كتاب عربي 21

نصائح مجانية للأنظمة الشمولية

1300x600

تصدت الأنظمة الشمولية العربية بشراسة لثورات الربيع العربي، ونجحت في إفشالها ولو مرحليا، وفي البعد الاستراتيجي، كان ما حصل شيئا طبيعيا، أو قل في حدود المتوقع، لأن أي محلل يتمتع بالعمق والبصيرة لا يمكنه أن يتوقع أن تفرش هذه الأنظمة الاستبدادية السجادة الحمراء أمام الجماهير الغاضبة، خاصة من قبل من شعروا أن هذه الثورات تهدد وجودهم، ومنهم وعلى رأسهم العربية السعودية، فقد تحركت غريزة حب البقاء في دماء هؤلاء فاستنفروا كل قواهم كي يلطخوا هذه الثورات وتشويه صورتها بكل من أوتوا من قوة، كي لا تمضي إلى مبتغاها، وكان لهم ما أرادوا، حتى بات تعبير "الربيع العربي" يثير تقززا ورعبا ورفضا عاما لدى من يسمعه، أو يقرأه!

لقد نظرت السعودية للربيع العربي كتهديد استراتيجي، وكإرهاصات تنذر بزوال النظام على المدى البعيد، ومن أجل ذلك تحركت باستراتيجية مركبة يمكن رسم ملامحها بالآتي :
- على الصعيد الداخلي أقرت الحكومة السعودية رزمة مالية سخية لشراء الولاء الشعبي، أرفقتها بهز الهراوة الأمنية للجهات الفاعلة في المجتمع السعودي وخصت الإسلاميين بذلك، وعلى وجه الخصوص الإخوان.

- اهتمت بالملف اليمني وخصصت له إدارة أزمة لمتابعة الشأن اليمني ، وتحملت الكلفة المالية لمناهضة الحراك في اليمن، وتمكنت من تمرير أجندتها السياسية التي جسدتها المبادرة اليمنية.
- تولت الملف السوري، وتمكنت من إعادة تشكيل الإئتلاف السوري ، لكنها تواجه مأزقا حادا في الظرف الراهن ، بسبب نكوص واشنطن عن توجيه الضربة للنظام السوري، وللاستدارة المفاجئة التي ترافقت مع ذلك، وتمثلت بتفعيل الحوار بين واشنطن وطهران.

- كان لها حصة الأسد في الإطاحة بالرئيس مرسي، وتحملت كلفة مالية عالية من أجل ذلك وصلت في بعض التقديرات إلى عشرات المليارات من الدولارات، كما أنها قدمت دعماً سياسيا معلنا لقادة الانقلاب المصري.

- تعمل على هندسة حملة إقليمية منسقة لمحاربة الإسلاميين وخاصة الإخوان المسلمون باعتبارهم العمود الفقري للربيع العربي.

والحقيقة أن أمام الأنظمة التي خرجت "قوية" أو "نجت" من تحت غبار الربيع فرصة ذهبية لإعادة "تدوير" الربيع لمصلحتها، بحيث تأخذ بيدها إجراء ما يلزم في بنية أنظمتها من تغييرات، بإرادتها ووفق "المقاسات" التي ترغبها، بعقل بارد ودون ضغط من جماهير هادرة قد تملأ الشوارع والميادين، وفي هذا فائدة عظيمة لها في البعد الاستراتيجي، حيث تضمن لها هذه التغييرات ديمومة استقرارها، ويمكنها "بيعها" لدى جماهيرها باعتبارها منتجا ذاتيا، ناهيك عن أنها توفر لها مدى غير منظور من الهدوء، والاستقرار، وتمنحها شيئا من "الشرعية" التي تآكلت على مر الزمن!
إن مثل هذه المبادرات "الرسمية" ضرورية في هذا الوقت بالذات، كي لا تفاجأ هذه الأنظمة مرة أخرى بخروج طائر الفينيق من تحت الرماد، فالفشل الذي أصيبت به ثورات الربيع لم تدفنه، بل بدا أنه في حالة كمون، أو أنه يعيد ترتيب أوراقه وأولوياته، وخير لهذه الأنظمة أن تقطع على الربيع "صحوته" المفاجئة، بالاستجابة الطوعية لبعض مطالبه، أو جلها، لتكتسب عمرا مديدا واستقرارا مطلوبا.

إن إعادة تدوير ثورات الربيع العربي، وإخراجها بصورة أخرى، تجعل عودة الربيع بشكله المعروف عودة ملتبسة، وبوسع من نجا منه أن يصنع ربيعه بنفسه وعلى مقاسه ووفق ما تقتضي مصالحه، وهذا يبعد شبح أي مفاجآت مستقبلية، خاصة وأن بعض الأنظمة شاخت واهترأت وأصبحت بحاجة لعملية تلميع أو تجديد كي تستمر!

ربيع الأنظمة بطبعته المصنوعة بخبرات رجال الأمن والاقتصاد والاستراتيجيا، ضمان لإجهاض أي ربيع شعبي جديد لا يبقي ولا يذر، سواء جاء اليوم أو غدا، طال غيابه أم لم يطل!

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع