كتاب عربي 21

صلاة الفجر أمام آيا صوفيا

1300x600
لم تكن المرة الأولى التي يصلي فيها الأتراك أمام آيا صوفيا بمطالبة تحويله إلى مسجد، بل هناك محاولات سابقة للفت الأنظار إلى آيا صوفيا والاحتجاج على بقاءه متحفا، من خلال إقامة الصلاة جماعة في الساحة التي أمامه، إلا أن المرة الأخيرة أثارت ضجة إعلامية أكثر من سابقاتها لكثافة المشاركين في صلاة الفجر التي أقيمت في 31  مايو / أيار، ضمن احتفالات ذكرى فتح القسطنطينية.

عشرات الآلاف من الرجال والنساء وضيوف من الدول الإسلامية اصطفوا خلف الشيخ عبد الله بصفر من قرَّاء المملكة العربية السعودية، في مشهد يجسد روح الأمة الإسلامية، مطالبين بافتتاح آيا صوفيا مسجدا وإقامة الصلوات الخمس فيه. عشرات الآلاف اجتمعوا بهدوء وتفرقوا بهدوء، في تظاهرة سلمية رائعة، دون أن يحرقوا أو يحطموا أي شيء من الممتلكات العامة والخاصة.

صلاة الفجر أمام آيا صوفيا دعت إليها "جمعية شباب الأناضول" المحسوبة على حزب السعادة وتيار أربكان. ولم تكن بدعوة من الحكومة ولا بمناسبة افتتاح آيا صوفيا مسجدا، ولكن الشائعات انتشرت قبل موعد التظاهرة بعدة أيام في مواقع التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم بأن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يحوِّل آيا صوفيا مرة أخرى إلى مسجد.

آيا صوفيا تم  إنشاؤه كاتدرائية في عهد الإمبراطور البيزنطي جستينيان الأول بين عامي 532 و537 على أنقاض كنيسة بدأ انشاؤها في عهد الإمبراطور قسطنطين العظيم وانتهى في عهد ابنه الإمبراطور قسطنطينوس الثاني عام 360. وأطلق عليه في البداية ميغالي أكليسيا أي "الكنيسة الكبيرة"، ثم سمي هاغيا صوفيا أي "مكان الحكمة المقدسة".

عندما فتح العثمانيون القسطنطينية بقيادة السلطان محمد الفاتح عام 1453 تم تحويله إلى مسجد، وأضيفت إليه المآذن، وبنا المعماري العثماني الشهير سنان بعض الدعائم حتى لا تنهار قبته الواسعة في الزلازل، وظل مسجدا طوال القرون يرفع فيه الأذان وتقام فيه الصلوات كرمز للفتح الإسلامي.

 وفي 24 نوفمبر / تشرين الثاني 1934، في عهد أتاتورك، صدر قرار من الحكومة التركية يقضي بتحويل آيا صوفيا إلى متحف، وإلى يومنا هذا ظل متحفا على الرغم من مطالبة الأغلبية بتحويله مرة أخرى إلى مسجد.

لا غرابة في جمع شباب حزب السعادة الذي حصل على حوالي 2 بالمائة فقط من أصوات الناخبين في الانتخابات الأخيرة، هذا العدد الكبير في صلاة الفجر أمام آيا صوفيا، لأن القضية فوق الاعتبارات السياسية ويدعمها أنصار الأحزاب اليمينية كلها، ولو طرح أمره إلى الاستفتاء الشعبي لصوَّت على الأقل 60 بالمائة من الأتراك لصالح افتتاحه مسجدا.

السلطان محمد الفاتح فتح القسطنطينية بالقتال، وقام بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد ليكون رمزا للفتح، وأعلن أنه وقف إسلامي إلى قيام الساعة، وختم وثيقة الوقفية بهذه الجملة: "ومن أراد أن يغير شروط هذه الوقفية فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين."

قضية آيا صوفيا لها أبعاد خارجية مرتبطة بصراع الحضارات والعلاقات مع أوروبا والغرب النصراني، وليس من السهل في الظروف الراهنة تحويله إلى مسجد. وطرح هذا الموضوع حاليا من شأنه أن يفتح النقاش أمام الرأي العام العالمي حول هدم الكنائس أو تحويلها إلى مساجد، وقد تخرج مطالبات من كل الدول النصرانية لتحويل آيا صوفيا إلى كنيسة، وتجد الحكومة التركية نفسها في موقف حرج. وكانت هناك تصريحات عدة للمسؤولين الأتراك حول التسامح الديني والحوار بين الحضارات واحترام المقدسات وعدم المساس بأماكن العبادة وما إلى ذلك، وتأييد افتتاح آيا صوفيا مسجدا يضعهم أيضا في تناقض مع أنفسهم.

حوالي 150 شابا من شبيبة حزب الاتحاد الكبير أقاموا صلاة عيد الفطر الماضي أمام آيا صوفيا مطالبين بالسماح لإقامة الصلوات فيه. وبعد أشهر أقيمت صلاة الفجر أمام آيا صوفيا بمشاركة الآلاف وكان الاهتمام الإعلامي أكثر، إلا أن ذلك لن يمنع أن يُترَك الموضوع للنسيان حتى إلى صلاة أخرى تقام في المكان نفسه ولعلها تكون في عيد الفطر القادم.

لم يتم تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، ولم يرفع فيه الأذان، ولم يسمح للناس بالصلاة فيه. وأما الورقة التي كتب عليها الشباب "جامع آيا صوفيا" وعلقوا على لوحة "متحف آيا صوفيا" فتمت إزالتها مباشرة بعد لحظات.