت الركام،
وكأن المقاومة هي التي اخترعت الحصار، أو دمرت المستشفيات! السخرية المريرة أن 57
مليار دولار، وهي فتات من تريليونات الخليج، يمكن أن تعيد الحياة لغزة، لكنها
محاصرة بشروط التطبيع.
التناقض
الكبير: تريليونات الخليج وفتات غزة
تخيل لو
أن 1.5 في المئة من تريليونات الخليج التي دُفعت في جيوب رجال الأعمال الأمريكان
والخزانة الأمريكية؛ ذهبت لغزة، مستشفيات تعمل، مياه نظيفة، بيوت بدل الخيام..
الخ، لكن لا، الخليج مشغول بشراء طائرات F-15، وتمويل شركات ذكاء اصطناعي في وادي السيليكون.
السعودية
أنفقت تريليون دولار في 3 أيام، قطر أنفقت 1.2 تريليون، والإمارات تتفاخر بـ1.4
تريليون. وغزة؟ 57 مليار دولار!
تتجلى
السخرية في أن هذه الدول تتحدث عن "الأخوة العربية" في المؤتمرات، لكن
عندما يتعلق الأمر بغزة، يصبح الكل "مشغولا".
كتب
أحدهم: "تريليونات لأمريكا، وغزة بتموت جوع. دي أخوة إزاي؟"
المحلل
كابير تانيجا وصف الوضع بـ"الشرخ العربي"، حيث تُفضل دول الخليج مصالحها
مع أمريكا على القضية الفلسطينية. والألم أن هذا الشرخ ليس جديدا، بل هو تكرار
لصفقات سابقة، مثل اتفاقيات أبراهام.
يستغل
ترامب بكل وقاحة هذا الشرخ.. يعرض مساعدات على مصر والأردن، يغري الخليج بالحماية
العسكرية، ويضغط على الجميع للتطبيع. وغزة؟ مجرد "مشكلة صغيرة" يمكن
حلها بالتهجير أو التجويع. السخرية المريرة أن العرب، بثرواتهم الهائلة، يقفون
متفرجين بينما غزة تُدفن تحت الأنقاض.
ترامب رجل
الأعمال: الشرق الأوسط سوق كبير
لا يرى
ترامب الشرق الأوسط كمنطقة سياسية، بل كسوق تجاري، غزة بالنسبة له مجرد "عقار
تالف" يحتاج إلى "إعادة تطوير". تصريحه عن "ريفييرا الشرق
الأوسط" ليس مزحة، بل خطة فعلية: تهجير الفلسطينيين، وتحويل غزة إلى منتجع
سياحي تحت سيطرة إسرائيل.
الرجل
يعرف كيف يلعب؛ يضغط على مصر والأردن بالمساعدات، يغري الخليج بالصفقات، ويلوح
بالتطبيع كـ"مفتاح السلام"، لكن الألم أن هذا السلام يعني نسيان غزة.
كتبت إحدى
الناشطات: "ترامب بيبيع غزة بالكيلو، والعرب بيشتروا!".
الانتقادات
الدولية، بما فيها من الأمم المتحدة، وصفت خطة التهجير بـ"الجريمة ضد
الإنسانية"، لكن ترامب لا يبالي. بالنسبة له، الشرق الأوسط مجرد حلبة،
والفلوس هي الجائزة.
الخاتمة:
غزة تستحق أكثر من الفتات
تطير
تريليونات الخليج إلى أمريكا، بينما غزة تغرق في الركام والجوع. 57 مليار دولار،
مجرد فتات من هذه الثروات، يمكن أن تعيد الحياة لأطفال ينامون على الأرض، وأمهات
يبكين على أبنائهن. لكن السياسة، والتطبيع، وحجج "نزع السلاح"، كلها
حواجز أمام هذا الحلم.
الخليج،
بثرواته، يفضل الصفقات على الأخوة. وترامب؟ يضحك وهو يحلب الجميع.
السؤال
لنا: هل سنظل نشاهد غزة وهي تُنكّل بها وتُجوع، بينما تريليونات العرب تُنفق على
طائرات لا تحمي فلسطين؟ غزة تستحق أكثر من فتات. إنها تستحق إرادة عربية تقول:
"كفى". فلنفكر، قبل أن يصبح صمتنا شريكا في الجريمة.