ملفات وتقارير

حضرموت اليمنية.. نذر حرب بين القبائل وقوات تدعمها أبو ظبي

أعلن زعيم حلف قبائل حضرموت المقاومة بكل الطرق والوسائل للدفاع عن المحافظة وثرواتها- جيتي
تقف محافظة حضرموت ، شرقي اليمن، على برميل بارود قابل للانفجار في أي لحظة، مع بلوغ التصعيد بين المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات و"قبائل حضرموت" ذروته، في سياق مساعي الأول فرض مشروعه الانفصالي على المحافظة التي تشكل ثلثي مساحة اليمن.

وفي وقت سابق الخميس والأربعاء، وصلت حافلات محملة بتعزيزات عسكرية من قوات المجلس الانتقالي إلى مدينة المكلا، عاصمة حضرموت،  لدعم ألوية "الدعم الأمني" المشكلة قبل أشهر بقيادة صالح بن الشيخ أبو بكر المعروف بـ"أبي علي الحضرمي".

يتزامن ذلك، مع تواصل الحشود القبلية من مختلفة مديريات ومناطق حضرموت إلى منطقة الهضبة، شمال شرق مدينة المكلا، حيث يتخذ منها "حلف قبائل حضرموت"، بزعامة، الشيخ عمرو بن حبريش العليي، مقرا له، شمال شرقي مدينة المكلا، في ساحل حضرموت.

إعلان الحرب على قوات الانتقالي
وعلى وقع هذه التحشيد من قبل المجلس الانتقالي المدعوم من أبوظبي، أعلن الحلف القبلي الخميس، رسميا، الحرب على التشكيلات والفصائل المسلحة التابعة للمجلس الجنوبي في مدن محافظة حضرموت الساحلية على بحر العرب.

جاء ذلك خلال اجتماع موسع دعا له، رئيس حلف قبائل حضرموت، قبل يومين، في منطقة العليب التي تتبع إداريا، مديرية غيل بن يمين، شمال شرقي مدينة المكلا، ثاني كبرى مدن حضرموت.
وقال بن حبريش: "نجتمع اليوم في ظل تهديدات تطال حضرموت وأمنها واستقرارها، وهو ما يستدعي التصدي لها بكل الوسائل وعدم التستر على المخاطر والمغالطات".

وأكد الزعيم القبلي الذي يشغل أيضا، منصب نائب محافظ المحافظة، على رفضه " استقدام ألوية وقوات من خارج المحافظة، رغم أن حضرموت نموذج في الأمن والاستقرار وتشيد به مختلف القيادات والجهات".

وأضاف أن حضرموت مستهدفة كأرض وثروة، وليس شخصا أو جهة بعينها، ويجري الآن، التحضير للسيطرة على منابع النفط ومناطق الثروة في المحافظة، معلنا أن المقاومة لهذه التشكيلات التابعة للمجلس الانتقالي هي الطريق الوحيد لإخراجها من أراضيهم.

وأعلن زعيم حلف قبائل حضرموت "المقاومة بكل الطرق والوسائل للدفاع عن المحافظة وثرواتها".
كما دعا الشيخ بن حبريش، قوات" النخبة الحضرمية"، المشكلة بقرار جمهوري عام 2016، وهي قوات معظم منتسبيها من أبناء المحافظة للانخراط في هذا الموقف، والمشاركة في إعادة ترتيب الوضع الأمني داخل حضرموت، بما في ذلك إنهاء وجود أي تشكيلات عسكرية وافدة تتستّر باسم النخبة الحضرمية دون أن تكون جزءًا من بنيتها الحقيقية.

وطالب أيضا، هذه القوات بتحمل  مسؤولياتها الأخلاقية والقانونية، وعدم السماح بتشويه اسم النخبة عبر قوى لا تمت لحضرموت بصلة.

ارتفاع منسوب التوتر
وجاء هذا الإعلان من قبل حلف قبائل حضرموت، ردا على تهديدات أطلقها قائد ما يسمى "الدعم الأمني"، أبو علي الحضرمي، ضد الحلف وزعيمه، بن حبريش، في الأيام القليلة الماضية، في ظل الاحتقان الشديد الذي تعيشه المحافظة منذ أشهر.

هذا التهديد رفع منسوب التوتر إلى الحد الأقصى، والذي ينذر بتفجره عسكريا بين أقوى التكتلات القبلية بحضرموت والتشكيلات المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي المدعوم من حكومة أبوظبي.

ويرى مراقبون أن التصعيد الذي تشهده حضرموت، لا يعدو كونه جولة جديدة من صراع النفوذ بين الرياض وأبوظبي في هذه المحافظة الاستراتيجية تتصدره أدوات محلية وبعناوين مختلفة.

وكان قائد "الدعم الأمني" وهو تشكيل شكل قبل أشهر من قبل أبوظبي، صالح بن الشيخ أبوبكر المكنى بـ"أبي علي الحضرمي"، قد هدد زعيم حلف قبائل حضرموت بشكل صريح، وقال إنه لا يمكن السكوت عما يقوم به.

وقال القيادي في المجلس الانتقالي الانفصالي : "إن ما يقوم به بن حبريش في منطقة الهضبة ( تشمل مديريات عدة تقع شمال شرق مدينة المكلا)، عمل مدان، وقواتنا لن تسكت عن ذلك".

فرض واقع جديد
وفي السياق، يرى الباحث اليمني في القانون الدولي والعلاقات الدولية، عبد الله محمد الهندي إن تهديدات صالح الشيخ أبو بكر، قائد ما يسمى بـ"الدعم الأمني"، تعكس توجها واضحا نحو فرض واقع جديد في حضرموت بقوة السلاح، مستندا إلى دعم مباشر من داعمي الانتقالي وإلى تسليح حديث.

وقال الهندي في حديث خاص لـ"عربي21" أن الرجل يهدف إلى خلق قوة موازية – بل منافسة – للمرجعيات القبلية التقليدية التي خلت لها الساحة بعيد استرجاع المحافظة خصوصا في الساحل عدا من بعض القوى السياسية المدنية التقليدية والانتقالي بطبيعة الحال.

وأضاف "غير أنها، أي القوى القبلية اليوم تعد القوى الأكبر والأقوى التي لم تنسلخ تحت سياط الانتقالي وعلى رأسها حلف قبائل حضرموت بقيادة عمرو بن حبريش".

وأشار الباحث اليمني في العلاقات الدولية أن هذه التهديدات ليست انفعالية، بل هي ذات دلالات استراتيجية، أهمها "السعي لانتزاع السيطرة على الهضبة النفطية ومناطق النفوذ التقليدية للقبائل تحت مبرر إحلال الأمن وإلغاء أي كيان محلي لا يخضع لسلطة الفصيل الجديد".

أما بخصوص اتجاهات المشهد في حضرموت، أوضح أن التوتر بلغ فعلاً أعلى مستوياته، واحتمالات الانزلاق إلى مواجهة عسكرية تبدو قائمة إذا استمر الدفع نحو تغيير موازين القوة بالقوة.
وقال : "كما أن أي محاولة لفرض هيمنة فصيل مدعوم خارجياً ستقود إلى إضعاف النسيج الاجتماعي الحضرمي وإدخال المحافظة في صراع نفوذ يتجاوز قدرتها على الاحتمال".

وبشأن ميزان القوى على الأرض، أكد الباحث اليمني في القانون والعلاقات الدولية أن "الدعم الأمني"، يمتلك تفوقاً في التسليح والدعم اللوجستي، لكن حلف قبائل حضرموت ما يزال صاحب الشرعية الاجتماعية والمجتمعية الأوسع، وهذا ما يجعل أي مغامرة عسكرية محفوفة بمخاطر كبيرة، وقد تنقلب إلى صراع مفتوح يصعب احتواؤه.

ولفت إلى أن هناك إشكالية تتمثل في "غياب مجلس القيادة الرئاسي" عن المشهد في حضرموت، خصوصاً بعد أن تعثّرت اللجنة الرئاسية التي شكّلها رشاد العليمي، رئيس المجلس، في بداية الأزمة ولم تقدّم أي حلول عملية.

وتابع بأن هذا الفراغ السياسي منح المجلس الانتقالي فرصة للاندفاع في المحافظة دون رادع، وبات يتحرّك وكأنه الطرف الوحيد القادر على إعادة تشكيل موازين القوى هناك.

وبحسب الباحث اليمني فإن غياب المجلس الرئاسي يثير تساؤلات جدية حول طبيعة الرهانات داخل المجلس نفسه، وإلى أي مدى يصبّ ما يجري في حضرموت في خدمة مصالح بعض القوى المؤثرة داخله، ولا سيما القوى المرتبطة بالملف الاقتصادي.

وقال إن حضرموت ليست محافظة عادية؛ إنها "عمود اقتصادي يعتمد عليه اليمن، واحتياط استراتيجي للطاقة"، وأن "أي طرف ينجح في السيطرة على قرارها الأمني والسياسي يضمن تلقائياً نفوذاً واسعاً في الملف النفطي".

وأوضح أن ترك الساحة للمجلس الانتقالي للتحرك منفرداً في حضرموت قد لا يكون مجرد تقصير إداري أو فشل في المتابعة من قبل مجلس القيادة، بل قد يعكس تقاطعات مصالح داخل المجلس نفسه، أو رغبة ضمنية لدى بعض مراكز القوى في إعادة هندسة الوضع المحلي بما يضمن توزيعا جديدا للنفوذ الاقتصادي، حسب قوله.

أخطر مرحلة
وفي وقت سابق الخميس، حذر عضو مجلس القيادي الرئاسي ومحافظ حضرموت الأسبق، لواء فرج البحسني، من تبعات التصعيد الجاري في حضرموت.

وقال البحسني، وهو نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عبر منصة "إكس" إن محافظة حضرموت تمرّ بمرحلة هي الأخطر منذ عقود، مرحلة لا تقبل العبث، ولا تحتمل التصعيد، ولا تغفر لمن يضع مصالحه فوق مصلحة حضرموت وأهلها.

وتابع بأن المحافظة تُساق الآن نحو انقسامات لا تخدم إلا أعداءها، ويُراد لها أن تدخل في صراع داخلي يشتت صفها ويضرب أمنها واستقرارها.

وأشار قائلا: "من يظن أن زيادة التوتر ستخدم قضيته فهو واهم"، محذرا في الوقت ذاته، من أن التوتر يفتح الباب واسعًا أمام الفوضى، والفوضى إذا دخلت حضرموت فلن يسلم منها أحد، وفق تعبيره
وعلى وقع التوتر والتحشيد العسكري في المحافظة الساحلية على بحر العرب، أطاح رئيس المجلس الرئاسي، رشاد العليمي، بمبخوت بن ماضي من منصبه كمحافظ لحضرموت، وعين سالم الخنبشي، القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام والمحافظ السابق للمحافظة ما بين عامي 2008 و2012، بديلا له.

وتنقسم حضرموت إلى جزأين إداريين هما الساحل وأبرز مدنه المكلا، مركز المحافظة، والآخر هو الوادي والصحراء وأبرز مدنه سيئون.

كما تنقسم المحافظة عسكريا إلى المنطقة الأولى (مركزها سيئون وتنتشر فيها قوات من الجيش اليمني التقليدي حافظت على تماسكها)، والمنطقة الثانية (مقرها المكلا ومحيطها حيث تنتشر قوات النخبة الحضرمية، التي تشكلت 2016 من مجندين وعسكريين من أبناء المحافظة ذاتها قبل أن يضم إليها تشكيلات من خارجها).