تشهد الساحة السياسية في
مالي تطورا جديدا في إطار المواجهة بين القوى السياسية
المعارضة والمجلس العسكري الحاكم، بعد أن أعلنت شخصيات سياسية ومدنية وازنة عن تأسيس تحالف في المنفى أطلق عليه "ائتلاف القوى من أجل الجمهورية".
وقال الائتلاف المعارض في بيان إن مالي "تشهد حاليا واحدة من أخطر الأزمات في تاريخها المعاصر، ما يتطلب تحركا جديا لإنقاذها".
وأضاف الائتلاف "دولتنا ضعيفة، وشعبنا يعاني، ومؤسساتنا فاسدة، وسيادتنا مختطفة من طرف تحالف سامٍّ بين النهب الاقتصادي، والعسكرة، وفي هذا السياق، لم تعد المقاومة خيارا أخلاقيا، بل هي واجب وطني".
وتعيش مالي منذ الإطاحة بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا عام 2020، دوامة من الانقلابات وانعدام الأمن والاضطرابات والانقسامات الداخلية.
الحوار مع الجماعات المسلحة
وبدى واضحا من أول بيان للائتلاف المعارض أنه يتبنى الحوار مع الجماعات المسلحة التي تنشط في مناطق واسعة من مالي، حيث أعرب عن اعتزامه وضع حد لما سماها مجازر المدنيين والجنود في مالي من "خلال فتح حوار وطني مع الجماعات المسلحة المالية، واستعادة الحريات الأساسية".
وتنشط في مالي العديد من التنظيمات المسلحة بينها جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي صعدت من هجماتها في الفترة الأخيرة، وباتت تقترب تدريجيا من العاصمة باماكو.
وتمكنت التنظيمات المسلحة خلال الأسابيع الأخيرة من فرض ما يشبه حظر دخول لشاحنات الوقود إلى مالي، حيث أضرمت هذه الجماعة المسلحة النار في العديد من شاحنات الوقود التي حاولت الدخول إلى الأراضي المالية خلال الأسابيع الأخيرة.
وأعلنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في أيلول/ سبتمبر الماضي فرض حصار على واردات الوقود إلى الدولة الحبيسة، وباتت تهاجم قوافل ناقلات الوقود التي تحاول دخول البلاد من السنغال أو ساحل العاج، وتضرم النيران فيها.
هذه الحصار تسبب في أزمة وقود خانقة في باماكو جراء تناقص مخزون البلد من الوقود ما دفع الحكومة إلى تعليق الدراسة في جميع مدارس وجامعات البلاد، قبل أن تعلن لاحقا عن دخول شاحنات وقود وتؤكد استئناف الدراسة وعودة المؤسسات الحكومية إلى العمل بشكل منتظم.
دعوة إلى العصيان المدني
ودعا الائتلاف المعارض إلى استعادة النظام الدستوري، وحماية المدنيين، وإعادة الحريات الأساسية بما في ذلك الصحافة والقضاء وحرية التعبير.
كما دعا المواطنين المدنيين إلى العصيان المدني، والعسكريين إلى ما أسماه "العصيان الأخلاقي" والقضاة إلى "المقاومة القضائية" وأكد على ضرورة التمهيد لحوار وطني يشمل الجماعات المسلحة، ومن بينها قادة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين والمتمردون في جبهة تحرير أزواد.
من هو قائد معارضة المنفى؟
ويضم ائتلاف المعارضة أو "معارضة المنفى" عدة أحزاب وهيئات وشخصيات ويرأسه محمود ديكو المقيم بالجزائر منذ ديسمبر 2023 والذي يعتبر أكثر الشخصيات في مالي قدرة على تعبئة الشارع.
ولد الإمام ديكو في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي في منطقة تمبكتو، وكان في الأصل مدرسًا للغة العربية، ودرس في المملكة العربية السعودية، وشغل منصب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في مالي.
منذ سنوات يقيم ديكو في منفاه الاختيار بالجزائر، وظل متمسكا بموقفه المعارض لحكم العسكر، قبل أن يعلن عن ترأسه للائتلاف المعارض وبدء مرحلة جديدة من التصعيد ضد قادة الانقلاب الممسكين بالسلطة في باماكو.
لمحمود ديكو تاريخ نضالي مكنه من قيادة احتجاجات شعبية سابقة كانت سببا رئيسيا في الاطاحة بالرئيس السابق والراحل إبراهيم بوبكر كيتا، كما أنه يتملك تأثيرا شعبيا واسعا في العديد من مناطق مالي، رغم أن البعض يعتبر أن غيابه الطويل عن الساحة المحلية أثر على حجم شعبيته في البلد.
ضغط سياسي وإعلامي
ويرى رئيس وحدة الدراسات السياسية والأمنية بـ"المركز الموريتاني للدراسات والبحوث الإستراتيجية" مختار ولد نافع، أن الائتلاف الذي أعلن عن تأسيسه في المنفى سيشكل ضغطا سياسيا وإعلاميا قويا على النظام العسكري الحاكم في باماكو.
لكنه لفت في تصريح خاص لـ"عربي21" إلى أن هذا الائتلاف "لن يكون سببا كافيا للإطاحة بالنظام العسكري، لأن النظام يعتمد على حماية عسكرية وهو غير مهتم بالتعاطي السياسي".
وبخصوص تبني الائتلاف للحوار مع الجماعات المسلحة اعتبر ولد نافع، أن الائتلاف أصبح على قناعة أن هذه الجماعات "أصبحت نوعا ما تعبر عن بعض مكونات المجتمع المالي، ولم تعد مجرد جماعات جهادية".
وأضاف: "هذه الدعوة للحوار قد تتطور إلى شبه تحالف يوفر فيه التحالف الجديد غطاء سياسيا للجماعات المسلحة، وتوفر هي له قوة ضاربة قادرة على مجابهة النظام عسكريا".
ويرى متابعون للشأن الإفريقي، أن الأشهر القادمة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل مالي وقدرة الائتلاف الجديد في قيادة الحراك المعارض للنظام العسكري القائم، مؤكدين أن الضغط الدولي المتزايد على باماكو قد يكون لصالح المعارضة.
وتعاني مالي من توترات أمنية وسياسية، فيما يعيش هذا البلد شبه عزلة أفريقية، وتوترت علاقاته مع الدول الغربية، ويحكم مالي حاليا الجنرال عاصمي غويتا، وهو عسكري شاب ولد 1980، التحق بالجيش عام 2002، وبزر اسمه عامي 2020 و2021 بعد أن أطاح فيهما برئيسين مدنيين.
يحظى غويتا بتقدير كبير داخل المؤسسة العسكرية، وتمت ترقيته في أكتوبر 2024 إلى رتبة جنرال بـ5 نجوم، وبعد وصوله للسلطة بارد غويتا، بطرد القوات الفرنسية من مالي وهو ما أكسبه شعبية كبيرة، حيث خرجت العديد من المسيرات في المدن المالية تؤيد قراره بشأن طرد القوات الفرنسية. لكنه في المقابل توجه شرقا نحو روسيا، التي دعمته بالمال والسلاح، ما ساهم في تعزيز حضوره بقوة في المشهد السياسي.