سياسة دولية

ماذا سيحقق الاحتلال إذا قصف الأهداف العسكرية وليس النفطية في إيران؟

هناك مؤشرات على أن "إسرائيل" قد تفكر في توجيه ضربات على صناعات النفط والغاز الإيرانية- وزارة النفط الإيرانية
هناك مؤشرات على أن "إسرائيل" قد تفكر في توجيه ضربات على صناعات النفط والغاز الإيرانية- وزارة النفط الإيرانية
قال معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إنه على الرغم من نقاط الضعف الكبيرة، فإن الفوائض في إنتاج الطاقة في إيران من شأنها أن تحد من تأثير أي ضربة، في حين أن التداعيات على أسواق الطاقة الإسرائيلية والخليجية والعالمية قد تكون شديدة.

وأكد المعهد في تحليل له أنه في "29 أيلول/ سبتمبر، عندما قصف سلاح الجو الإسرائيلي البنية التحتية النفطية للحوثيين في اليمن للمرة الثانية منذ تموز/ يوليو، أكد المراقبون أن المسافة التي تزيد عن ألف ميل للوصول إلى الأهداف كانت بمثابة تحذير لإيران، حيث تقع حقولها النفطية الرئيسية على مسافة أقرب (من تلك التي قٌصفت في اليمن)". 

وأضاف: "هناك مؤشرات إضافية على أن إسرائيل قد تفكر في توجيه ضربات على صناعات النفط والغاز الإيرانية بعد أن وعدت برد كبير على الهجوم الصاروخي الباليستي الهائل الذي شنته إيران في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر".

اظهار أخبار متعلقة


وأوضح: "ولكن، ما مدى هشاشة صناعة النفط الإيرانية؟ فإيران قادرة على الاستفادة من خبرتها الواسعة في الحفاظ على قدرات الإنتاج والتصدير منذ ثمانينيات القرن الماضي، خلال الحرب الإيرانية - العراقية التي كانت مدمرة اقتصادياً. وبالنسبة لإسرائيل، فإن هذا القطاع يشكل مجموعة غنية من الأهداف، ولكن بالنظر إلى التأثيرات المحتملة التي قد تخلفها مثل هذه الضربة على بنيتها التحتية الخاصة، ناهيك عن أسواق الطاقة الإقليمية والعالمية، فقد يكون من الأفضل النظر إلى أهداف أخرى".

إنتاج وتصدير النفط والغاز
وأشار المعهد إلى أن "نقاط الضعف الرئيسية في إيران تتمثل في محطات الضخ، وتقاطع خطوط الأنابيب، ومرافق المحطات، ويشكل أحد المفترقات المحددة شمال جزيرة خرج، نقطة التقاء ساحلية لجميع خطوط الأنابيب في جنوب غرب إيران، حيث تتواجد حقول النفط الرئيسية في البلاد".

ويبلغ إنتاج إيران من النفط الخام حاليا حوالي 3.95 مليون برميل يوميا، وهو ما يمثل تعافيا بعد الانخفاضات في السنوات السابقة نتيجة العقوبات. ومن هذا الإنتاج، يتم استخدام حوالي 2 إلى 2.4 مليون برميل يومياً كمواد خام لمصافي التكرير للاستخدام المحلي، ويتم تصدير باقي الإنتاج. وفي آذار/مارس، بلغت صادرات إيران من النفط الخام 1.82 مليون برميل يومياً، تم توجيه معظمها إلى الصين.

كما تُعد إيران ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم، بحوالي 684 مليون متر مكعب يومياً، ولكنها أيضاً مستورد صافٍ للغاز، حيث يتم استخدام الكثير من إنتاجها محلياً لتوليد الكهرباء والتدفئة. وخلال موسم البرد، يمكن أن يصل استهلاك الغاز المنزلي في إيران إلى 700 مليون متر مكعب يومياً، مما يؤدي إلى حدوث نقص حاد. وفي الأول من تشرين الأول/أكتوبر، وقّعت إيران "اتفاقية استراتيجية" طويلة الأجل مع شركة "غازبروم" الروسية، والتي بموجبها ستتلقى 300 مليون متر مكعب يومياً من الغاز عبر خط أنابيب تخطط موسكو لبنائه تحت بحر قزوين.

وتدير إيران ما لا يقل عن ثمان وعشرين مصفاة للنفط والمكثفات والغاز، المنتشرة في جميع أنحاء البلاد. وأكبرها مصفاة مكثفات الغاز "نجمة الخليج الفارسي" غرب بندر عباس، بالقرب من مضيق هرمز، والتي بُنيت ويتم تشغيلها جزئياً من قبل "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني. وتبلغ السعة الإنتاجية لهذه المنشأة 480,000 برميل يومياً من المكثفات، أي حوالي 19 بالمئة من إجمالي المواد الخام اليومية التي تحتاجها مصافي التكرير في البلاد.

كما تدير إيران حوالي ستين مصنعا للبتروكيماويات، بعضها يمكن إعادة تهيئته لإنتاج البنزين في أوقات الطوارئ. وتعني أسعار الوقود المنخفضة في محطات الوقود أن إيران أيضاً هي إحدى أكبر الدول المستهلكة للبنزين في العالم، وتُعد سياراتها من بين الأقل كفاءة في استهلاك الوقود في أي دولة.
ولا يُعرف عن إيران أنها من كبار مصدري المنتجات النفطية المكررة، وإن كانت هناك بعض الاستثناءات. فهي تصدر بالفعل إلى بعض الدول الحليفة مثل سوريا وفنزويلا. 

وقال المعهد إنه "بالإضافة إلى ذلك، هناك تهريب واسع النطاق للمنتجات النفطية المكررة، وخاصة البنزين والديزل الرخيصين، إلى الدول المجاورة في منطقة الخليج. وتتراوح التقديرات بين 10 ملايين لتر يومياً من البنزين و15 مليون لتر يومياً من الديزل، وهو ما يمثل حوالي 8.7 بالمئة و13.6 بالمئة من إجمالي إنتاج إيران من البنزين والديزل على التوالي".

وتُعد جزيرة خرج في شمال الخليج العربي المحطة الرئيسية لتصدير النفط الخام الإيراني، بقدرة تحميل حالية تبلغ حوالي 5 ملايين برميل يومياً (القدرة الإجمالية للبلاد تبلغ 7 ملايين برميل يومياً). وتتلقى جزيرة خرج إمدادات النفط الخام عبر خمسة خطوط أنابيب تحت الماء من البر الرئيسي وتحتوي على قدرة تخزين تبلغ 28 مليون برميل (حوالي 26 بالمئة  من إجمالي قدرة تخزين النفط الخام في إيران). ويمكن للجزيرة تحميل ما يصل إلى 11 ناقلة نفط وناقلة عملاقة في وقت واحد.

وتُخزن بين 50 إلى 60 بالمئة من مخزونات إيران من النفط والمنتجات النفطية في صهاريج كبيرة فوق الأرض، وهي عرضة بشدة للهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة والضربات الجوية. وتشير التقديرات إلى أن ما بين 5 إلى 10 بالمئة من النفط الخام المخزن في البلاد قد يكون أيضاً في مخازن عائمة في أي وقت معيّن، اعتماداً على الطلب (كانت هذه الكمية حوالي 29 مليون برميل في آب/أغسطس). 

كما أن لدى إيران عددا محدودا من مرافق التخزين تحت الأرض في مارون وغوره، وهي أكثر أماناً بشكل عام من الهجمات المعادية. وتشمل خطط إيران طويلة الأجل زيادة سعة التخزين إلى 15 مليار لتر من المنتجات النفطية و100 مليون برميل من النفط الخام، بما في ذلك 10 ملايين برميل في الاحتياطات الاستراتيجية. 

بالإضافة إلى ذلك، تمتلك إيران 15 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في موقعي تخزين تحت الأرض محصنين بشدة: في سراجه بالقرب من قم، وشوريجه بالقرب من شيراز، لضمان إمدادات موسم البرد.

نقاط الضعف
واعتبر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن قطاع النفط الإيراني، الذي يعاني منذ سنوات من العقوبات ونقص الاستثمارات الأجنبية، يواجه صعوبة في الحصول على قطع الغيار الحيوية والتكنولوجيا الحديثة لدعم بنيته التحتية وتحديثها. 

وتُضاف إلى نقاط ضعفه تَركّز منشآت النفط الرئيسية في محافظة خوزستان، وجزيرة خرج، والخليج العربي، ومن بينها المصافي في بندر عباس وعسلوية.

اظهار أخبار متعلقة


ومع ذلك، يمكن أن يؤدي الهجوم الناجح على محطة ضخ غوره أو تقاطع خطوط الأنابيب في جناوه إلى تعطيل كبير لنقل النفط الإيراني إلى كل من خرج ومحطة جاسك الجديدة التي تبلغ طاقتها 1 مليون برميل يومياً، الواقعة خارج مضيق هرمز، حيث تضخ المنشأة النفط الذي يتم جمعه من حقول إيران في الجنوب الغربي من البلاد إلى كلا محطتي التصدير. وفي حالة تضرر محطة غوره، ستكون إيران مضطرة للاعتماد فقط على الإنتاج البحري (حوالي 600,000 برميل يومياً) فضلاً عن المخزونات الحالية طالما يتم إجراء الإصلاحات.

ويمكن أن يتسبب التدمير الكبير لخطوط الأنابيب الرئيسية، ووحدات الإنتاج البرية والبحرية، ومحطات التحميل، ومحطات الضخ، وتقاطع خطوط الأنابيب في تعطيل تدفقات النفط الإيرانية لأسابيع أو حتى أشهر، رغم أن تحقيق هذا السيناريو يتطلب مجهوداً عسكرياً كبيراً باستخدام أسلحة قوية وعالية الدقة، أو طائرات مسيرة، أو عمليات تخريب. إن الدفاعات الجوية الإيرانية كبيرة، لكنها مركزة بشكل أكبر في مناطق معينة ذات أولوية عالية مثل خرج، وبندر عباس، وعسلوية، مما يترك منشآت النفط الأخرى أقل حماية أو غير محمية.

وأضاف: "يمكن أن تؤدي الهجمات السيبرانية إلى تعطيل أنظمة التحكم في المصافي وخطوط الأنابيب ومحطات التصدير، مما يؤدي إلى إيقاف العمليات أو إلحاق الضرر الذي يتطلب إصلاحات واسعة. وفي السنوات الأخيرة، تعرضت البنية التحتية للنفط في إيران لعدة هجمات تخريبية وسيبرانية، بما في ذلك هجوم معقد على خطي أنابيب للغاز في محافظة فارس في شباط/فبراير من هذا العام. بالإضافة إلى ذلك، في عام 2021 ومرة أخرى في عام 2023، تعرضت شبكة توزيع الوقود الإيرانية لهجمات سيبرانية يُعتقد أنها كانت مستهدفة بهجمات إلكترونية إسرائيلية، مما أدى إلى تعطل إمدادات البنزين على مستوى البلاد لعدة أسابيع. وأثرت الهجمات على آلاف محطات الوقود، مسببة طوابير طويلة، وظلت الشبكة معطلة لعدة أيام في كل مرة".

وذكر أن "التوترات الجيوسياسية المتزايدة أدت بالفعل في الشرق الأوسط إلى ارتفاع أسعار النفط، التي كانت منخفضة عند حوالي 70 دولارا للبرميل، ولكنها تجاوزت 80 دولاراً في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وتحتاج المملكة العربية السعودية إلى سعر مرتفع نسبياً، ربما 100 دولار للبرميل، من أجل تحقيق مشاريع التنمية الطموحة لـ "رؤية 2030" التي بادرها ولي العهد محمد بن سلمان. ومع ذلك، تعتمد هذه المشاريع أيضاً على السلام والاستقرار الإقليميين، وهو ما يفسر إحجام السعودية الملحوظ عن الانجرار إلى حرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط".

وقال: "نظريا، بإمكان الرياض تعويض أي نقص في إمدادات النفط العالمية الناجم عن هجوم إسرائيلي على البنية التحتية الإيرانية. لكن حقول النفط والمنشآت الرئيسية في المملكة تقع مباشرة عبر الخليج من إيران، وبالتالي فهي معرضة بشدة للهجمات (كما حدث في الهجوم على مجمع معالجة بقيق في أيلول/سبتمبر 2019) أو للتخريب".

وعلاوة على ذلك، من المرجح أن تؤدي أي ضربات إسرائيلية ضد صناعات النفط والغاز والبتروكيماويات الإيرانية إلى محاولات من قبل إيران أو وكلائها لمهاجمة أهداف الطاقة الرئيسية في إسرائيل. وتشمل هذه الأهداف مصافي التكرير في حيفا وأشدود، وأكبر المحطات الإسرائيلية لتوليد الطاقة وتحلية المياه، وحقول الغاز البحرية الإسرائيلية الثلاثة.

وقد يؤدي التصعيد المتزايد أيضا إلى تهديدات مباشرة لمنشآت النفط في دول "مجلس التعاون الخليجي"، أو تعطيل الشحن التجاري في المنطقة، و/أو سلوك تهديدي ضد الأصول البحرية الغربية. وسبق أن هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز إذا لم تعد قادرة على تصدير نفطها، لكن أي تعطيل من هذا القبيل رداً على هجوم إسرائيلي من شأنه أن يحفز بالتأكيد المزيد من التدخل الغربي - وهو احتمال قد ترغب طهران في تجنبه. وفي المقابل، من غير المرجح أن يؤدي استهداف عدد قليل من مصافي التكرير أو صهاريج التخزين الإيرانية إلى إثارة رد فعل كبير بخلاف بعض الهجمات الصاروخية على منشآت إسرائيلية مماثلة.

وفي دول أخرى، لا تزال تركيا والعراق تستوردان الغاز الطبيعي من إيران، وهذه الواردات ضرورية لتوليد الكهرباء والتدفئة. ومن شأن أي تعطيل في إنتاج الغاز الإيراني أن يؤثر على كلا البلدين.

اظهار أخبار متعلقة


وختم المعهد أنه "بناءً على تصريحات الرئيس بايدن في 4 تشرين الأول/ أكتوبر، التي حث فيها على تجنب مهاجمة منشآت النفط الإيرانية، ينبغي على الإدارة الأمريكية الاستمرار في ثني إسرائيل عن استهداف مثل هذه المنشآت، وسوف تحقق إسرائيل نتائج أفضل إذا ركزت أي هجوم على منظمة عسكرية أو أمنية أو استخباراتية واحدة للنظام، وخاصة مقر الحرس الثوري أو قوات الباسيج، أو منشأة تدعم بشكل مباشر برنامج إيران للصواريخ أو عمليات وكلائها في المنطقة أو قمعها لشعبها".

ورجح أنه "من شأن تحديد هدف للنظام أن يقلل من خطر التصعيد إلى حرب شاملة، وقد لا يحمل العديد من المخاطر على إمدادات الطاقة الإقليمية والعالمية أيضا".
التعليقات (0)

خبر عاجل