قضايا وآراء

المرأة في مرمى السجال السياسيّ...

1300x600
1. من الحماقة أن تظنّ بالآخرين غفلة لتقنعَ بأنّ لك عقلا.. ومن الغباء أن تدّعيَ كتابة نصّ من تكرار جملة وحيدة.. فمن تدويرك الماء لن تصنع نهرا.. وذاك معنى مقولة "التاريخ لا يعيد نفسَه".. وقد علّمك هيرقليطس من قديم الزمان أنّك "لا تستطيع أن تنزل في النهر نفسه مرتين".. وفسّر لك فلوطرخس ذلك بقوله: "إنّ مياها جديدة تتدفق فيه".. التاريخ لا يعيد نفسه إلاّ من جهة القوانين التي تحكم حركته ومن جهة الكلّيات التي تسم إيقاعه.. التاريخ ماض إلى غاية يعلمها العقلاء.. والعقلاء يظنّون كلَّ الظنّ أن الزيف لا يصنع مجدا، وأنّ الكذب حبل قصير لا يصل غاية وأنّ التدليس لا يدوم وأنّ الادّعاء لا يصنع نَسَبا...

2. في البدء كانت حوّاء عَلما من الأسماء وعلامة على السواء، وشرطا للبقاء وآية من آيات الخلق الأولى، وعنوانا لجمال ينتشر في الكون تتشرّبه الألحان تسري في الوجود تغالب شرورا لا بدّ منها تناغما مع حكمة تقول بضرورة امتزاج الخير بالشرّ.. فيكون من الأنوثة والذكورة ما به يستمرّ الإنسان ويُنحَت الكيان.. طرفان في معادلة محكومة بتعادلية والتعادلية شرط الاستمرار والاستقرار...

3. في التاريخ صراع والصراع عنوان آخر من عناوين الوجود.. لا يكاد يكون المعنى خارج مدار الصراع والتدافع والتنافس.. وفي الصراع غالب ومغلوب وظالم ومظلوم.. وقد كانت المرأة في مراحل كثيرة من التاريخ البشريّ مظلومة؛ لأنها ببساطة، حتى في مستوى اختيارها، تنحاز إلى المظلومين وتنتصر للمغلوبين ضدّ الظالمين المتغلّبين.. تخوض الصراع بأدواتِها، وأدواتُها جزء من أنوثتها.. والأنوثة قيمة عابرة للقيم.. فهي طرف في الصراع وليست موضوعا له، وإن شاءت سطوةُ "الذكورية" أن تبقيَ عليها أداة تسخّرها وورقة تستعملها متى دعت الحاجة إليها.. وكفى...

4. في تونس اتخذت البورقيبية من المرأة موضوعا واستعملتها أداة، وجعل منها نظام الاستبداد والفساد ورقة وقد رأى فيها سبيلا إلى بسط سطوته وإحكام قبضته على المجتمع بأسره.. وقد نجح بورقيبة في استعمال ورقته تلك حتى صار للمرأة التونسية حضور لافت.. بل صارت، بفعل قوانين الأحوال الشخصية التي سُخّرت أجهزة الدولة لتفعيلها، محسودة من قبل نساء العرب والمسلمين جميعهنّ..

ولحماية المرأة من المظالم الموروثة جُعلت لها في البلاد وزارة.. وكان هذا أمر يُحسب لبورقيبة.. غير أنّ الشعب التونسيّ لم ينس أنّ زعيم الاستقلال كان أوّل من انتهك تلك القوانين المرعيّة، عندما طلّق زوجته وسيلة بن عمّار طلاقا غيابيا لم يراع فيه ضوابط القانون ولا شروط التقاضي.. لقد فعل بورقيبة ذلك لأنه بقي على نظرته الدونية للمرأة لاعتقاده فضل الذكورة على الأنوثة، ككثير من الذين إذا تحدّثوا عن مكانة المرأة انسلخوا من حيواتهم ولم تكن المرأة المعنية في خطاباتهم سوى كائن افتراضي لا نظير له في الواقع والمجتمع.. وذلك هو شأن كثير من الذين تغذّوا على اللبن البورقيبي الذين كلّما خلوا بذكورتهم ارتدّت المرأة في استيهاماتهم إلى فراشة تشتهيها نيرانهم وكفى...

5. هذه المرّة خذلَت السيد لزهر العكرمي بلاغتُه، فراح يمدح المرأة بما يشبه الذمّ، فلم يذكر لتمجيدها غير ما تشتمل عليه الأرحام، يكشف أسرارَها ويُسيل مكنوناتها بحثا عن صورة استيهاميّة تحكي خياله المريض الباحث له عن موقع في عيون النساء، وقد اضطرب به موقعه السياسيّ، مسكونا بروح "نزاريّة" مرّ بها منذ عهود الصبا..

6. ولم يكن حظّ العكرمي من البلاغة بأفضل من حظّ رفيقه المتساقط من عروش الأوهام بعد أن سرح به الخيال بعيدا.. لم يفق، بعدُ فلم تحضره سوى عبارة "نساء بلادي نساء ونصف"، ولم يعلم أنّها إن جازت لذاك الشاعر فلا تجوز لغيره؛ لأنّ المرأة لا تحتاج نصفا لتبلغ به الكمال، ولا إلى حيلة بلاغية ليضوع منها الجمال ويخطر بها الجلال...

7. إنّ فضل المرأة لا يكون بنفي الذكورة ضمن أخلاق المفاضلات القديمة التي تذكّرنا بمفاضلة الجواري والغلمان في رسائل أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ.. المرأة فاضلة بذاتها ولا تستحقّ سلّما يبنيه لها أدعياء الحداثة الواهمة من خيال شبقيّ مريض.. ألا ترى أنّ هؤلاء قد باتوا جرحى في الحقيقة والمجاز؟
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع